تلقّى الحرس الثوري الايراني ضربة موجعة، بمقتل وجرح أكثر من 34 عنصراً منه، في المعارك التي دارت، يوم الجمعة، جنوب غرب حلب، بين قوات المعارضة السورية من جهة، وقوات النظام السوري ومليشيات تساندها من جهة ثانية. وقد انتهت المعارك بسيطرة المعارضة على بلدة خان طومان الاستراتيجية (15 كيلومتراً جنوب غرب حلب) ومحيطها، ما تسبّب بمقتل وإصابة أكثر من مائة من قوات النظام وحلفائها. وأفاد الحرس الثوري، يوم السبت، "سقوط 13 مستشاراً عسكرياً إيرانياً وجرح 21 آخرين خلال اشتباكات جنوب حلب، يوم الجمعة"، كما أفادت مصادر إعلامية مقتل ستة من حزب الله، ونحو 15 عنصراً من المليشيات الأفغانية، وأسر مجموعة من المستشارين، ومن أفراد حزب الله من فصائل المعارضة السورية.
على الرغم من الخسائر التي منيت بها القوات الإيرانية، إلا أن الهجمات على خان طومان لم تتوقف. وفي السياق، يشير المسؤول في الإعلام العسكري، أبو اليزيد تفتناز لـ"العربي الجديد"، أن "قوات النظام مدعومة بمليشيات طائفية، وعناصر بشرية وعتاد أكبر من يوم السبت، شنت هجوماً جديداً، فجر أمس الأحد،" على المنطقة. ولفت إلى أنه "تمّ التمهيد للهجوم بقصف مدفعي غير مسبوق كان مدعوماً من الطيران الجوي السوري والروسي".
ويوضح أبو اليزيد أن "مقاتلي المعارضة تمكنوا لليوم الثالث من التصدي لهجوم قوات النظام على الرغم من أنباء تتحدث عن تقدمه على نقطتين"، لافتاً إلى "خسائر كبيرة للنظام ومليشياته جراء المعارك، واستهداف المعارضة تجمعاً للمليشيات، فيما أصابت إحدى القذائف مجموعة سقطت بين قتيل وجريح". مع العلم أن معارك شرسة دارت، مساء الجمعة، إثر المحاولات المستمرة من قوات النظام وقوات إيرانية ومليشيات التقدم في ريف حلب الجنوبي، والوصول إلى الطريق الدولي، الذي يربط بين العاصمة دمشق ومدينة حلب، كخطوة أولى للولوج داخل ريف إدلب لفتح طريق باتجاه بلدتي الفوعة وكفريا اللتين تحاصرهما قوات المعارضة.
وحاولت قوات النظام وحلفاؤها تكرار سيناريو نبّل والزهراء، شمال حلب، في بداية فبراير/شباط الماضي، حين تمكنت من الوصول إلى البلدتين تحت غطاء ناري، وصفه ناشطون في حينه بـ"المتوحش". ولكن هذه القوات فشلت في جنوب غرب حلب، وتكبدت خسائر فادحة، إلى حدّ أن مراقبين يشيرون إلى أن "أعداد القتلى الإيرانيين هو أكبر مما أُعلن عنه".
من جهته، يقول أحد قادة "جيش التحرير" التابع للجيش السوري الحر، الناشط في ريف حلب، رائد عليوي، أن "العدد الأكبر في القوات المعادية، جنوب حلب هم من القوات الإيرانية والمليشيات الطائفية المدعومة من النظام في إيران"، مضيفاً في حديث مع "العربي الجديد"، أنه "من الطبيعي أن يكون عدد قتلاهم هو الأكبر خلال المعارك". ويشير عليوي إلى أن "عشرة في المائة فقط من القوات المعادية ينتمون إلى مليشيات وشبيحة نظام الأسد، والباقي هم أجانب أتوا من إيران وبلدان أخرى".
ويلفت إلى أن "منطقة خان طومان ومحيطها هي خط الدفاع الأول عن مدينة حلب من الجنوب، ولهذا يوليها النظام وإيران هذه الأهمية الكبيرة، بعد الزج بعدد كبير من القوات التي مُنيت بهزيمة كبيرة".
