ذهب الجانب الكردي السوري إلى الحد الأقصى في محاولات إيقاف العملية العسكرية التركية، أو الحد على الأقل من تبعاتها عليه في منطقة شرقي الفرات، حيث استخدم كل الأوراق التي يملكها دفعة واحدة، بما فيها اتفاق مع الروس والنظام يتيح لهما العودة مرة أخرى إلى المنطقة، وهو أمر كان شبه مستحيل قبيل العملية العسكرية التركية.
ولوّح الجانب الكردي طويلاً بورقة تنظيم "داعش" وأسراه في محاولة لمساومة الغرب، بل وتهديده بشكل مبطن بإطلاق سراح ما لديه من أسرى في حال عدم تدخله لإيقاف العملية العسكرية التركية. وأعلنت "قوات سورية الديمقراطية" (قسد) أنها لن تسلم مسلحي تنظيم "داعش" وعائلاتهم المعتقلين لديها لتركيا أو النظام السوري، في محاولة من هذه القوات لإبقاء هذا الملف لديها لاستثماره سياسياً. وقال القائد العام لـ"قسد" مظلوم عبدي، في حوار مع قناة "روداو" الكردية: "مسلحو داعش المعتقلون وعائلاتهم لدينا. نحن من ألقى القبض عليهم، ونحن من يحدد مصيرهم". وأكد عبدي أن الأكراد لن يوافقوا على تسليمهم إلى "تركيا أو الحكومة السورية، حتى في حال سيطرتهم على الأراضي التي تقع تحت سيطرة قسد"، مشيراً إلى أن 12 ألف شخص من التنظيم محتجزون في سجون هذه القوات. ورأى عبدي "أن الاتفاق المبرم مع الولايات المتحدة بشأن مواجهة التنظيم ما يزال قائماً، لكن "قسد" جمدت مشاركتها في قتال التنظيم وأعطت الأولوية لمواجهة الجيش التركي"، وفق قوله.
وقبيل انطلاق العملية العسكرية التركية بأيام حاولت "قسد" استخدام ورقة الأسرى المنتمين إلى تنظيم "داعش" لديها كورقة ضغط على المجتمع الدولي من أجل ثني تركيا عن دخول منطقة شرقي الفرات، لكن أنقرة لم تلق بالاً لهذا الأمر، حيث تعتبر وجود "وحدات حماية الشعب" الكردية على حدودها خطراً داهماً يهدد أمنها القومي. ولم تتأخر "قسد"، التي تهيمن عليها "الوحدات" الكردية، طويلاً في تنفيذ تهديدها، حيث نقلت وكالة "رويترز" عن "الإدارة الذاتية" الكردية، الأحد الماضي، تأكيدها أن 785 أجنبياً من عناصر تنظيم "داعش"، تمكنوا من الفرار من مخيم عين عيسى بمحافظة الرقة شمال شرقي سورية حيث كانوا محتجزين. ونقلت الوكالة عن مصادر كردية قولها إن فرارهم تم بعد أن هاجم عناصر، يبدو أنهم من الخلايا النائمة لـ"داعش"، المخيم والحراس، وفتحوا الأبواب من أجل فرار السجناء. وفي اليوم التالي، قال الرئيس الأميركي دونالد ترامب إن القوات التي يقودها الأكراد في شمال شرق سورية، ربما تطلق سراح أسرى من التنظيم لحمل القوات الأميركية على العودة للمنطقة. واعتبر ترامب أن "من السهل للغاية أن تعيد تركيا أو الدول الأوروبية، التي ينحدر منها الكثيرون، أسرهم، لكن ينبغي لهم التحرك بسرعة"، وفق قوله.
وكانت "قسد" انتزعت منطقة شرقي نهر الفرات السورية من تنظيم "داعش" تحت غطاء ناري من طيران التحالف الدولي، ودعم منه على الأرض. وأسرت هذه القوات عدداً غير معروف من مسلحي التنظيم، يؤكد مسؤولون في "الإدارة الذاتية" أنهم من جنسيات 44 دولة. وإضافة إلى المسلحين هناك الآلاف من نساء وأطفال مسلحي التنظيم وضعتهم "قوات سورية الديمقراطية" في مخيمات، خصوصاً الهول في ريف الحسكة الجنوبي الشرقي. وتقدر مصادر عددهم بنحو 13 ألف شخص. ورغم عدم وجود إحصاء دقيق يمكن الركون إليه لعدد مسلحي تنظيم "داعش" الأسرى لدى "قسد"، فإن الثابت أن عدداً منهم موجود في سجون عليها حراسة مشددة في مخيم عين عيسى في ريف الرقة الشمالي وفي مخيم الهول في ريف الحسكة.
وكان القيادي في الجيش السوري مصطفى سيجري طرح، منذ أيام، مبادرة حيال أسرى تنظيم "داعش" لدى "قوات سورية الديمقراطية كي يتوقف حزب العمال الكردستاني عن ابتزاز العالم والتهديد بإطلاق سراحهم". وأكد استعداد فصائل المعارضة السورية "لتسلم أسرى داعش في المنطقة من الولايات المتحدة وعبر ترتيبات يمكن الاتفاق عليها فوراً، والتعهد بضمان عدم فرار أي أسير، ووضعهم في مراكز أمنية خاصة". كما تعهد "بضمان العمل على إجراء محاكمات عادلة للمتورطين بالجرائم والعمليات الإرهابية من خلال المحاكم السورية المختصة الموجودة في المنطقة، ووفق المعايير الدولية والإنسانية، وإخضاع النساء والأطفال لدورات إعادة التأهيل، بإشراف مجموعات متخصصة وكوادر المركز السوري لمحاربة الفكر المتطرف". من جانبه، قال الرائد يوسف حمود، الناطق الرسمي باسم "الجيش الوطني" السوري التابع للمعارضة والمشارك في العملية التركية في منطقة شرق الفرات، أنه "لا معلومات لدينا عن عدد أسرى تنظيم داعش لدى قسد"، مضيفاً، في حديث مع "العربي الجديد"، "قلنا في بداية العملية العسكرية أنه لا يوجد تخوف من ملف الاسرى. نحن جاهزون لاستلام هؤلاء المسلحين الأسرى".