وقالت البرغوثي لـ"العربي الجديد": "هذه الرسالة موجهة إلى أرفع شخصية دينية مسيحية، والذي يتمتع باحترام وتقدير من كل الديانات وكل البشر، ليرفع صوته ويتحدث باسم مئات آلاف الأمهات والزوجات والأبناء الذين تعتقل دولة الاحتلال الإسرائيلي أحباءهم".
وأكدت: "هذه الرسالة جزء من تدويل قضية الأسرى، الذين نعمل على إيصال صوتهم لكل العالم، رغم قيام سلطات الاحتلال بوضعهم في زنازين العزل، وحرمانهم من أبسط حقوقهم الإنسانية والقانونية في التواصل مع عائلاتهم والعالم الخارجي".
وفي ما يلي نص الرسالة:
قداسة البابا فرانسيس..
أكتب لك بشكل طارئ، حيث إن أكثر من ألف أسير فلسطيني يدخلون أسبوعهم الرابع وهم مضربون عن الطعام، من بينهم زوجي القائد والبرلماني الفلسطيني الأسير مروان البرغوثي. أنت صوت أخلاقي وداعم صريح لحقوق الإنسان، وبالتالي أنا متأكدة من أنك غاضب مما يحصل في أرض فلسطين ولشعبها، بما في ذلك حرمان الأسرى الفلسطينيين من العدالة الذي أدى إلى بدء الإضراب.
إسرائيل، القوة القائمة بالاحتلال، تستمر بانتهاك التزاماتها المفروضة عليها من قبل القانون الإنساني وقانون حقوق الإنسان الدولي، وقد قررت معاقبة أسرانا على احتجاجهم السلمي، ومن ضمن هذا تطبيق العزل الانفرادي، ومنع لقاء المحامين، والاقتحامات، ومصادرة الممتلكات الشخصية للأسرى والمعتقلين، ونقلهم إلى سجون أخرى، وعدم تلبية مطالبهم الشرعية.
قداستك..،،
نحن نعلم بأنك لست غير مكترث للقصص التي سمعتها من مجتمعك المخلص الخاص في الأرض المقدسة، ومن ضمنهم الأم الفلسطينية الشجاعة، عايدة حلبي، والتي يقبع ابنها أيضاً في سجن إسرائيلي. ومثل خالد، ابنها، هناك أكثر من 800.000 فلسطيني من كل الطوائف الدينية ومختلف الأصول الاجتماعية والأطياف السياسية تم اعتقالهم من قبل الاحتلال الإسرائيلي منذ سنة 1967. هذا مساوٍ لـ40% من مجمل عدد الذكور في الأراضي الفلسطينية المحتلة. واليوم هنالك 6500 أسير فلسطيني في السجون الإسرائيلية، من ضمنهم 56 امرأة، و13 برلمانياً، و500 معتقل إداري تم حجزهم دون تهم لفترة غير محدودة من الزمن. كيف للمرء تفسير هذه الأرقام غير المعقولة؟ المحاكم الإسرائيلية هي أداة للاضطهاد وليس للعدالة، وخاصة أن المحاكم الإسرائيلية التي تصل فيها نسبة الإدانة إلى ما بين 90% و99% للفلسطينيين! إنها جزء من سياسة التخويف ضد شعب مدني كامل وجزء من جهود الاضطهاد والقمع لحريتنا.
