وبدأت الاضطرابات تنتشر مثل النار في الهشيم، مع استيلاء متمردين من حركة "سيليكا" التي تضم في صفوفها مقاتلين من الطائفة المسلمة في البلاد (20 في المئة من السكان)، على الحكم في 24 مارس/آذار من العام الماضي، وذلك بدعم من حكومة ادريس ديبي في تشاد، الجارة الشمالية، والذي تخلى عن حليفه السابق الرئيس فرانسوا بوزيزي الذي ينتمي إلى الغالبية المسيحية (50 في المئة)، ما أجبره على مغادرة البلاد.
ونصّبت "سيليكا"، ميشيل جوتوديا، رئيساً جديداً للبلاد في 18 أغسطس/آب 2013، لكنه سرعان ما فشل في وقف حركات الاحتجاج المنددة بما اعتبرته انقلاباً، رغم أن بوازيه نفسه وصل إلى الحكم للمرة الثانية في العام 2003 بحركة انقلابية، مدعوماً من ديبي في إطار ما عرف حينها بسياسة احتواء نظام الرئيس السوداني عمر البشير لدعم انفصال جنوب السودان والمتمردين في دارفور.
وطالب تحالف "سيليكا"، الذي يضم فصائل إسلامية متمردة، باحترام اتفاقات السلام الموقعة بين عامي 2007 و2011، والتي تنص على نزع السلاح وإعادة إدماج المتمردين في الجيش.
لكن "سيليكا" لم تستقر في الحكم، إذ ظهرت سريعاً، مليشيات قروية مسيحية للدفاع الذاتي ملقبة باسم "أنتي بالاكا". وظهرت أولى هذه المجموعات من أتباع الرئيس بوزيزي في سبتمبر/أيلول الماضي، في شمال غرب أفريقيا الوسطى، رداً على التجاوزات التي ارتكبها مسلحون من صفوف تحالف "سيليكا" المتمرد، ولرغبتهم في انتقال الحكم إلى رئيس مسيحي.
وأدى هذا الصراع إلى نشأة نوع من الانقسام الديني بين المسيحيين والمسلمين، الذين خرج من أوساطهم جوتوديا كأول رئيس مسلم للبلاد منذ الاستقلال في العام 1960.
وبدأت الميليشيات المسيحية، في نهاية العام الماضي، بشن هجمات على التجمعات القروية الإسلامية وأحياء المسلمين في العاصمة بانغي، ما أدى إلى سقوط آلاف الضحايا.
ومع تزايد القلق الدولي بشأن وقوع جرائم ضد الانسانية، تحركت قوات افريقية، مدعومة من الجيش الفرنسي، في السادس من ديسمبر/ كانون الأول الماضي، لبسط السيطرة على البلاد، وأدت العمليات، مع بداية العام الجاري، إلى خلع الرئيس المنصب جوتوديا، وتعيين رئيسة انتقالية تدعى كاثرين سامبا بانزا.
وتقول رئيسة البعثة البرلمانية الفرنسية ايليزابيث غيغو في أفريقيا الوسطى، أن الرئيسة عبّرت عن رغبتها في تمديد مهام القوات الفرنسية من أجل "توفير مناخ ملائم لإجراء الانتخابات الرئاسية" وذلك لغاية فبراير/ شباط من العام المقبل. ويتواجد حاليا قرابة 2000 جندي فرنسي في البلاد لمساندة 5000 جندي من القوة الافريقية.
ويتهم الوزير السابق، محمد نور الدين آدم، الفرنسيين "بأنهم ينحازون إلى جانب ميليشيات (أنتي بالاكا) ويزودونهم بالسلاح، بعدما تم تجريد المسلمين من سلاحهم".
ولا توجد إحصاءات دقيقة لغاية الآن عن عدد القتلى في الصراع الدائر في افريقيا الوسطى، لكن التقديرات بأنها بالمئات فضلا عن تدمير عشرات المساجد في بانغي ومهاجمة عشرات القرى المسلمة، ولقد نزح لغاية الآن الالاف إلى الدول المجاورة الكاميرون وتشاد، ودعا ادريس دبي إلى مصالحة اسلامية مسيحية، وتخشى تشاد من انتقال النزاع الطائفي في جارتها الجنوبية إليها حيث تقطن هناك أقلية مسيحية.
وتثار الشكوك عن الدور الفرنسي في أزمة وسط افريقيا، بسبب موقف الرئيس فرانسوا هولاند، الذي عبّر، في بداية الأزمة، عن رفضه التدخل في الصراع الدائر هناك، رغم ان فرنسا تدخلت في السنوات الثلاث الأخيرة بقوة في ليبيا وساحل العاج ومالي.
ويخشى مراقبون من ان يكون الموقف الفرنسي الحالي تكرارا لموقف باريس المتردد عمداً، كما بينت التحقيقات، من أحداث رواندا في العام 1994، اثناء الصراع بين الهوتو والتوتسي والذي راح ضحيته قرابة 800 ألف شخص في أكبر مجازر القارة الافريقية.
ويتهم إسلاميون وناشطون حقوقيون، الحكومة الفرنسية بالوقوف خلف مخطط إعادة توطين المسلمين خارج حزام وسط وغرب افريقيا، والفصل بينهم وبين المسيحيين، استكمالاً لمخطط تقسيم السودان، ولكن على مناطق جغرافية أبعد من ذلك في افريقيا.
وتُعتبر وسط افريقيا منطقة نفوذ فرنسي تقليدياً، وتحوي ثروات كبيرة من الذهب والألماس، وينظر إليها كمنطقة مصالح اقتصادية فرنسية بالدرجة الأولى.
وينفي نشطاء حقوقيين في باريس أن يكون لفرنسا مخططات تدعم التطهير الطائفي، لكن رئيس جامعة بانغي، بوبوسي غوستاف، اتهم فرنسا بأنها كانت تسعى دائماً لزعزعة استقرار جمهورية أفريقيا الوسطى من أجل الحفاظ على مصالحها، وحمّلها مسؤولية الأزمة الحالية في البلاد. ورأى غوستاف أنه "إذا كانت فرنسا مهتمة حقاً بإنهاء الاضطرابات الحالية في مستعمرتها السابقة، لفعلت ما يجدر عليها فعله، ولكنها ليست مهتمة بإنهاء الأزمة حتى الآن". وأوضح أن "باريس لديها الكثير من المصالح في هذا البلد الثري بالمعادن، ولذلك فإنها كانت تسعى دائماً لزعزعة استقرار حكوماتنا بهدف تعيين القادة الذين سوف يسمحون لهم بأن تفعل ما تريد".
وتشتهر جمهورية أفريقيا الوسطى بثروتها المعدنية بأنواع مختلفة من المعادن النفيسة،، ومن بينها الذهب والماس والنحاس، ويعتقد أيضاً أنها تحتوي كميات كبيرة من اليورانيوم. وتملك مجموعة "أريفا" الفرنسية، التي تعمل في مجال الطاقة النووية، وحدة لتحويل اليورانيوم في باكوما (جنوب شرق البلاد)، ومنجماً يضم نحو 32 ألف طن من المادة المشعة، حسبما تشير تقارير.
يشار إلى أن فرنسا لا تزال تعتمد في الوقت الراهن على نحو 75 في المئة من احتياجاتها من الكهرباء، على الطاقة النووية.