مرت عشرة أيام على الاعتداء الذي تعرَّض له الشاب ثيو، على أيدي وحدة من الشرطة في مدينة "أولناي-سو-بوا" بالضاحية الباريسية، ولا تزال التظاهرات مستمرة دفاعا عنه، وعن كلّ ضحايا العنف البوليسي، وكل تظاهرة تنتهي بأعمال شغب تتخللها اعتقالات للشباب، يُحاكَم بعضهم بصفة استعجالية، وبين المعتقلين كثيرٌ من القُصَّر.
ولأنّ الوضعية مستمرة في التدهور، رغم مختلف الدعوات للهدوء والمسؤولية، ورغم زيارة الرئيس الفرنسي للمستشفى الذي يُعالَجُ فيه ثيو، جاء اجتماع رئيس الحكومة ووزير الداخلية، اليوم الإثنين، مع العديد من المنظمات والجمعيات المكافحة للعنصرية، لدراسة الوضع والتفكير في الحلول؛ وحمّل كثيرٌ من الحاضرين الحكومةَ مسؤولية كبيرة في تصرفات بعض أفراد الشرطة (وليس جسم الشرطة ككل)، الذين يرتكبون اعتداءات جنسية وعنصرية، لأن حالة ثيو ليست فردية.
وكان الاجتماع مناسبة لرئيس الحكومة، كازينوف، للتصريح بـأنّ: "الانفعال شرعي، لكن العنف لا يمكن تبريره"، ولوزير الداخلية، برونو لورو، للتأكيد على تمييزه "بين الشباب المتظاهر وبين المشاغبين".
اقتحام الحملة الانتخابية
لو كان كريستيان إيستروزي، القيادي في حزب "الجمهوريون" يَحكم فرنسا لما سمح بتنظيم التظاهرات (وهو نفس موقف مارين لوبان)، يقول إيستروزي بلسان من يستبق الأمور: "كنا نعرف أن التظاهرات يمكن أن تتسبَّب في أعمال الشغب التي عرفناها، لا شيء يبرر العنف، أقولها بكل وضوح"، ثم استحضر كريستيان إيستروزي حالة الطوارئ التي تعرفها فرنسا، وقال: "إنه من سلطة الدولة حظر هذا النوع من الأحداث التي تتحول إلى عنف".
وكان إيستروزي قد صرح، يوم الأربعاء الماضي، بأن "ثلاثة أفراد من الشرطة ليس لديهم الحق في توسيخ كل الشرطة الوطنية"، وأضاف، منتقدا "أوغاد الشرطة"، بـأن "الاغتصاب جريمة، وهو فعل إجرامي".
ومن يتابع التظاهرات المتضامنة مع "ثيو" لا بد أن يلمح ممثلين ومنتخبين من أحزاب سياسية فرنسية، معظمهم من اليسار، كالحزب الاشتراكي والشيوعي وجبهة اليسار، وأحزاب اليسار المتطرف والراديكالي. ويعترف باتريس لوكريك، منتخب من حزب اليسار عن الضاحية الباريسية (جونفيليي): "لا يستحق أي تفتيش بوليسي مثل هذا العنف، هذا العنف البوليسي يجعلني أخاف على مستقبل شباب مدينتي والمدن الأخرى"، واعتبر أن "الشرطة تلتقي عالَماً تعرفه بشكل سيىء، وهو ما يجعل أفرادها عنيفين، والرهان اليوم، هو إعادة التفكير في دور الشرطة، وإعادة العلاقة مع شرطة القُرْب التي تعرف الشباب، والتي تحترمهم ويحترمونها، ليس لدينا شرطة وقاية، بل لدينا شرطة التفتيش والتدخل".