قام أحباؤنا بإطلاق هذا الإضراب عن الطعام من أجل حقوقهم الأكثر أساسية. لقد عانوا من اعتقال جماعي اعتباطي، ونقل قسري إلى خارج الأراضي المحتلة، وانتهاكات لحقوقهم. إنهم يطالبون بوضع حدّ للإجراءات العقابية الاعتباطية والتعذيب والمعاملة السيئة وإنهاء الإهمال الطبي، ويطالبون باحترام حقهم في الحصول على زيارات عائلية منتظمة من قبل أفراد عائلاتهم، وحقهم بالتواصل معهم، وأيضاً الحق بالتعليم. إنهم يخاطرون بحياتهم من أجل تحقيق ما يحق لهم الحصول عليه والذي يحرمون منه. إنهم مضربون عن الطعام لأنهم ضحايا لعقاب جماعي من قبل إسرائيل ولأن العالم قد هجرهم، وبإمكانهم فقط الاعتماد على إضراب مؤلم عن الطعام، مؤلم لهم ولعائلاتهم، من أجل توصيل رسالتهم.
زوجي مروان هو قائد سياسي يسعى من أجل حقوق شعبنا الغير قابلة للمصادرة والتي يساندها الكرسي الرسولي منذ عقود. لا أملك كلمات تصف شعور أم تقوم بتربية أطفالها وحدها. لقد كبر أولادي وتخرجوا من المدارس والجامعات، خطبوا وتزوجوا وأنجبوا أطفالاً أيضاً وأبوهم خلف القضبان. هذا هو الثمن الذي يدفعه مروان، كحال زملائه الأسرى الذين يدفعون ثمناً مشابهاً مع عائلاتهم وأبائهم، لأنهم يرفضون الخضوع والاستسلام لهذا الاحتلال العسكري الاستعماري. لكن كما تتخيل قضية بلدك الأصلية الأرجنتين فإن قضيتنا ليست منفصلة، أنا أمضي أيامي في خيم مع أمهات الأسرى يحملن صور أبنائهن ويكبتن دموعهن ويحاولن تخبئة خوفهن الأكبر. إن هذه المحنة هي محنة كل عائلة فلسطينية، هي قصة أهل ينتظرون الإفراج عن أبنائهم، وأزواج وزوجات وإخوة وأخوات وأطفال ينتظرون اليوم الذي تنتصر فيه حريتهم على الاضطهاد.
نحن شعب كامل مأسور، والأسرى الفلسطينيون هم أكثر انعكاس دراماتيكي لهذا الأسر الطويل المرعب. لهذا أكتب لك أولاً وبالدرجة الأولى باسم هذه العائلات وليس باسمي، ولهذا أقول لك ما لا يستطيعون هم قوله. كيف للعالم أن يبقى صامتاً في وجه ظلم كهذا؟ كيف يمكن له غض النظر بينما يتحمل الفلسطينينون هذه الحالة المرعبة من الظلم والاضطهاد وحرمان الحقوق جيلاً بعد جيل؟
أنا أدعو قداستك لرفع صوتك، لأن الحرية والكرامة هي حقوق معطاة من الخالق، ولا يجب على مجموعة من البشر حرمان مجموعة أخرى منها. أنا أناديك لرفع صوتك من أجل إنقاذ حياة أطفالنا وأزواجنا وآبائنا، للتحدث باسم النساء والأطفال في السجون الإسرائيلية، وباسم هذه الأرض المقدسة التي يتم تدنيسها من قبل الاحتلال، والتمييز العرقي والعنصرية والفصل العنصري. هذه الأرض التي من المفترض أن تكون أرضاً للتنوع والتعدد. أنادي قداستك لرفع صوتك لاحترام حقوق الشعب الفلسطيني، بمن فيهم من أسرى سياسيين، كي يصل صوت هؤلاء الموضوعين في العزل إلى العالم من خلال قداستكم.
مروان كتب لك قبل فترة، خلال زيارتك للأرض المقدسة. كتب لك عن أعمق معتقداته التي تقع في قلب صراعنا. أنا أكتب لك اليوم، أن هذه المعتقدات بغض النظر عن عدد المرات التي تم اختبارها فيها لن تهزم أو تكبح. الحرية والكرامة للشعب الفلسطيني هما الطريقة الوحيدة لتحقيق السلام.
آمل أن تصلك هذه الرسالة وأن تستطيع التدخل قبل أن يفوت الأوان.