ورغم ذلك، فإن الطرفين يحاولان على ما يبدو كسب الوقت حالياً ويحاذران الوصول إلى هذه المرحلة بحسب ما ذهب إليه محلل الشؤون العسكرية في "هآرتس"، عاموس هرئيل، يوم الجمعة. وكتب في هذا السياق أن "المشروع الإيراني في المنطقة لا يزال في مراحله الأولية وبالتالي فإن إيران غير معنية الآن بمواجهة عسكرية مع إسرائيل. كما أن متابعة للتحركات الإيرانية تُظهر أن الإيرانيين غيروا اتجاه نشاطهم كلياً بسبب تهديدات إسرائيل وعلى ضوئها، وربما بفعل هجمات وغارات نسُبت للطيران الحربي الإسرائيلي".
في المقابل، يشير هرئيل إلى أنه رغم التهديدات التي تطلقها حكومة الاحتلال، فإن أياً من أصحاب القرار في إسرائيل، سواء كان نتنياهو أم وزير الأمن أفيغدور ليبرمان، وحتى قيادة الجيش ممثلة بالجنرال غادي أيزنكوط، غير معني بمواجهة واسعة النطاق لا أحد يستطيع أن يتكهن كيف تنتهي. ويفسر ذلك، بحسب هرئيل، لماذا تتم كافة النشاطات والعمليات الإسرائيلية في هذا المضمار بعيداً عن الأنظار وسراً، وبالكاد حظيت بصدى إعلامي، انطلاقاً من الاعتقاد بأنه إذا كان بمقدور إسرائيل مواصلة النسق الحالي من النشاط والعمل من دون تفجير مواجهة مباشرة مع إيران، فإنه يستحسن مواصلة هذا النمط واعتماده.
ويلفت هرئيل إلى أن إيران وإسرائيل تجدان نفسيهما ملزمتين بأخذ الموقف الروسي بالحسبان باعتبار الأخيرة هي المنتصر الأكبر، إذ إن آخر ما يريده الرئيس فلاديمير بوتين الآن هو اندلاع حرب إيرانية ــ إسرائيلية تهدد بفقدانه "لإنجازه الاستراتيجي" الأول في المنطقة في السنوات الأخيرة، أي إنقاذ نظام بشار الأسد. ويبدو أن هذه الرسالة التي تم توجيهها لكل من إيران وإسرائيل، دفعت بالطرفين الإيراني والإسرائيلي، بحسب هرئيل، إلى ضبط النفس، علماً بأن وسائل الإعلام العبرية كانت نشرت في فبراير الماضي، أن إسرائيل لوحت في الشهر نفسه أنها قد تستهدف نظام الأسد في حال واصلت إيران نشاطها لتكريس قوتها العسكرية على الأراضي السورية وفي لبنان، من خلال سعيها أيضاً لإقامة مصانع للصواريخ الدقيقة الإصابة على الأرض اللبنانية.
ويستعين هرئيل بتصورات يقدمها رئيس مركز أبحاث الأمن القومي الإسرائيلي التابع لجامعة تل أبيب، الجنرال احتياط عاموس يادلين، عن أن إيران تحاول بناء قوتها العسكرية عبر ثلاثة نماذج: الأول يقوم على نسخ تجربة حزب الله إلى سورية، من خلال إقامة تشكيلات من الطائفة الدرزية السورية في الجنوب. لكن هذا النموذج فشل وفق يادلين، فانتقلت إيران إلى نسخ ما فعلته في العراق من خلال تأسيس وتجنيد مليشيات شيعية موالية لها تم جلبها من أفغانستان وباكستان وحتى من العراق. ويقدر يادلين عدد أفراد هذه المليشيات اليوم بنحو 10 آلاف عنصر، تمكنوا من دعم نظام الأسد في الحرب البرية على المسلحين المعارضين.
وبحسب هرئيل في "هآرتس"، يقوم الجهد الإيراني في تعزيز الوجود العسكري في سورية، على نسخ تجربة كوريا الشمالية في كل ما يتعلق بالترسانة الصاروخية وتجديد الترسانة السورية بعيدة المدى، التي تمت إبادة قسم كبير منها أو استخدامه ضد المسلحين المعارضين، وضد المدنيين. ويكرر هرئيل الادعاءات الإسرائيلية بشأن السعي الإيراني لإقامة مصانع للسلاح والصواريخ على الأرض اللبنانية والتأسيس لمصدر تهديد كبير وقريب من إسرائيل بالاعتماد على ما وفره الاتفاق النووي مع إيران (2015). ويوضح أنه حتى لو نفذت إيران تعهداتها التي نص عليها الاتفاق المذكور، فستكون قادرة على العودة لاستئناف مشروعها النووي بموازاة بناء قوة صاروخية مزدوجة في كل من سورية ولبنان. ومن شأن ذلك، والكلام لهرئيل، أن يلزم إسرائيل بالتفكير ملياً قبل الاتجاه لدراسة إمكانية توجيه ضربة جوية لمنشآت الذرة الإيرانية. وتدعي تل أبيب، وفق تصريحات نتنياهو في مؤتمر ميونخ للأمن، أن إيران تتجه لتزويد حزب الله بصواريخ لا يتعدى مجال خطئها عن إصابة الهدف، دائرة قطرها عشرة أمتار.
ويفسر هذا الادعاء اتجاه نتنياهو خلال لقائه مطلع الأسبوع الماضي مع ترامب، إلى محاولة إقناع الإدارة الأميركية وترامب، بالانسحاب من الاتفاق النووي مع إيران خلال شهر مايو/ أيار المقبل. وترغب حكومة الاحتلال في هذا السياق أن تصر الولايات المتحدة على إدخال تعديلات على الاتفاق المذكور على الأقل، ليشمل أيضاً موضوع الترسانة الصاروخية الإيرانية، وخصوصاً أن حكومة الاحتلال ونتنياهو على وجه الخصوص، سبق لهما أن عارضا خلو الاتفاق المذكور من أي تطرق لمشروع صناعة الصواريخ الإيرانية بعيدة المدى، ولسعي إيران إلى تزويد حلفائها، ولا سيما حزب الله، بصواريخ ذات قدرة دقيقة على إصابة أهدافها. ويخلص هرئيل إلى القول إن كل هذه العوامل مجتمعة، تكشف اعتماد إسرائيل خطاً واضحاً حدد أهدافه للسنوات المقبلة، انطلاقاً من قناعة تفيد بأن الصراع مع إيران سيطول، وأن اتفاق فيينا النووي يوفر في أحسن حال هدنة، لسنوات، لكنه لا يوفر حلاً نهائياً.