قررت محكمة في الدنمارك، اليوم الجمعة، إدانة وزارة الدفاع الدنماركية بتهمة التواطؤ في تعذيب عراقيين أثناء الاحتلال الأميركي للعراق في 2004، وقضت بتعويض 18 عراقيا من أصل 23 مدعيا بمبلغ 30 ألف كرونه لكل منهم، فيما كانت مطالب العراقيين تتجاوز مبلغ 120 ألف كرونه.
وشهدت قضية العراقيين المشتكين على وزارة الدفاع أمام محاكم كوبنهاغن جلسات عديدة أمام قضاة من درجات مختلفة، إلى أن رسا الأمر على المحكمة العليا شرق البلد، من خلال رفع محامين محليين شكاوى المدنيين العراقيين.
واستمعت المحكمة لشهادات ضباط من وزارة الدفاع وجنود كانوا يعملون في منطقة البصرة في الجنوب العراقي، وتحديدا في الفترة التي شهدت أعمالا عسكرية واعتقالات على يد القوات البريطانية. كما استمع قضاة محكمة شرق البلاد إلى العراقيين.
وقال أحد المشتكين أمام هيئة قضاة دنماركيين، وهو مدرس ثانوية عراقي (57 سنة): "ما تعرضت له شيء لا يمكن للبشر تحمله. لقد جرى ضربي بالكابلات وصعقي بالكهرباء".
وبالرغم من نفي وزارة الدفاع الدنماركية، منذ 2011 تاريخ تفجر هذه القضية، الاتهامات الموجهة لجنودها المشاركين، في نوفمبر/ تشرين الثاني 2004، في عملية مشتركة مع البريطانيين وقوات عراقية في عملية "الصحراء الخضراء" في البصرة، إلا أن شهادات أخرى، كـ"التعليق والتعذيب والإهانات"، طغت على هذه القضية، التي سمحت المحاكم الدنماركية بمقاضاة وزارة دفاع بلدها أمامها، ومنح العراقيين "تغطية تكاليف المحكمة من الدولة الدنماركية"، بعد أن وجدت كوبنهاغن نفسها سنة 2015 تحت الضغوط والانتقادات من قبل منظمات دولية حقوقية، وخصوصا لجنة الأمم المتحدة لمكافحة التعذيب، لمحاولتها منع قضية التعويضات أن تصل إلى محاكمها.
وتتهم القوات الدنماركية بأنها "سلمت المعتقلين للسلطات (الشرطة والجيش) العراقية".
وشهدت حملة "غرين ديزرت" في حينه دورا دنماركيا تمثل بقيام جنودها بـ"تأمين المنطقة من الخارج" بحثا عن السلاح، وتنفيذ اعتقالات طاولت العشرات، أغلبهم مزارعون بسطاء ممن نقلوا إلى معسكرات وسجون عراقية، حيث مورست عليهم، وفقا لادعاءات الـ23 عراقيا، "أنواع تعذيب صعبة".
وكانت وزارة الدفاع الدنماركية متهمة بـ"غض الطرف عن والمشاركة في التعذيب"، وهي التهمة التي وجهت لجنود بريطانيين في العملية.
وشهدت القضية جدلا كبيرا في فبراير/ شباط الماضي مع كشف أحد "الضحايا" (لاجئ عراقي، 38 سنة، مقيم في الدنمارك ويدعى باسم، ولم يسلم للقوات العراقية بل أوقف لـ6 ساعات وأطلق سراحه) لصحيفة "ذي صن" البريطانية أن "التهم التي وجهت للجنود البريطانيين ليست حقيقية، بل للحصول على أموال تعويض فقط"، وهو ما تسلح به محامو وزارة الدفاع الدنماركية، إذ جرى الاستماع إلى أقوال باسم أكثر من مرة أمام المحكمة الدنماركية.
وشكل اعتراف هذا الشاهد بأن "التهم ملفقة" إحراجا لشركة محاماة Leigh Day البريطانية، ومحامي العراقيين في الدنمارك، الذين اتهموا الوزارة بـ"محاولة حرف القضية".
ويأتي الحكم الصادر اليوم، بعد 14 سنة من الواقعة، و7 سنوات من الجدل الحقوقي والقضائي والسياسي، بشأن دور بعثات القوات الدنماركية خارج البلد، بعد أن بقيت وزارة الدفاع، في حكومات متعاقبة من يسار ويمين الوسط، ترفض الاعتراف بـ"أي دور لقواتنا في قضية تعذيب وإهانة مواطنين عراقيين"، بحسب بيانات للوزارة خلال السنوات الماضية، إضافة إلى محاميها بيتر بييرينغ، الذي أصر على أن "القوات الدنماركية بريئة من التهم".
وظل محامو العراقيين يصرون على أن "دور القوات الدنماركية بتأمين حزام أمني محيط بمنطقة التفتيش لا يعفيها من خرقها للقانون الدولي بمساعدة دولة ثالثة على حجز حرية البشر".
ويعني قلق وزارة الدفاع، التي تنشر عددا من قواتها في دول مختلفة، من تأثير الحكم على هؤلاء الجنود، "خلق ظروف جديدة تؤثر بشكل عملي على مسؤولية الدنمارك فيما يقوم به الآخرون الذين تشاركهم في عملياتها"، وفقا لبرييرينغ، وهي خشية أن تكون سابقة لشكاوى أخرى في الدول التي تشارك فيها بعثات عسكرية دنماركية.