أما ميلينشون فينتهز كل مناسبة لإدانة ما وقع للشاب "ثيو" على أيدي الشرطة، فقبل أسبوع صرَّح: "إنه فعل تعذيب، وإنه جريمة، إنه اغتصاب"، وأضاف: "يجب طرد الذين يلجأون للتعذيب من صفوف الشرطة، لا يجب أن تشهد الشرطة الجمهورية مثل هذه الأفعال"، وعاد ميلينشون، أمس الأحد لنفس الموضوع فقال: "يجب تطهير الشرطة من العناصر السيّئة، وإنّ العنصرَين أو الثلاثة الذين ستتمّ إدانتهم يجب طردُهُم من الشرطة الوطنية على الفور"، وأضاف بأنه على يقين بأن "غالبية أفراد الشرطة ضد هذا النوع من التصرفات"، ورأى أنّ "هذه التصرفات التي تتكاثر يبدو أنها من فعل (وحدة تشتغل على الأرض)، وبالتالي يجب حلّ هذه الوحدة، وإنّ من يتصرَّفون بهذه الطريقة يفعلونها من خلال أيديولوجيا ما، يفعلونها لأنه في قرارة أنفسهم من الضروري إهانة جزء من سكّان بلدنا".
واعتبر ميلينشون أن "ثمة من يضاعف من الاستفزازات، ولدينا الانطباع بأنه يوجد من يَدفع للمواجهة"، وخلص إلى أنه "يبدو أن البعض يتمنى حدوث أعمال شغب في الضواحي، حتى تُجرَى انتخابات رئاسية على إيقاع العنف، وكل أنواع التطرف"، واستهجن نقاش البرلمان لقانون يُسهّل من حق الشرطة في الدفاع المشروع عن النفس، والذي صادق عليه البرلمان ومجلس الشيوخ، وعقّب عليه بالقول: إنّ الدفاع المشروع لدى الشرطة يمكن أن يستدعي، غداً، حقَّ الدفاع المشروع عن النفس لأناس يرفضون أن يتلقوا ما تلقاه ثيو".
المرشح الاشتراكي الرسمي بونو هامون ليس بعيدا عن الموضوع. ومن اليوم الأول ذكّر هامون بالعلاقات السيئة بين الشرطة والمواطنين، واعتبر أن ما تعرض له ثيو، من عنف واغتصاب "غير مقبول"، وقال إنه طلب من وزير الداخلية أن يكون صارما في مواقفه تجاه أفراد الشرطة المذنبين، "الذين لا يجب مقارنتهم بالعمل اليومي لآلاف من رجال الشرطة على الأرض".
موقف قريبٌ ورد من المرشح الإيكولوجي، يانيك جادو، قال فيه: "لا أريد أن أصدّق أن الأمر محض مصادفة، بعد قضية أداما تراوري (شاب أسود قتل أثناء اعتقاله من قبل الدرك الفرنسي) مرة أخرى يتعرض شاب أسود للاعتداء والاغتصاب".
ولم يتخلف ماكرون عن الركب، فقد صرّح هذا المرشح، الذي غالبا ما يكشف عن توجهاته الإنسانوية (وقد عبّر عنها أثناء تدفق المهاجرين واللاجئين على فرنسا، وأيضا أثناء رفضه لتجريد فرنسيين من الجنسية الفرنسية)، بـأنه صُدم لما جرى لثيو، وحيّا دعوته لضبط النفس رغم أن "كل شيء يدفع نحو الكراهية والتمرد"، وأضاف: "وحدها الشرطة القريبة من الناس لها وسائل إفهام عملها للنّاس، وتأمين الأمن".
وليس ثمة من شكّ في أن خطابات مرشحي اليسار تغازل أصوات هؤلاء الشباب المتظاهرين، الذين يصوتون، تقليديّا، لليسار، وقد فعلوها في انتخابات 2012 الرئاسية.
ولكن "خيانة" فرانسوا هولاند لوعوده الانتخابية في حق هؤلاء الشباب، تجعل كثيرين منهم يترددون، كثيرا، في منح أصواتهم لليسار الاشتراكي، رغم محاولة هامون الابتعاد عن حصيلة "هولاند- فالس"، وهنا تمتلك محاولات الغَزَل المتكرّرة من المُرَّشحَيْن، ميلينشون وماكرون، كثيرا من حظوظها.