نجح الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون حتى اليوم في قيادة سياسة فرنسا الداخلية والخارجية، بأقل الأخطاء الممكنة. حتى أن معارضه اللدود، جان لوك ميلانشون، اعترف قبل أيام، وهو يتحدث عن جولات أخرى آتية، بأن الرئيس فاز في الجولة الأولى. ولخّص ماكرون، قبل أشهر موقفه من الاحتجاجات الشعبية والعمالية والنقابية، التي تنتظره بالقول: "ليس الشارع هو من يفرض السياسات في فرنسا". وهو ما يعني أنه لن يفعل كما فعل آخرون، عندما سحبوا مشاريع قوانين، حين رأوا الشارع يعارضها. ولم تكن تعبئة على الموعد، وبالتالي لم يجد ماكرون نفسَه أمام تحدياتها، حتى ينفذ وعوده بعدم الخضوع لإملاءاتها.
ويقول عنه النائب الأوروبي، غيوم بالاس: "ماكرون يريد أن يكون كل شيء في الوقت نفسه، بينما الديمقراطية هي التصارعية". ويبدو ماكرون كأنه نوع من الرئيس السابق نيكولا ساركوزي، والأمر ليس غريباً، فالغزل متواصل بين الرئيسين، تتخلله زيارات للرئيس السابق إلى الإليزيه ونصائح للرئيس الحالي. ولكن ماكرون، على خلاف ساركوزي والرؤساء السابقين، أكثر حذراً تجاه الإعلام، إذ لا شيء مهماً يتسرب إلى وسائل الإعلام، إلا ما يريده ماكرون نفسه.
كما أن الرئيس الفرنسي يستفيد، من شيء لم يكن متوفراً لكثيرين من قبله، وهو الانسجام الحكومي، إلى درجة غير مسبوقة. ولا غرابة أن ارتياحاً كبيراً، عمّ الحكومة، عقب التخلص من فرانسوا بايرو، حليف الرئيس المزعج، الذي كان يروق له التصريح بكل ما يخطر بباله، حتى ولو أزعج الرئيس.
ويقود ماكرون إصلاحاته التي وعد بها في حملته الانتخابية، بسلاسة، على الرغم من بعض الجدل الذي يثيره نواب حركة "فرنسا غير الخاضعة" في الجمعية الوطنية (البرلمان)، وعلى الرغم من الأغلبية التي يتمتع بها حزب "الجمهوريين" اليميني في مجلس الشيوخ، لأن مشاريع القوانين التي تقترحها الأغلبية الحكومية يتم تمريرها، في نهاية المطاف، وبأغلبية ساحقة.
وفي جو انهارت فيه الوحدة النقابية وضعف تمثيلها، لم يجد ماكرون ما يدفعه لاستمالة نقابة "سي. إف. دي. تي"، التي كانت مُقرَّبة من كل الحكومات الفرنسية، من أجل شقّ الصف النقابي، المفكك أصلاً. وعلى الرغم من أن هذه النقابة لا تخفي بعض اختلافها مع الحكومة، إلا أنها لا تريد الحديث عن أي وحدة نقابية.
ولأنّ ماكرون، يريد أن يمنح لحركته السياسية استمرارية، قرر أن يضع أسس حزبه السياسي "الجمهورية، إلى الأمام"، بعد نقاشات طويلة بين أعضائه، انتهت بأن فرض عليه، مقرَّبا منه هو المتحدث السابق باسم الحكومة، كريستوف كاستنير، رئيساً. وليس غريباً أن يتم اختيار كاستنير، بسبب معرفته الحقيقية بتاريخ حركة الرئيس، ولأنه كان من رجالات الرئيس الأوائل، كما أنه يعرف الفلسفة التي بُنيت عليها هذه الحركة. وسيكون على عاتقه الاستعداد للاستحقاقات الانتخابية المقبلة، ومواجهة الأحزاب الأخرى ومن بينها حزب "الجمهوريون"، الذي يتأهب لانتخاب أشد القيادات يمينية وتطرفاً، في تاريخه، باعتراف نيكولا ساركوزي نفسه، وهي قيادة قالت صحيفة "ليبراسيون" إنها أكثر يمينية من حزب "الجبهة الوطنية" المتطرف. هذا الأمر سيجعل الكثير من المتعاطفين مع اليمين يهربون نحو حزب الرئيس أو باتجاه الأحزاب الصغرى التي تدور في فلكه.
