وتمثل ولايتا أيوا ونيوهامبشير أهمية بالغة في الانتخابات الرئاسية الأميركية، على الرغم من صغر حجمهما الانتخابي، إذ إن أسبقيتهما على سائر الولايات في تحديد من يمثل كل حزب من الحزبين الكبيرين، غالباً ما يؤثر اختيارهما على المزاج الانتخابي العام في بقية أنحاء الولايات المتحدة، وكثيراً ما يقود الفوز في إحداهما أو كليهما إلى الوصول للبيت الأبيض لاحقاً.
ومن اللافت أنّ البيت الأبيض اختار للسباق عنوان "السلاح"، إذ قرر الرئيس الديمقراطي، باراك أوباما، بشكل مفاجئ، إصدار قرارات رئاسية تنفيذية تصدرت الجدل الانتخابي بين المتنافسين، كونها تضع قيوداً جديدة على المواطنين الأميركيين، فيما يتعلق بشراء وحمل الأسلحة الشخصية وهو ما يعترض عليه الجمهوريون بشدّة. وبرّر أوباما هذه القيود بأنّها ضرورية للحدّ من حوادث إطلاق النار، التي تتكرر بصورة شبه يومية في المجتمع الأميركي وتحصد أرواحاً كثيرة.
كما أعرب أوباما عن اعتقاده في خطاب موجه للشعب الأميركي أنّ وضع المزيد من القيود على حمل الأسلحة، يأتي في سياق محاربة الإرهاب والتقليل من قدرة "الذئاب المنفردة"، المتعاطفين مع تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) داخل الأراضي الأميركية، على الحصول بسهولة على أدوات القتل.
وعلى الرغم من اعتراض القوى الجمهورية، غير أن تزامن قرارات أوباما مع إقدام مسلّحين أميركيين على احتلال مرافق تابعة للحكومة الفدرالية في ولاية أوريغون، أكسب القرارات الرئاسية التي لها قوة القانون، تأييداً واسعاً في صفوف التيار الليبرالي والقوى الدائرة في فلك الحزب الديمقراطي.
لكن التيار المحافظ، وجميع المرشحين المتنافسين على تمثيل الحزب "الجمهوري" في انتخابات الرئاسة الأميركية، يبدون معارضة قوية للحدّ من قدرة المواطن الأميركي على شراء وحمل السلاح، بحجة أن هذا حق دستوري لا يجوز سنّ قوانين أو إصدار قرارات تتناقض مع ما يكفله الدستور.
ويساند التيار الليبرالي الواسع المدافع عن الحريات الدستورية مختلف الحريات المنصوص عليها في الدستور الأميركي، باستثناء حرية حمل السلاح. وفي المقابل، فإن الحزب الجمهوري يتبنى عقيدة فكرية يدعو بموجبها إلى تصغير حجم الحكومة الفدرالية وتحجيم سلطاتها والحد من النفقات الحكومية الهائلة، ولكن بمجرد أن تطاول هذه العقيدة المؤسسة العسكرية والتسلح العام، فسرعان ما يبدي الجمهوريون والتيار المحافظ تناقضاً جذرياً مع عقيدتهم الفكرية، مطالبين بزيادة الموازنة العسكرية ويحتجون على أي تقليل من حجم الإنفاق العسكري.
ويعتبر رجل الأعمال الأميركي، دونالد ترامب، المتصدر لقائمة المتنافسين على ترشيح الحزب الجمهوري من أقوى المدافعين عن حقوق شركات بيع الأسلحة، ويعارض سنّ أي قوانين للحدّ من حرية المواطن الأميركي في التسلّح الشخصي، إذ تعهد لمؤيديه أن يكون أول إجراء له في حال وصوله للبيت الأبيض هو إلغاء مختلف قرارات أوباما الرئاسية التي يعتبر ترامب أنّ الأول اتخذها بعيداً عن السلطة التشريعية المتمثلة في الكونغرس الأميركي بمجلسيه، وبالتالي فهي غير دستورية.
