تشهد المناطق التي يسيطر عليها المسلحون الأكراد في شمال وشرقي سورية، اليوم الجمعة، المرحلة الثانية مما يسمّى بـ"الانتخابات المحلية في مناطق الإدارة الذاتية الكردية"، في إطار عملية ستفضي إلى تشكيل برلمان محلي بحلول مطلع العام المقبل، وترسي لـ"نظام فدرالي" في عموم البلاد وفق القائمين على هذه الانتخابات التي تقاطعها أحزاب كردية وأشورية وفئات واسعة من الشرائح العربية، على اعتبار أنها لا تشكّل سوى محاولة لاستغلال النفوذ العسكري الذي راكمه المسلحون الأكراد في البلاد لمحاولة فرض أمر واقع سياسي تحت قوة السلاح.
وتثير هذه الانتخابات مخاوف من أن تكون في سياق توجّه جماعات كردية للانفصال عن سورية قبل نضوج التسوية السورية، إلا أن مصادر الجهات التي تقف خلف الانتخابات تقول إن هدفها لا يبتعد عن إقامة حكم ذاتي في إطار دولة لامركزية. في المقابل يقول مراقبون إن المعطيات الإقليمية والدولية لا تدعم أي طرح انفصالي، ولن تنجح أي محاولة في هذا السياق، وتجربة إقليم كردستان الأخيرة بإجراء الاستفتاء على الانفصال كانت أبرز شاهد على ذلك.
محطة في طريق الحكم الذاتي
الانتخابات التي يشارك فيها أكثر من 30 حزباً وكياناً، معظمها كردية، تشهد انتخاب مجالس محلية للمناطق والمقاطعات التي يتألف منها كل إقليم. وهي إقليم الجزيرة، ويضم مدينتي الحسكة والقامشلي والبلدات التابعة لهما. وإقليم الفرات ويشمل أجزاء من محافظتي حلب والرقة. وإقليم عفرين في ريف حلب الشمالي، ويضم مناطق ومدن الشهباء في ريف حلب الشرقي، بحسب النظام الفدرالي الذي أعلنه حزب "الاتحاد الديمقراطي" في مارس/آذار 2016 في هذه المناطق المسماة مناطق "الإدارة الذاتية" من دون أن يحظى بأي اعتراف محلي أو دولي.
ويصار في المرحلة الثالثة والنهائية بداية العام المقبل إلى انتخاب "مجلس الشعوب" لكل إقليم، الذي سيتمتع بصلاحيات محلية واسعة، ليتم في اليوم نفسه انتخاب "مجلس الشعوب الديمقراطية" الذي سيكون بمثابة برلمان عام، على رأس مهامه تشريع القوانين ورسم السياسة العامة للنظام الفدرالي. وكانت مناطق "الإدارة الذاتية" في الشمال السوري التي تسيطر عليها المليشيات التابعة لحزب "الاتحاد الديمقراطي"، وأهمها "قوات سورية الديمقراطية"، قد شهدت المرحلة الأولى من الانتخابات في 22 سبتمبر/أيلول الماضي، حين جرى اختيار رؤساء نحو 3700 بلدية في ثلاث مناطق (أقاليم). وتسيطر المليشيات التابعة لـ"الاتحاد الديمقراطي" على نحو ربع مساحة سورية، وعلى نصف الثروات الطبيعية تقريباً، وكانت قد أعلنت "النظام الفدرالي" في شهر مارس/آذار 2016 في هذه المناطق المسماة مناطق "الإدارة الذاتية".
وحسب مصادر كردية، فإن أهم القوائم الحزبية المشاركة في الانتخابات اليوم هي: "قائمة الأمة الديمقراطية"، وتضم 18 حزباً وعدد مرشحيها أكثر من 4 آلاف مرشح، وأبرز أحزابها "الاتحاد الديمقراطي"، والحزب "الديمقراطي الكردي" في سورية، إضافة إلى بعض الأحزاب الأشورية والسريانية والعربية. ويليها "التحالف الوطني الكردي"، ويضم 5 أحزاب كردية، وقدّم 198 مرشحاً لخوض الانتخابات، إضافة إلى "حزب الوحدة الديمقراطي الكردي" (يكيتي)، ولديه 323 مرشحاً، ويملك هذا الحزب قاعدة جماهيرية، وله تجربة سابقة في عملية الانتخابات، إذ سبق وشارك في انتخابات البلدات عام 2015. وهناك أيضاً "التحالف الوطني الديمقراطي السوري"، ويضم العديد من الشخصيات السياسية والاجتماعية، وهي قائمة موجودة في إقليمي الفرات وعفرين.