اقــرأ أيضاً
كل هذه العوامل تمنح الرئيس الفرنسي فرصة مثالية للقيام بدوره الدبلوماسي الخارجي. فلماكرون الكلمة الفصل في كل القضايا، بفضل الثنائي، أليكسي كوهلر وإسماعيل إيميليان، والذي يجعل من رئيس الحكومة إدوار فيليب، منفّذاً أميناً لقرارات الرئيس وسياساته، وبالتالي فإن هذا الجو يُسهّل على ماكرون حمل صوت فرنسا إلى الخارج، بشكل أكثر قوة ووضوحاً من سلفه، فرانسوا هولاند، سواء أثناء جولاته الدبلوماسية أو خلال استقباله ضيوفاً أجانب.
وللرئيس الفرنسي ميلٌ لنوع من الدبلوماسية التي تخلق الجلبة وردود الفعل، حتى وإن أغاظت بعض الجيران والحلفاء، أو لم تُؤْتِ ثمارها بشكل سريع، والأمثلة كثيرة في هذا الصدد. ولعلّ استقباله للواء الليبي خليفة حفتر ورئيس حكومة الوفاق الليبية فائز السراج في قصر فرساي، من دون استشارة أو إطلاع بلدان معنية بالصراع في ليبيا، على الأمر، أغاظ إيطاليا ودولاً أخرى من هذا الانفراد الفرنسي.
كما أن الدور الفرنسي الحازم والحاسم في إخراج رئيس الحكومة اللبناني، سعد الحريري، من "الاحتجاز" السعودي، وإعادته إلى بلده ومنصبه، منح لفرنسا ولرئيسها هالة مهمة، وتقديراً دولياً وشعبياً كبيرين، وهو ما اعتبره كثيرون "قطيعة" مع الجمود الذي عرفته السياسة الفرنسية خلال الفترة الماضية. وقبله كان للموقف الفرنسي النشط في التحالف الدولي ضد تنظيم "داعش"، دورٌ كبير في محاصرة هذا التنظيم، وهو الأمر الذي لا يزال قائماً.
كذلك إنّ الحضور الفرنسي في منطقة التأثير الفرنسي التاريخية، أفريقيا، يزداد ويترسخ. فإضافة إلى زيارة ماكرون، بُعيد توليه الحكم، إلى منطقة الساحل والصحراء، لتفقّد جنوده، والتي كشفت عن استمرار الحضور الفرنسي العسكري لسنوات طويلة مقبلة، كما أعلن قادة عسكريون فرنسيون، كانت زيارته الأخيرة قبل أيام، لعدد من الدول الأفريقية، منها بوركينا فاسو، وساحل العاج، حيث حضر القمة الأفريقية-الأوروبية، فرصة لتوضيح بعض ملامح السياسة الفرنسية الجديدة، التي "تقطع" (لفظياً على الأقل) مع "فرنسا-أفريقيا"، والتي سبّبت كوارث للقارة لا تزال تأثيراتها حاضرة، خصوصاً عبر تثبيت أنظمة دكتاتورية ومستبدة في أفريقيا، أو التخلص من بعض من ينتقدون سياساتها. قبل أن يزور الجزائر يوم الأربعاء الماضي في زيارة تاريخية.
وحاول الرئيس الفرنسي، وهو يتحدث إلى شباب وطلبة بوركينا فاسو، أن يذكّرهم بحداثة سنّه، وهو ما يعني أنه غير مسؤول عن الماضي الاستعماري لبلاده، والذي انتقده واعتبره جريمة ضد الإنسانية. ويذكّرهم أيضاً، أن عليهم أن يأخذوا بأنفسهم زمام أمورهم، وأن فرنسا غير قادرة على مساعدتهم إلى ما لا نهاية.
ويبدو ماكرون مرتاحاً في سياساته ومواقفه الخارجية التي تبعث ارتياحاً شعبياً كبيراً، أكثر من سياساته الداخلية. كما أن موقفه العلني المنحاز لسلطات مدريد في صراعها مع انفصاليي كتالونيا، منح وضوحاً أكبر للسياسة الفرنسية.
واكتشفت الكثير من الدول والإسلامية العربية ثبات الموقف الفرنسي في الكثير من القضايا. فقد تأكدت الإمارات، التي استقبلت ماكرون خلال تدشين متحف اللوفر، أن صفقاتها مع فرنسا لن تكون على حساب علاقات فرنسا الوثيقة بدولة قطر، التي زارها أمس الأول الخميس. كما اكتشفت السعودية، أثناء محنة الحريري، أن صفقاتها وعلاقاتها المتميزة مع فرنسا لن تلغي، بأي حال من الأحوال، المكانة الخاصة التي يحظى بها لبنان وسياسيوه لدى فرنسا.
هذا الدور الفرنسي المتعاظم، بعد وصول دونالد ترامب إلى البيت الأبيض ومع انشغال البريطانيين بالخروج من الاتحاد الأوروبي، جعل باريس قبلة لكثير من الزعماء والساسة، وكان آخرهم رئيس وزراء إقليم كردستان، نجيرفان البارزاني، الذي زار فرنسا، على الرغم من احتجاج ساسة عراقيين، والذي خصه ماكرون بالاستقبال، وفي حضوره هاجم ماكرون مليشيا "الحشد الشعبي" وطالب بنزع سلاحها.