في المقابل، يرى المحلل العسكري الاستراتيجي، فايز الأسمر، أن "طبيعة المعركة في خان طومان لا تتطلب مشاركة الطيران الروسي فيها"، مستبعداً "وجود خلاف مرحلي روسي ـ إيراني في سورية". ويعتبر في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "القوات الإيرانية في سورية، هي بمثابة ذراع عسكرية لموسكو على الأرض"، على حد قوله. ويشير الأسمر إلى أن "الخلاف بين موسكو وطهران استراتيجي متعلق بمصير شخص الأسد في مستقبل سورية، إذ يتمسك الروس بالنظام، بغضّ النظر عمن يكون على رأسه، لأن مصالحهم في سورية اقتصادية بحتة، في حين تصرّ إيران على بقاء الأسد، لأن زواله يعني نهاية مشروعها للهيمنة على المنطقة من خلال التغلغل المذهبي، وتصدير أفكار ما يُسمّى الثورة الإيرانية إلى البلدان العربية المجاورة".
كما يوضح الأسمر أن "طهران نشرت في منطقة الحاضر، جنوب حلب، قوات من اللواء 65، مع مليشيات طائفية أخرى، وقوات من حزب الله"، داعياً المعارضة لـ"التحرّك سريعاً باتجاه منطقة الضويحي (6 كيلومترات شرق خان طومان)، كونها مركز تحشيد لقوات النظام والقوات الإيرانية، ولوقوعها على طريق إمداد قوات النظام داخل حلب". ويرى أنه "في حال السيطرة على الوضيحي، سينقطع الإمداد عن أهم مراكز قوات النظام في حلب، وهي كلية المدفعية، وكلية التسليح، وأكاديمية الأسد". ويصف الأسمر سيطرة المعارضة على منطقة خان طومان بـ"النصر العسكري الكبير" كون تلالها المرتفعة "تشرف نارياً" على مناطق واسعة جنوب حلب.
في السياق ذاته، يرى مراقبون أن "هناك تبايناً واضحاً في المواقف السياسية بين موسكو وطهران، حول مصير الأسد، يطفو على السطح بين فترة وأخرى من خلال تصريحات يطلقها الطرفان قبل أو عقب كل استحقاق سياسي، في حين ترى المعارضة أن موسكو ليست في صدد تغيير موقفها من الأسد".
يُذكر أن وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، قد قال، منذ أيام في تصريحات صحافية، إن "الأسد ليس حليفاً لموسكو"، مشيراً إلى أن "بلاده تدعم الأسد في مكافحة الإرهاب، والحفاظ على الدولة السورية". ولم يتأخر الردّ الإيراني، إذ اعتبر علي أكبر ولايتي، مستشار مرشد الثورة الإيرانية علي خامنئي، أن "بشار الأسد خط أحمر بالنسبة لبلاده".
وفي السياق ذاته، يرى سفير الائتلاف الوطني السوري في إيطاليا، بسام العمادي، أنه "من الممكن تخلّي الروس عن الأسد، لكنه سيرفض التخلي عن السلطة، معتمداً على الدعم الإيراني اللامحدود". ويلفت في حديثٍ لـ"العربي الجديد" إلى أن "طهران ستبقى خلف الأسد للنهاية، لأنه بنهايته ينتهي مشروعها في المنطقة العربية". ويعرب العمادي عن اعتقاده أن "تصريحات علي أكبر ولايتي تأتي في سياق تثبيت المواقف حيال ما يجري في سورية".
من جهته، انتقد رئيس وفد المعارضة السورية المفاوض في جنيف، أسعد الزعبي، موسكو كونها "تطلق تصريحات وتعمل على أرض الواقع بما يخالفها تماماً". ويعرب عن اعتقاده في حديثٍ لـ"العربي الجديد" أن "موسكو لم تغيّر موقفها من الأسد"، لافتاً إلى أن "هناك العديد من الأسباب التي تحول دون تغيّر الموقف الروسي على هذا الصعيد، منها تأمين الأخير للمصالح الروسية في المنطقة فضلاً عن المعاهدة الأخيرة التي وقعها نظام الأسد مع روسيا".