استغل السياسيون ورؤساء الأحزاب في فرنسا بداية العام الجديد، للتوجّه إلى الفرنسيين وتسجيل مواقف، عبر استخدام مواقعهم الإلكترونية ووسائل التواصل الاجتماعي لتهنئة مواطنيهم.
عملية التنافس بين السياسيين الفرنسيين لتقديم التهانئ وصلت إلى حد تجاوز مداخلة الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند عبر إطلالته التلفزيونية، واتخذت أشكالاً مختلفة، فهي وعلى الرغم من أنها تبدو تقليدية في الشكل، فإنها مناسبة لا تخلو من توجيه رسائل سياسية وانتخابية.
فقد سعى العديد من المسؤولين الفرنسيين إلى طرح أفكارهم، مدركين ضرورة تقديم الجديد في ضوء التحديات القائمة وخصوصاً الوضع الاقتصادي الصعب، فقامت وزيرة البيئة سيغولين رويال بوضع مقطع فيديو على موقع وزارتها يُظهر صورة للأرض التقطت من الفضاء مع تواريخ السنوات ومشاهد من الطبيعة، وفيها أيضاً إشارة لمؤتمر البيئة الدولي الذي ستستضيفه باريس أواخر عام 2015.
أما الرئيس السابق ورئيس حزب "الاتحاد من أجل حركة شعبية" نيكولا ساركوزي، فكتب على صفحته في موقع "فيسبوك" أن "عام 2015 هو عام العمل"، داعياً إلى التجمّع من أجل بناء البديل لفرنسا.
وتضمّن الفيديو مشهداً يظهر فيه ساركوزي وسط أنصاره، ويتحدث هؤلاء عن "جرعة الأوكسيجين والأمل التي تحتاجها فرنسا".
أما عمدة بوردو ألان جوبيه، المرشح للانتخابات الرئاسية وخصم ساركوزي فكتب في موقعه معرباً عن تقديره للذين اظهروا "تأييداً لي وشجعوني لمواصلة عملي"، آملاً أن تكون الأعوام الثلاثة المقبلة أعواماً جيدة.
من جهته، تطرّق رئيس الوزراء السابق جان بيار رفاران، الذي يرأس لجنة الشؤون الخارجية في مجلس الشيوخ، إلى الشرخ داخل حزب "الاتحاد من أجل حركة شعبية".
وتمنى رفاران في رسالة التهنئة التي وجّهها إلى الفرنسيين، أن يتمكّن ساركوزي من الوصول إلى الطريق الذي ينبغي الوصول إليه، وأن يتم وضع حد للمشاعر المعادية للرئيس السابق في مرحلة الترشح للانتخابات الرئاسية، وأن يتمكن جوبيه أيضاً "من الوقوف على قدميه وارتداء جزمته براحة".
بينما اغتنمت رئيسة "الجبهة الوطنية" مارين لوبن الفرصة لتُذكّر في رسالتها بالفوز الذي حققه حزبها في الانتخابات المحلية والأوروبية. ودعت الفرنسيين إلى تكريس هذا النجاح في الانتخابات، عام 2015 والذي وصفته بالمفصلي.
كما أشارت إلى "أن أوجاع الفرنسيين ما زالت على حالها ولم تلاقِ أي علاج"، معتبرة أن "أجواء التقشف الزائد عن اللزوم التي تريدها برلين وبروكسيل تضرب بشكل أعمى في وقت تزداد فيه الهجرة".
أما هولاند فقرر العودة إلى التقليد الذي شهده قصر الاليزيه موجّهاً تهانئه بالعام الجديد عبر إطلالة تلفزيونية مسجلة في مكتبه في القصر، كما فعل معظم الرؤساء السابقين. وبعدما كان العام الماضي سجّل هذه الرسالة في استوديو، والعام قبله في قاعة الاحتفالات في القصر، ارتأى هذا العام العودة إلى القصر الرئاسي كما فعل أسلافه.
ورأى استاذ التاريخ الحديث جان غاريغيس "أن هولاند ومن خلال الإطلالة من المكتب الرئاسي، يريد الإظهار أنه يستكمل الإرث الذي بناه الرؤساء السابقون، ويعكس صورة السلطة الشرعية والشعبية".
هذه التفاصيل شغلت وسائل الإعلام في فرنسا، ومن المعروف أن أكثر رئيسين اتّبعا هذا التقليد كانا الجنرال شارل ديغول وجورج بومبيدو، اللذين كانا قد سجّلا رسالة التهانئ أكثر من 33 مرة.
وكان الرئيس السابق جيسكار ديستان قرر تغيير الديكور في المناسبة، وبدلاً من المكتب، جلس في مقعد قرب المدخنة لإلقاء كلمته، عام 1974 و1975. وللمرة الاولى في تاريخ البلاد، أفسح المجال أمام زوجته بمشاركته في مخاطبة الفرنسيين، الأمر الذي شكّل سابقة في حينه. وعام 1980 و1981 عاد ديستان لإلقاء كلمة التهانئ من مكتبه في القصر.
أما الرئيس السابق فرنسوا ميتران، فقد اطّل على الفرنسيين في هذه المناسبة من مكتبه لسنوات عديدة، وذلك خلال ولايتيه، باستثناء عام 1988 حين قرر مخاطبة الفرنسيين من ستراسبورغ.
من جهته، سجّل الرئيس السابق جاك شيراك التهانئ التقليدية للعام الجديد من مكتبه عامي 1995 و1996. لكنه بعدها اختار أن يطل على الفرنسيين ووراءه حدائق قصر الاليزيه حتى العام 2006.
أما ساركوزي، فقد بدأ بتسجيل الكلمة من مكتبه في القصر، وغيّر بعدها الديكور بعض الشيء ليضع صورة القصر وراءه عام 2011.
ومع استقبالهم للعام الجديد، أبدى الفرنسيون اهتماماً بهذه المسائل، على الرغم من قساوة الأزمة الاقتصادية، وغياب حلول جذرية لها وازدياد البطالة، مع العلم أن هذه المشاكل تقلق كثيراً الفرنسيين ولها وزن على الساحة ويستفيد منها بشكل خاص اليمين المتطرف ليكسب شعبية أكبر، في وقت يبدو فيه اليمين التقليدي أكثر انقساماً من أي وقت مضى، ووسط احتمالات تحالفه مع "الجبهة الوطنية" للوصول إلى رئاسة الجمهورية عام 2017.
وحاول هولاند إقناع الفرنسيين بصعوبة مهمته خصوصاً خلال العام 2014، آملاً أن تتغير الصورة هذا العام، الأمر الذي رأى فيه العديد تفاؤلاً نظرياً لا يوجد ما يبرره.
كما أن المخاوف تتجه نحو حزب "الاتحاد من أجل حركة شعبية" والتغييرات التي يود ساركوزي إدخالها والمتعلقة بقاعدة الحزب واسمه، إذ لا يوجد ما يبرر هذه التعديلات الجذرية حتى في ظل ضرورة إحداث دفعة شعبية.
وبين سياسة هولاند ومزاجية ساركوزي وصعود شعبية لوبن، لا تبدو الآفاق المرسومة تبشر بتغيرات كبيرة مع بداية العام الجديد.