وعلى الرغم من انحسار بعض شعبية الرئيس الفرنسي، إذ عبّر 42 في المائة فقط، عن رضاهم على سياساته، مقابل 40 في المائة لرئيس حكومته، في آخر استطلاع للرأي، إلا أن ماكرون أكد مرات عديدة أنه لا يكترث كثيراً لاستطلاعات الرأي. وهو يستطيع ذلك، ما دام يتمتع بانسجام حكومي نادر وأغلبية برلمانية كاسحة، وما دام صوت فرنسا الدولي يطلّ متميزاً، وسط أزمات دولية حادة، وفي ظل انسحاب الولايات المتحدة الأميركية من كثير من الاتفاقات والمعاهدات الدولية، كان آخرها، انسحابها من ميثاق الأمم المتحدة للهجرة.
ويقول عنه النائب الأوروبي، غيوم بالاس: "ماكرون يريد أن يكون كل شيء في الوقت نفسه، بينما الديمقراطية هي التصارعية". ويبدو ماكرون كأنه نوع من الرئيس السابق نيكولا ساركوزي، والأمر ليس غريباً، فالغزل متواصل بين الرئيسين، تتخلله زيارات للرئيس السابق إلى الإليزيه ونصائح للرئيس الحالي. ولكن ماكرون، على خلاف ساركوزي والرؤساء السابقين، أكثر حذراً تجاه الإعلام، إذ لا شيء مهماً يتسرب إلى وسائل الإعلام، إلا ما يريده ماكرون نفسه.
ويقود ماكرون إصلاحاته التي وعد بها في حملته الانتخابية، بسلاسة، على الرغم من بعض الجدل الذي يثيره نواب حركة "فرنسا غير الخاضعة" في الجمعية الوطنية (البرلمان)، وعلى الرغم من الأغلبية التي يتمتع بها حزب "الجمهوريين" اليميني في مجلس الشيوخ، لأن مشاريع القوانين التي تقترحها الأغلبية الحكومية يتم تمريرها، في نهاية المطاف، وبأغلبية ساحقة.
وفي جو انهارت فيه الوحدة النقابية وضعف تمثيلها، لم يجد ماكرون ما يدفعه لاستمالة نقابة "سي. إف. دي. تي"، التي كانت مُقرَّبة من كل الحكومات الفرنسية، من أجل شقّ الصف النقابي، المفكك أصلاً. وعلى الرغم من أن هذه النقابة لا تخفي بعض اختلافها مع الحكومة، إلا أنها لا تريد الحديث عن أي وحدة نقابية.
ولأنّ ماكرون، يريد أن يمنح لحركته السياسية استمرارية، قرر أن يضع أسس حزبه السياسي "الجمهورية، إلى الأمام"، بعد نقاشات طويلة بين أعضائه، انتهت بأن فرض عليه، مقرَّبا منه هو المتحدث السابق باسم الحكومة، كريستوف كاستنير، رئيساً. وليس غريباً أن يتم اختيار كاستنير، بسبب معرفته الحقيقية بتاريخ حركة الرئيس، ولأنه كان من رجالات الرئيس الأوائل، كما أنه يعرف الفلسفة التي بُنيت عليها هذه الحركة. وسيكون على عاتقه الاستعداد للاستحقاقات الانتخابية المقبلة، ومواجهة الأحزاب الأخرى ومن بينها حزب "الجمهوريون"، الذي يتأهب لانتخاب أشد القيادات يمينية وتطرفاً، في تاريخه، باعتراف نيكولا ساركوزي نفسه، وهي قيادة قالت صحيفة "ليبراسيون" إنها أكثر يمينية من حزب "الجبهة الوطنية" المتطرف. هذا الأمر سيجعل الكثير من المتعاطفين مع اليمين يهربون نحو حزب الرئيس أو باتجاه الأحزاب الصغرى التي تدور في فلكه.
كل هذه العوامل تمنح الرئيس الفرنسي فرصة مثالية للقيام بدوره الدبلوماسي الخارجي. فلماكرون الكلمة الفصل في كل القضايا، بفضل الثنائي، أليكسي كوهلر وإسماعيل إيميليان، والذي يجعل من رئيس الحكومة إدوار فيليب، منفّذاً أميناً لقرارات الرئيس وسياساته، وبالتالي فإن هذا الجو يُسهّل على ماكرون حمل صوت فرنسا إلى الخارج، بشكل أكثر قوة ووضوحاً من سلفه، فرانسوا هولاند، سواء أثناء جولاته الدبلوماسية أو خلال استقباله ضيوفاً أجانب.