وتركز مجمل الأحزاب المشاركة في الانتخابات على قضايا الخدمات بالدرجة الأولى. وحسب البيان الانتخابي لـ"قائمة الأمة الديمقراطية" التي يُعد "الاتحاد الديمقراطي" أبرز أحزابها، فإنه "يجب العمل على النهوض بجميع الخدمات البلدية، وحل مشكلة المياه بشكل كامل، وإنشاء الطرق النموذجية في الأقاليم الثلاثة، وزيادة المراكز الصحية لتقديم الخدمات الصحية مجاناً".
وينظر مراقبون إلى هذه الانتخابات على أنها محطة على طريق تحقيق طموح بعض الجماعات الكردية في إقامة حكم ذاتي في إطار دولة لامركزية. وتقول مصادر الجهات التي تقف خلف الانتخابات إن هدفها ليس أبعد من ذلك، أي أنها لا تطمح إلى الانفصال عن البلاد، وإقامة دولة كردية مستقلة.
وفي هذا الإطار، قال الرئيس المشترك لحزب "الاتحاد الديمقراطي" شاهوز حسن، إن حزبه يقدّم مشروع حل من أجل "الحفاظ على وحدة سورية، انطلاقاً من فشل خيار الدولة القومية في سورية وعموم الشرق الأوسط". ورأى حسن في تصريحات صحافية أن هذه الانتخابات لا تخص أكراد سورية وحدهم، بل تشمل جميع مكوّنات المجتمع من عرب وسريان وأرمن وتركمان، معتبراً أنّ "فدرالية شمال سورية" هي المشهد الصحيح الأكثر تنظيماً في الفوضى التي تعيشها البلاد، حسب تعبيره.
وحول مقاطعة بعض الأحزاب الهامة للانتخابات مثل "المجلس الوطني الكردي" و"المنظمة الآشورية" و"الحزب الديمقراطي التقدمي" الكردي، وصف حسن قيادات هذه الأحزاب بأنها خارج الإجماع الكردي، وهي "منضوية في أطر تتحمّل مسؤولية عرقلة حل القضية الكردية"، في إشارة إلى مؤسسات المعارضة السورية مثل الائتلاف الوطني. وحمّلها مسؤولية تدهور الأوضاع في سورية، قائلاً "كل من يرى في الفدرالية انفصالاً، لا يعوّل عليه، لأن سورية تأسست من اتحاد لدول كونفدرالية، أساسه التنوع القومي والديني، لذلك يجب تبنّي نظام سياسي اتحادي، لأن النظام المركزي كالذي حكم البلاد لعقود، أثبت فشله".
اقــرأ أيضاً
من جهته، اعتبر الكاتب والناشط الكردي رامان يوسف، في حديث مع "العربي الجديد"، أن هذه الانتخابات تؤسس لدمقرطة المنطقة باعتبارها "تجربة فريدة في المشهد السياسي السوري غير مألوف منذ عقود". ورأى أن نتائج الانتخابات يمكن أن تكون بداية حل سلمي، خصوصاً أنها لا تحمل صبغة كردية بحتة، بل صبغة تشاركية تشمل جميع فئات الشعب. وحول الاتهامات الموجّهة من قبل البعض للأكراد بأنهم قرروا لوحدهم أن سورية ستكون دولة فدرالية لا مركزية بمعزل عن بقية المكونات، قال يوسف إن الأكراد يحاولون منذ بدء الثورة السورية إيجاد صيغة حكم تناسب جميع شرائح البلاد، ويبدو أن الفدرالية هي الصيغة الأنسب حتى الآن، حسب تعبيره.
أما المحلل السياسي شادي عبدلله، فرأى في حديث مع "العربي الجديد"، أن هذا الطرح يتضمن مغالطات سياسية واضحة، لأن ما ثبت فشله في المرحلة الماضية ليس النظام المركزي، بل النظام الدكتاتوري الفاشي الذي حكم البلاد، وعانت في ظله كل فئات الشعب السوري وليس الأقليات وحدها، معتبراً أن حل معاناة الأكراد وغيرهم من الأقليات في البلاد، يكون عبر إقامة الدولة الديمقراطية التعددية التي تُحترم فيها حقوق المواطنة وسيادة القانون بالنسبة لكل فئات الشعب.
