نشر المعهد الملكي البريطاني للعلاقات الدولية، والمعروف اختصاراً باسم "تشاثام هاوس"، تقريراً، يعزو فيه تجرؤ روسيا على تنفيذ الاعتداء الكيميائي على سيرغي سكريبال في مدينة سالزبري، إلى وهن الرد الفعل البريطاني على اغتيال المعارض الروسي ألكساندر ليتفينينكو، قبل نحو عشرة أعوام.
واعتبر التقرير أن الحكومة الروسية واستخباراتها أدركت عدم توافق مستوى التهديدات البريطانية مع أفعالها، بناءً على حادثة اغتيال ليتفينينكو بمادة مشعة في العام 2006.
وبالرغم من الموقف البريطاني الأشد على المستويات: الدبلوماسية والسياسية والقانونية، الذي اتخذته حكومة تيريزا ماي بعد الاعتداء على سكريبال في مارس/آذار الماضي، رأى التقرير أن رد الفعل البريطاني "مجرد نسخة أشد" مما جرى في حادثة ليتفينينكو.
ووصف تقرير "تشاثام هاوس" رد الفعل البريطاني الأخير بأنه "ردع بالحرمان"، حيث اعتمد على حرمان روسيا من امتيازات علاقاتها مع الدول الغربية، ما يصعب على موسكو تنفيذ اعتداءات مماثلة مستقبلاً على الأرض البريطانية.
لكن التقرير الذي أعده دنكان آلان، الخبير في الشؤون الروسية في المعهد، رأى كذلك أن التصريحات البريطانية بعيدة عن أفعالها، ما يجعل من سياسة لندن الردعية أقل تأثيراً. وأوصى آلان بضرورة أن تقوم بريطانيا باستخدام الأدوات المالية التي تمتلكها، لردع الأنشطة الروسية غير المقبولة، من خلال "الردع بالعقوبة"، أي تحقيق خسائر مادية ضدها.
وأوصى التقرير أيضاً بأن تقوم بريطانيا، فور خروجها من الاتحاد الأوروبي، بالعمل بقانون العقوبات ومحاربة تبييض الأموال لعام 2018 ضد روسيا، أو أيّ دولة أخرى، في حال الاعتداء على مواطنين بريطانيين مستقبلاً. وفي حال استخدمت هذا القانون، فيجب أن تحثّ حلفاءها على تبني معايير مشابهة، إذ إن العقوبات متعددة الأطراف أشدّ فعالية من العقوبات القادمة من طرف واحد، إلا أن بريطانيا يجب أن تكون مستعدة للعمل من دون الاتحاد الأوروبي في حال الضرورة.
كما طالب آلان في تقريره بأن تعزز بريطانيا من جهودها لمراقبة قطاعها المالي وصناعاته. ويؤدي هذا الإجراء إلى رفع تكلفة التعاون مع النظام الروسي على النخبة الروسية التي تستثمر أموالها في بريطانيا، إضافة إلى أنه سيعزز من قدرة المؤسسات البريطانية على مواجهة التأثيرات السلبية لتدفق الأموال غير الشرعية إليها.
ورأى التقرير أن الدوافع المالية يجب أن تكون ثانوية وراء واجب بريطانيا لحماية مواطنيها، من اعتداء أجهزة الدولة الروسية التي قتلت وتحاول قتل مواطنين بريطانيين، قائلاً: "يجب أن تكون الأولوية لتقليل احتمال قيامهم بهذا الأمر مجدداً".
وشدد التقرير على أن وضع مصالح روسيا المالية في صلب السياسية البريطانية تجاهها، سيكون له تأثير أشد من سياسة الحكومة الحالية، خاصة من خلال نفي النظر إلى روسيا على أنها مشكلة جيوسياسية وخطر مباشر على بعض المواطنين البريطانيين، بينما تسهل بريطانيا في الوقت ذاته ثراء النخبة الروسية المرتبطة مباشرة بالكرملين.
وضرب مثالاً على ذلك التناقض في السياسة البريطانية تجاه روسيا. فبينما كانت بريطانيا على خلاف دائم مع روسيا حول عدد من القضايا الخارجية، مثل أوكرانيا، استمرت في بناء العلاقات الاقتصادية مع موسكو، معتقدة أنه بالإمكان عزل المصالح الاقتصادية عن العلاقة السياسية التي كانت تتجه نحو التصادم مع مرور الوقت.
وكاتب التقرير، دنكان آلان، باحثٌ يعمل في برنامج روسيا وأوراسيا في "تشاثام هاوس"، ومدير شركة "أوكتانت" للأبحاث المحدودة، وهي شركة استشارية مستقلة. وعمل في وزارة الخارجية البريطانية بين عامي 1989 و2017، مختصاً بدول الاتحاد السوفياتي السابق. كما خدم في السفارتين البريطانيتين في موسكو وكييف.