وللرئيس الفرنسي ميلٌ لنوع من الدبلوماسية التي تخلق الجلبة وردود الفعل، حتى وإن أغاظت بعض الجيران والحلفاء، أو لم تُؤْتِ ثمارها بشكل سريع، والأمثلة كثيرة في هذا الصدد. ولعلّ استقباله للواء الليبي خليفة حفتر ورئيس حكومة الوفاق الليبية فائز السراج في قصر فرساي، من دون استشارة أو إطلاع بلدان معنية بالصراع في ليبيا، على الأمر، أغاظ إيطاليا ودولاً أخرى من هذا الانفراد الفرنسي.
كما أن الدور الفرنسي الحازم والحاسم في إخراج رئيس الحكومة اللبناني، سعد الحريري، من "الاحتجاز" السعودي، وإعادته إلى بلده ومنصبه، منح لفرنسا ولرئيسها هالة مهمة، وتقديراً دولياً وشعبياً كبيرين، وهو ما اعتبره كثيرون "قطيعة" مع الجمود الذي عرفته السياسة الفرنسية خلال الفترة الماضية. وقبله كان للموقف الفرنسي النشط في التحالف الدولي ضد تنظيم "داعش"، دورٌ كبير في محاصرة هذا التنظيم، وهو الأمر الذي لا يزال قائماً.
كذلك إنّ الحضور الفرنسي في منطقة التأثير الفرنسي التاريخية، أفريقيا، يزداد ويترسخ. فإضافة إلى زيارة ماكرون، بُعيد توليه الحكم، إلى منطقة الساحل والصحراء، لتفقّد جنوده، والتي كشفت عن استمرار الحضور الفرنسي العسكري لسنوات طويلة مقبلة، كما أعلن قادة عسكريون فرنسيون، كانت زيارته الأخيرة قبل أيام، لعدد من الدول الأفريقية، منها بوركينا فاسو، وساحل العاج، حيث حضر القمة الأفريقية-الأوروبية، فرصة لتوضيح بعض ملامح السياسة الفرنسية الجديدة، التي "تقطع" (لفظياً على الأقل) مع "فرنسا-أفريقيا"، والتي سبّبت كوارث للقارة لا تزال تأثيراتها حاضرة، خصوصاً عبر تثبيت أنظمة دكتاتورية ومستبدة في أفريقيا، أو التخلص من بعض من ينتقدون سياساتها. قبل أن يزور الجزائر يوم الأربعاء الماضي في زيارة تاريخية.
وحاول الرئيس الفرنسي، وهو يتحدث إلى شباب وطلبة بوركينا فاسو، أن يذكّرهم بحداثة سنّه، وهو ما يعني أنه غير مسؤول عن الماضي الاستعماري لبلاده، والذي انتقده واعتبره جريمة ضد الإنسانية. ويذكّرهم أيضاً، أن عليهم أن يأخذوا بأنفسهم زمام أمورهم، وأن فرنسا غير قادرة على مساعدتهم إلى ما لا نهاية.
ويبدو ماكرون مرتاحاً في سياساته ومواقفه الخارجية التي تبعث ارتياحاً شعبياً كبيراً، أكثر من سياساته الداخلية. كما أن موقفه العلني المنحاز لسلطات مدريد في صراعها مع انفصاليي كتالونيا، منح وضوحاً أكبر للسياسة الفرنسية.
واكتشفت الكثير من الدول والإسلامية العربية ثبات الموقف الفرنسي في الكثير من القضايا. فقد تأكدت الإمارات، التي استقبلت ماكرون خلال تدشين متحف اللوفر، أن صفقاتها مع فرنسا لن تكون على حساب علاقات فرنسا الوثيقة بدولة قطر، التي زارها أمس الأول الخميس. كما اكتشفت السعودية، أثناء محنة الحريري، أن صفقاتها وعلاقاتها المتميزة مع فرنسا لن تلغي، بأي حال من الأحوال، المكانة الخاصة التي يحظى بها لبنان وسياسيوه لدى فرنسا.
وعلى الرغم من انحسار بعض شعبية الرئيس الفرنسي، إذ عبّر 42 في المائة فقط، عن رضاهم على سياساته، مقابل 40 في المائة لرئيس حكومته، في آخر استطلاع للرأي، إلا أن ماكرون أكد مرات عديدة أنه لا يكترث كثيراً لاستطلاعات الرأي. وهو يستطيع ذلك، ما دام يتمتع بانسجام حكومي نادر وأغلبية برلمانية كاسحة، وما دام صوت فرنسا الدولي يطلّ متميزاً، وسط أزمات دولية حادة، وفي ظل انسحاب الولايات المتحدة الأميركية من كثير من الاتفاقات والمعاهدات الدولية، كان آخرها، انسحابها من ميثاق الأمم المتحدة للهجرة.