وأضاف عبدلله: "من هنا فإنه يجب على الإخوة الأكراد أن ينضموا إلى ثورة الشعب السوري لتحقيق دولة العدالة والمساواة والقانون ضد طغيان نظام الأسد، لا أن يبحثوا عن خلاصهم الفردي في غفلة من الزمن، وفي وقت تخوض فيه القوى الوطنية الديمقراطية في سورية معركتها مع نظام الطاغية المدعوم إقليمياً ودولياً، ما يجعل من مسعاهم هذا محل ريبة من مجمل فئات الشعب السوري". ورأى أن الجماعات الكردية تدرك أن المعطيات المحلية والإقليمية والدولية لا تدعم أي طرح انفصالي في سورية، لذلك لم تجاهر بمثل هذه الطروحات، خصوصاً في ضوء ما حصل قبل فترة وجيزة في شمال العراق، حيث التجربة هناك كانت أكثر نضجاً منها في سورية، ومع ذلك فشلت ولم تحظَ بأي غطاء دولي.
تحرك يستبق التسوية
والواقع أن هناك عدداً من الأطراف الفاعلة في المسألة الكردية في سورية والتي تستطيع التأثير على مجريات الأمور، وفي مقدمتها النظام السوري، الذي صرح مسؤولوه أكثر من مرة أنهم يخططون لفرض سيادة النظام على كامل الأراضي السورية بما فيها المناطق التي تخضع حالياً لسيطرة المقاتلين الأكراد، وفي مقدمة تلك المناطق محافظة الرقة التي من المتوقع أن تكون نقطة صدام بين الطرفين خلال المرحلة المقبلة، إذ تديرها حالياً قوى خاضعة لهيمنة الوحدات الكردية على الرغم من عدم وجود كتلة بشرية للأكراد فيها. وفي وقت سابق هذا الشهر، قالت بثينة شعبان، مستشارة رئيس النظام بشار الأسد، إن ما حدث في كردستان العراق "يجب أن يكون درساً" لمليشيات "سورية الديمقراطية"، مضيفة أنها لا تعتقد أن "أي حكومة تستطيع أن تحاور أي فئة حين يتعلق الأمر بوحدة البلاد".
ويبدو أن المسؤولين الأكراد يدركون ذلك، وبدأوا في التحضر لهذه المرحلة، إذ صدرت أخيراً تصريحات لافتة عن الرئيس المشترك لـ"مجلس سورية الديمقراطية" رياض درار بشأن انضمام "قوات سورية الديمقراطية" إلى قوات النظام السوري في المرحلة المقبلة. وقال درار إن "قوات سورية الديمقراطية ستنضم إلى الجيش السوري الذي سيتكفل بتسليحها عندما تتحقق التسوية في سورية". وأوضح "إذا كنا ذاهبين إلى دولة سورية واحدة بنظام فدرالي، فإننا نعتقد أنه لا حاجة إلى السلاح والقوات، لأن هذه القوة سوف تنخرط في جيش سورية ولأن الوزارات السيادية مثل الجيش والخارجية ستكون لدى المركز"، معتبراً أن وجود هذه القوات مؤقت إلى حين "الموعد المرتقب للتفاوض الحقيقي".
ويرى مراقبون أن هذه التصريحات لا يمكن قراءتها بمعزل عن التفاهمات الحاصلة تحت الطاولة بين القوى الإقليمية والدولية حيال التسوية السورية، خصوصاً في ضوء إعلان وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو أن الرئيس الأميركي دونالد ترامب أبلغ نظيره التركي رجب طيب أردوغان بأنه تم إصدار أمر بوقف الدعم الأميركي لوحدات "حماية الشعب" الكردية، ما يجعل الأكراد يسعون إلى فرض أمر واقع في مناطق سيطرتهم قبل نضوج عملية التسوية للصراع السوري.
