يوضح هذا الأمر بشكل لا يدع مجالاً للبس طبيعة المخطط الذي تعمل عليه روسيا وإيران في محيط دمشق من أجل ضرب عصفورين بحجر واحد، هما تأمين محيط دمشق مع الإبقاء على مبرر محاربة النظام لـ"إرهاب" يستطيع التحكم به، والسيطرة عليه باللحظة التي يجدها مناسبة، وبنفس الوقت إجراء عملية تغيير ديمغرافي تخدم المخطط الإيراني القائم على تغيير التركيبة السكانية في محيط دمشق، وبشكل يمنع السكان من العودة إلى بيوتهم على المدى القريب والمتوسط، بهدف ترسيخه كواقع على المدى البعيد.
لو كانت الأولوية هي محاربة الإرهاب، كما تدعي روسيا، لكانت الأولوية للقضاء على تنظيم داعش المتمركز في مدينة دمشق وضمن أحياء دمشقية، وهو أمر لا يتطلب من النظام أكثر من بضع ساعات، في حين أن معركة الغوطة التي كلفت حرق غوطة دمشق الشرقية وقتل الآف الأبرياء من المواطنين كانت من أجل 240 عنصراً فقط من هيئة تحرير الشام، روسيا من عرقلت خروجهم من الغوطة.
يبدو واضحاً أن استراتيجية التهجير في محيط دمشق تقوم على الإبقاء على تنظيم داعش الضعيف في جنوب دمشق، والذي لا يتجاوز تعداد عناصره المئات، وذلك بهدف منع الأهالي من العودة إلى بيوتهم بحجة وجود تنظيم داعش. أما الهدف في غوطة دمشق فهو يقوم على القضاء على فصائل المعارضة المسلحة وتهجير سكان الغوطة بحجة محاربة الإرهاب وتهديد العاصمة، وإن بدت تلك الحجة كنكتة سخيفة، إلا أن التوافق الدولي، خصوصاً بين موسكو وطهران، يبدو أنه من سهل مهمة روسيا في حرب الابادة التي قامت بها في الغوطة الشرقية، من دون أن تكلف أية دولة من الدول التي سكتت أو شجبت أو نددت بما يجري بالغوطة نفسها عناء السؤال عن سبب ترك النظام لتنظيم داعش شبه المنهار في خاصرة دمشق الجنوبية وتركه يتوسع هناك دون أدنى إجراء بحقه.