وفي سياق الجدل مع مرشحة الحزب الديمقراطي، هيلاري كلينتون، التي تساند أوباما في رؤيته نحو القضية، وجه ترامب سؤالاً لها عبر شبكة "سي إن إن"، "هل لديها استعداد أن تأمر عناصر حراستها التخلي عن أسلحتهم إذا كانت مصرة أن يتخلى المواطن الأميركي عن حقه في شراء سلاح يدافع به عن نفسه؟" ويزعم ترامب أن الحكومة ضعيفة وغير قادرة عن الدفاع عن المواطن الأميركي، لذلك، فإن على المواطنين التمسك بحقهم في الدفاع عن أنفسهم ضدّ خطر الإرهاب المحلي والخارجي على حد سواء.
في المقابل، فإنّ التيار المعارض لترك باب التسلح الشخصي مفتوحاً على مصراعيه يحاجج بأن الدستور الأميركي ينص على حق المواطن في حمل سلاح للدفاع عن النفس، وأن الدفاع يمكن أن يتم بسلاح شخصي عادي، وليس بأسلحة حديثة رشاشة أو سريعة الطلقات يمكن أن تلحق أذى بعدد كبير من المواطنين الأميركيين، عندما يحمل هذه الأسلحة معتوهون أو إرهابيون. ويرى هؤلاء أن القيود على شراء وحمل السلاح لا يراد منها حرمان المواطن الأميركي من حق دستوري في الدفاع عن النفس، وإنما تهدف إلى حرمان الساعين للهجوم، وليس الدفاع، من تحقيق مبتغاهم. غير أن هذه المبررات لا تقنع المستفيدين من صناعة وتجارة الأسلحة داخل البلاد وتصديرها للخارج إذ إنهم يردون بأن الإرهاب مشكلة أكثر تعقيداً يجب أن تواجهها الحكومة بحزم وقوة ولا يجوز إقحام قضية حمل الأسلحة في موضوع مواجهة الإرهاب.
أيوا البداية
تحظى ولاية أيوا بأهمية خاصة في العملية الانتخابية الأميركية لأنها تشهد أول اختبار سياسي للمرشحين بشأن مثابرتهم وقدرتهم على جمع التبرعات ومهاراتهم التنظيمية، فضلاً عن حصولهم على أصوات حقيقية، وليس مجرد استطلاعات للرأي لا يعتد بها. ومع ذلك، فإن نجاح أي مرشح في أيوا ليس ضمانة للنجاح في المستقبل. والعكس، فإن فشل أي مرشح في هذه الولاية لا يعني انتهاء حملته الانتخابية. ومن الأمثلة التاريخية على خسارة ولاية أيوا والوصول إلى البيت الأبيض: جيمي كارتر ورونالد ريغان وجورج بوش الأب وبيل كلينتون.
أما أهم مثال على أهمية أيوا في تعزيز حظوظ بعض المرشحين فهو تجربة الرئيس الحالي، باراك أوباما، الذي كان عضواً في مجلس الشيوخ عن ولاية إلينوي. وفي عام 2008، فاز بأصوات الديمقراطيين في أيوا، ثم بترشيح الحزب الديمقراطي، إلى أن فاز في الانتخابات العامة، ووصل إلى البيت الأبيض. في المقابل، فإن خسارة هيلاري كلينتون حينها ولاية أيوا أمام باراك أوباما جلب لها الضربة القاتلة لترشيح الحزب الديمقراطي. ومن غير المتوقع أن تجد كلينتون هذه المرّة أي صعوبة في الفوز بولاية أيوا في التصفيات الأولية الخاصة بالحزب الديمقراطي.
اقرأ أيضاً: ترامب مُروّجاً للقاعدة: حركة الشباب تستعين بخطاب العنصرية للتجنيد