وحسب بعض المصادر، فإن تركيا التي كانت ترفض دعوة "الاتحاد الديمقراطي" إلى مفاوضات جنيف، وافقت على ذهابه إلى مؤتمر سوتشي، مقابل وقف الدعم العسكري الأميركي لهذا الحزب ووحداته العسكرية، وربما الضغط لحل تلك الوحدات ودمجها في قوات النظام السوري، مع إعطاء الأكراد وضعية إدارية خاصة في مناطقهم. وأشارت المصادر إلى أن هذا الأمر قد يكون مقبولاً لدى "الاتحاد الديمقراطي"، خصوصاً أنه لم يكن يوماً قد أعلن عن خطوات انفصالية، وحدد أهدافه في إقامة حكم ذاتي ضمن فدرالية سورية، مشيرة إلى وجود قدر من التوافق حيال هذا الأمر مع الجانب الأميركي أيضاً، في ظل إدارة دونالد ترامب التي تبدي بعض الحرص على استعادة علاقاتها مع تركيا بعد أن سادها التوتر سابقاً بسبب دعم واشنطن للمليشيات الكردية. وزادت تركيا أيضاً من ضغوطها على الجانب الكردي من خلال التلويح بعملية عسكرية في عفرين ومنبج اللتين تسيطر عليهما "قوات سورية الديمقراطية".
يُذكر أن أكراد سورية يمثّلون ثاني أكبر مجموعة عرقية في سورية بعد العرب، ولا يُعرف على وجه اليقين العدد الفعلي لهم في ظل غياب أية إحصاءات رسمية. وتتراوح التقديرات غير الرسمية لأعدادهم ما بين مليون ومليونين، وبعض المصادر المقربة من الأكراد ترفع تلك التقديرات إلى نحو ثلاثة ملايين نسمة من أصل أكثر من 23 مليوناً كانوا عدد سكان سورية قبل بداية الحرب.
وتثير هذه الانتخابات مخاوف من أن تكون في سياق توجّه جماعات كردية للانفصال عن سورية قبل نضوج التسوية السورية، إلا أن مصادر الجهات التي تقف خلف الانتخابات تقول إن هدفها لا يبتعد عن إقامة حكم ذاتي في إطار دولة لامركزية. في المقابل يقول مراقبون إن المعطيات الإقليمية والدولية لا تدعم أي طرح انفصالي، ولن تنجح أي محاولة في هذا السياق، وتجربة إقليم كردستان الأخيرة بإجراء الاستفتاء على الانفصال كانت أبرز شاهد على ذلك.
محطة في طريق الحكم الذاتي
الانتخابات التي يشارك فيها أكثر من 30 حزباً وكياناً، معظمها كردية، تشهد انتخاب مجالس محلية للمناطق والمقاطعات التي يتألف منها كل إقليم. وهي إقليم الجزيرة، ويضم مدينتي الحسكة والقامشلي والبلدات التابعة لهما. وإقليم الفرات ويشمل أجزاء من محافظتي حلب والرقة. وإقليم عفرين في ريف حلب الشمالي، ويضم مناطق ومدن الشهباء في ريف حلب الشرقي، بحسب النظام الفدرالي الذي أعلنه حزب "الاتحاد الديمقراطي" في مارس/آذار 2016 في هذه المناطق المسماة مناطق "الإدارة الذاتية" من دون أن يحظى بأي اعتراف محلي أو دولي.
وحسب مصادر كردية، فإن أهم القوائم الحزبية المشاركة في الانتخابات اليوم هي: "قائمة الأمة الديمقراطية"، وتضم 18 حزباً وعدد مرشحيها أكثر من 4 آلاف مرشح، وأبرز أحزابها "الاتحاد الديمقراطي"، والحزب "الديمقراطي الكردي" في سورية، إضافة إلى بعض الأحزاب الأشورية والسريانية والعربية. ويليها "التحالف الوطني الكردي"، ويضم 5 أحزاب كردية، وقدّم 198 مرشحاً لخوض الانتخابات، إضافة إلى "حزب الوحدة الديمقراطي الكردي" (يكيتي)، ولديه 323 مرشحاً، ويملك هذا الحزب قاعدة جماهيرية، وله تجربة سابقة في عملية الانتخابات، إذ سبق وشارك في انتخابات البلدات عام 2015. وهناك أيضاً "التحالف الوطني الديمقراطي السوري"، ويضم العديد من الشخصيات السياسية والاجتماعية، وهي قائمة موجودة في إقليمي الفرات وعفرين.
وتركز مجمل الأحزاب المشاركة في الانتخابات على قضايا الخدمات بالدرجة الأولى. وحسب البيان الانتخابي لـ"قائمة الأمة الديمقراطية" التي يُعد "الاتحاد الديمقراطي" أبرز أحزابها، فإنه "يجب العمل على النهوض بجميع الخدمات البلدية، وحل مشكلة المياه بشكل كامل، وإنشاء الطرق النموذجية في الأقاليم الثلاثة، وزيادة المراكز الصحية لتقديم الخدمات الصحية مجاناً".
