تحاول روسيا، من جديد، العمل على مد نفوذها إلى مناطق أوسع من محيطها الإقليمي. ومن هنا، جاء الاتفاق المبدئي الذي توصلت إليه مع كوبا لاستعادة محطة الإشارة في لورديس بالقرب من العاصمة هافانا، من أجل استرجاع موسكو مواقع سوفييتية سابقة، وفي محاولة لاستعادة الهيبة والنفوذ.
ومن المتوقع أن تعمل روسيا على استثمار المحطة ضد الولايات المتحدة الأميركية، وفقاً لما نقلته صحيفة "كوميرسانت" الروسية، عن مصادر روسية.
ووفقاً للصحيفة، فإن موسكو كانت قد بدأت مفاوضات بهذا الشأن منذ سنوات، لكن المباحثات تم تفعيلها بصورة خاصة في بداية العام الجاري. وفي غضون أشهر، تمكن الطرفان من إيجاد حلول لجميع الأسئلة المطروحة.
وإلى جانب ذلك، اتفق الروس مع فيتنام على استخدام الأسطول الحربي الروسي لقاعدة " كام رانه" الفيتنامية البحرية.
لورديس ذات ثقل رمزي
وفي أسباب العودة الروسية إلى كوبا، يتم الاستناد إلى استعادة روسيا وضعها المالي الذي يسمح بخدمة محطاتها السابقة البعيدة، والتردي المستمر في العلاقات بين موسكو وواشنطن.
ونقلت صحيفة "كوميرسانت" عن العميد الروسي الاحتياط، فيكتور موراخوفسكي، قوله إن "لدى روسيا كامل الحق بإنعاش المشروع، معززة بذلك قدراتها الاستطلاعية"، مشيراً إلى أن العودة اليوم إلى لورديس "أكثر من مسوغة".
وأكد موراخوفسكي، أن "قدرة الحرب الإلكترونية الروسية انخفضت في الفترة الأخيرة، وأن وجود هذا المركز قريباً من الولايات المتحدة يسمح بالتقاط الإشارات، بصرف النظر عن إتاحة الأنظمة الفضائية أو عدمها".
من جهته، رأى خبير عسكري روسي، رفض الكشف عن هويته، أن "لورديس كانت بمثابة عين الاتحاد السوفييتي المبصرة للنصف الغربي من الكرة الأرضية، وهو ما تحتاجه روسيا اليوم، لدعم مكانتها في المجتمع الدولي".
المواجهة مستمرة
وقد بدأت محطة الإشارة في لورديس العمل في العام 1967، واستمرت روسيا باستثمارها بعد انهيار الاتحاد السوفييتي، إلى أن تخلت عنها في العام 2001، بعدما عجزت عن تغطية نفقات تشغيلها، وهي على بعد عشرة آلاف كيلومتر من موسكو. كما جاء التخلي عنها، كبادرة حسن نية تجاه الولايات المتحدة، التي طالبت بذلك في حينه، على الرغم من المعلومات التي يبدو أن المحطة كانت تقدمها لروسيا.
وذكرت "كوميرسانت"، أن الرئيس الكوبي، راؤول كاسترو، أعلن أن موسكو، بفضل محطة لورديس، تمكنت من الحصول على 75 في المئة من إجمالي معلوماتها عن الولايات المتحدة الأميركية.
وعلى الرغم من أن هذا الرقم قد يكون مبالغاً فيه، إلا أن المحطة الواقعة على بعد 250 كيلومترا من شواطئ الولايات المتحدة، تسمح بالتقاط الإشارات الإلكترونية والمكالمات الهاتفية في مساحة شاسعة من أراضي "العدو المحتمل".
ويدور الحديث عن حاجة روسيا إلى هذه المحطة نتيجة تخلف قدرتها التجسسية الفضائية قياساً لواشنطن التي لا تزال تشغل المرتبة الأولى في المواجهة الجيوسياسية مع روسيا، وفي التطور التكنولوجي، وخصوصاً في أنظمة المراقبة والتجسس الإلكترونية.
وكان الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، قد قام بزيارة رسمية إلى كوبا، يوم الجمعة الماضي، حيث وقّع قانوناً ألغى بموجبه 90 في المئة من الديون الكوبية المستحقة لروسيا.
خطوة إلى الوراء أم الأمام؟
كان الترويج في الإعلام الروسي لفكرة أن انسحاب روسيا من قاعدة "كام رانه" العسكرية البحرية في فيتنام، وتخليها عن محطة لورديس، بمثابة هدية قدمها بوتين، للرئيس الأميركي السابق، جورج بوش الإبن، عشية الزيارة التي قام بها للولايات المتحدة في نوفمبر/تشرين الثاني 2001. إلا أن الهدية الاستراتيجية، كما ترى صحيفة "فزغلاد" الروسية، لم تعطِ النتائج المتوخاة منها.
ولم يطل الوقت ببوش الابن حتى أعلن، في 13 ديسمبر/كانون الأول 2002، عن انسحاب الولايات المتحدة من معاهدة منع انتشار الصواريخ العابرة للقارات.
وفي العام 2008، جرى الحديث في وسائل الإعلام الروسية، عن إمكانية عودة الأسطول البحري الروسي إلى قاعدة "كام رانه" في فيتنام، وتلا ذلك مناقشة الأمر رسمياً على مستوى الحكومة الروسية عام 2010.
وبعد زيارة بوتين لفيتنام، في إطار جولته في جنوب شرق آسيا، في نوفمبر 2013، تم التوصل إلى اتفاق حول شروط استخدام السفن الحربية الروسية لموانئ فيتنام. أما اليوم، فقد اكتسب الأسطول الحربي الروسي أفضلية في استخدام قاعدة "كام رانه" لخدمة حاجاته.
وتحمل عودة روسيا إلى نشر قوتها العسكرية في العالم، بصرف النظر عن حجمها وفاعليتها، بعداً رمزياً بالدرجة الأولى، ذلك أن روسيا ليست في وضع يؤهلها بعد للقيام بعمليات كبرى خارج الحدود، على غرار واشنطن، وليس لديها حلفاء يدعمونها في ذلك.