وينظر مراقبون إلى هذه الانتخابات على أنها محطة على طريق تحقيق طموح بعض الجماعات الكردية في إقامة حكم ذاتي في إطار دولة لامركزية. وتقول مصادر الجهات التي تقف خلف الانتخابات إن هدفها ليس أبعد من ذلك، أي أنها لا تطمح إلى الانفصال عن البلاد، وإقامة دولة كردية مستقلة.
وفي هذا الإطار، قال الرئيس المشترك لحزب "الاتحاد الديمقراطي" شاهوز حسن، إن حزبه يقدّم مشروع حل من أجل "الحفاظ على وحدة سورية، انطلاقاً من فشل خيار الدولة القومية في سورية وعموم الشرق الأوسط". ورأى حسن في تصريحات صحافية أن هذه الانتخابات لا تخص أكراد سورية وحدهم، بل تشمل جميع مكوّنات المجتمع من عرب وسريان وأرمن وتركمان، معتبراً أنّ "فدرالية شمال سورية" هي المشهد الصحيح الأكثر تنظيماً في الفوضى التي تعيشها البلاد، حسب تعبيره.
وحول مقاطعة بعض الأحزاب الهامة للانتخابات مثل "المجلس الوطني الكردي" و"المنظمة الآشورية" و"الحزب الديمقراطي التقدمي" الكردي، وصف حسن قيادات هذه الأحزاب بأنها خارج الإجماع الكردي، وهي "منضوية في أطر تتحمّل مسؤولية عرقلة حل القضية الكردية"، في إشارة إلى مؤسسات المعارضة السورية مثل الائتلاف الوطني. وحمّلها مسؤولية تدهور الأوضاع في سورية، قائلاً "كل من يرى في الفدرالية انفصالاً، لا يعوّل عليه، لأن سورية تأسست من اتحاد لدول كونفدرالية، أساسه التنوع القومي والديني، لذلك يجب تبنّي نظام سياسي اتحادي، لأن النظام المركزي كالذي حكم البلاد لعقود، أثبت فشله".
من جهته، اعتبر الكاتب والناشط الكردي رامان يوسف، في حديث مع "العربي الجديد"، أن هذه الانتخابات تؤسس لدمقرطة المنطقة باعتبارها "تجربة فريدة في المشهد السياسي السوري غير مألوف منذ عقود". ورأى أن نتائج الانتخابات يمكن أن تكون بداية حل سلمي، خصوصاً أنها لا تحمل صبغة كردية بحتة، بل صبغة تشاركية تشمل جميع فئات الشعب. وحول الاتهامات الموجّهة من قبل البعض للأكراد بأنهم قرروا لوحدهم أن سورية ستكون دولة فدرالية لا مركزية بمعزل عن بقية المكونات، قال يوسف إن الأكراد يحاولون منذ بدء الثورة السورية إيجاد صيغة حكم تناسب جميع شرائح البلاد، ويبدو أن الفدرالية هي الصيغة الأنسب حتى الآن، حسب تعبيره.
أما المحلل السياسي شادي عبدلله، فرأى في حديث مع "العربي الجديد"، أن هذا الطرح يتضمن مغالطات سياسية واضحة، لأن ما ثبت فشله في المرحلة الماضية ليس النظام المركزي، بل النظام الدكتاتوري الفاشي الذي حكم البلاد، وعانت في ظله كل فئات الشعب السوري وليس الأقليات وحدها، معتبراً أن حل معاناة الأكراد وغيرهم من الأقليات في البلاد، يكون عبر إقامة الدولة الديمقراطية التعددية التي تُحترم فيها حقوق المواطنة وسيادة القانون بالنسبة لكل فئات الشعب.
وأضاف عبدلله: "من هنا فإنه يجب على الإخوة الأكراد أن ينضموا إلى ثورة الشعب السوري لتحقيق دولة العدالة والمساواة والقانون ضد طغيان نظام الأسد، لا أن يبحثوا عن خلاصهم الفردي في غفلة من الزمن، وفي وقت تخوض فيه القوى الوطنية الديمقراطية في سورية معركتها مع نظام الطاغية المدعوم إقليمياً ودولياً، ما يجعل من مسعاهم هذا محل ريبة من مجمل فئات الشعب السوري". ورأى أن الجماعات الكردية تدرك أن المعطيات المحلية والإقليمية والدولية لا تدعم أي طرح انفصالي في سورية، لذلك لم تجاهر بمثل هذه الطروحات، خصوصاً في ضوء ما حصل قبل فترة وجيزة في شمال العراق، حيث التجربة هناك كانت أكثر نضجاً منها في سورية، ومع ذلك فشلت ولم تحظَ بأي غطاء دولي.
تحرك يستبق التسوية
والواقع أن هناك عدداً من الأطراف الفاعلة في المسألة الكردية في سورية والتي تستطيع التأثير على مجريات الأمور، وفي مقدمتها النظام السوري، الذي صرح مسؤولوه أكثر من مرة أنهم يخططون لفرض سيادة النظام على كامل الأراضي السورية بما فيها المناطق التي تخضع حالياً لسيطرة المقاتلين الأكراد، وفي مقدمة تلك المناطق محافظة الرقة التي من المتوقع أن تكون نقطة صدام بين الطرفين خلال المرحلة المقبلة، إذ تديرها حالياً قوى خاضعة لهيمنة الوحدات الكردية على الرغم من عدم وجود كتلة بشرية للأكراد فيها. وفي وقت سابق هذا الشهر، قالت بثينة شعبان، مستشارة رئيس النظام بشار الأسد، إن ما حدث في كردستان العراق "يجب أن يكون درساً" لمليشيات "سورية الديمقراطية"، مضيفة أنها لا تعتقد أن "أي حكومة تستطيع أن تحاور أي فئة حين يتعلق الأمر بوحدة البلاد".
ويبدو أن المسؤولين الأكراد يدركون ذلك، وبدأوا في التحضر لهذه المرحلة، إذ صدرت أخيراً تصريحات لافتة عن الرئيس المشترك لـ"مجلس سورية الديمقراطية" رياض درار بشأن انضمام "قوات سورية الديمقراطية" إلى قوات النظام السوري في المرحلة المقبلة. وقال درار إن "قوات سورية الديمقراطية ستنضم إلى الجيش السوري الذي سيتكفل بتسليحها عندما تتحقق التسوية في سورية". وأوضح "إذا كنا ذاهبين إلى دولة سورية واحدة بنظام فدرالي، فإننا نعتقد أنه لا حاجة إلى السلاح والقوات، لأن هذه القوة سوف تنخرط في جيش سورية ولأن الوزارات السيادية مثل الجيش والخارجية ستكون لدى المركز"، معتبراً أن وجود هذه القوات مؤقت إلى حين "الموعد المرتقب للتفاوض الحقيقي".
وحسب بعض المصادر، فإن تركيا التي كانت ترفض دعوة "الاتحاد الديمقراطي" إلى مفاوضات جنيف، وافقت على ذهابه إلى مؤتمر سوتشي، مقابل وقف الدعم العسكري الأميركي لهذا الحزب ووحداته العسكرية، وربما الضغط لحل تلك الوحدات ودمجها في قوات النظام السوري، مع إعطاء الأكراد وضعية إدارية خاصة في مناطقهم. وأشارت المصادر إلى أن هذا الأمر قد يكون مقبولاً لدى "الاتحاد الديمقراطي"، خصوصاً أنه لم يكن يوماً قد أعلن عن خطوات انفصالية، وحدد أهدافه في إقامة حكم ذاتي ضمن فدرالية سورية، مشيرة إلى وجود قدر من التوافق حيال هذا الأمر مع الجانب الأميركي أيضاً، في ظل إدارة دونالد ترامب التي تبدي بعض الحرص على استعادة علاقاتها مع تركيا بعد أن سادها التوتر سابقاً بسبب دعم واشنطن للمليشيات الكردية. وزادت تركيا أيضاً من ضغوطها على الجانب الكردي من خلال التلويح بعملية عسكرية في عفرين ومنبج اللتين تسيطر عليهما "قوات سورية الديمقراطية".
يُذكر أن أكراد سورية يمثّلون ثاني أكبر مجموعة عرقية في سورية بعد العرب، ولا يُعرف على وجه اليقين العدد الفعلي لهم في ظل غياب أية إحصاءات رسمية. وتتراوح التقديرات غير الرسمية لأعدادهم ما بين مليون ومليونين، وبعض المصادر المقربة من الأكراد ترفع تلك التقديرات إلى نحو ثلاثة ملايين نسمة من أصل أكثر من 23 مليوناً كانوا عدد سكان سورية قبل بداية الحرب.