وعلى الرغم أيضاً من غياب الشأن السوري عن الخارطة الإعلامية التركية أو حتى عن تصريحات المسؤولين الأتراك، إلا أنه لا يمكن إغفال دور الدعم التركي في عمليات المعارضة السورية الأخيرة، لا سيما بعد أن استطاعت المعارضة، خلال الأيام الماضية، أن تستعيد السيطرة على مساحات واسعة، بل وباتت قاب قوسين أو أدنى من فك الحصار عن المناطق المحاصرة في مدينة حلب.
ثبات الموقف التركي
لا يبدو أن الموقف التركي من القضية السورية قد تغيير كثيراً، ورغم تصريحات رئيس الحكومة التركية بن علي يلدريم، يوم 13 يوليو/تموز، قبل المحاولة الانقلابية، والتي أشار خلالها إلى إمكانية إعادة تطبيع العلاقات مع سورية، فلا يبدو أن أنقرة ستتخلى عن الرغبة بالمشاركة بإعادة بناء الدولة السورية ما بعد الرئيس بشار الأسد، بما يحفظ نفوذها ولا يضر بمصالح أمنها القومي، خاصة في ظل سيطرة حزب "الاتحاد"، الجناح السوري "للعمال الكردستاني"، على مساحات واسعة من الحدود التركية، وفي ظل محاولات النظام والقوى الحليفة له لتغيير التركيبة الديموغرافية في المناطق الحدودية.
وما إن تمكنت الحكومة التركية من إعادة السيطرة على المؤسسة العسكرية بعد المحاولة الانقلابية، حتى ألقى الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، خطاباً، يوم الجمعة الماضي، أكّد فيه على عدم تخلي تركيا عن أوراقها في كل من سورية وليبيا والعراق، قائلاً "ليس فقط ضد جماعة فتح الله غولن الإرهابية، سيستمر نضالنا بشكل أكبر في باقي الملفات الأخرى، وسندمر ألاعيبهم في كل من سورية والعراق وليبيا، سندمر ألاعيبهم في كل مكان من العالم".
ولم تمضِ ساعات على تصريحات أردوغان، حتى بدأت عمليات المعارضة السورية في حلب، إلى جانب استضافة أنقرة، الأحد الماضي، اجتماعات مكثّفة لفصائل المعارضة السورية المسلّحة مع رئيس الهيئة العليا للمفاوضات رياض حجاب، وبحضور رئيس الائتلاف السوري أنس العبدة، إذ ركز المجتمعون على التنسيق وتعزيز العمل المشترك، خاصة في معارك فك الحصار عن حلب.
وقد جاءت تصريحات قائد هيئة الأركان السابق الجنرال المتقاعد إلكر باشبوغ، المحسوب على التيار الكمالي، أمس الإثنين، لافتة للغاية، إذ استبعد خلال المقابلة التي أجراها مع قناة "سي إن إن" التركية، عدم علم الاستخبارات الأميركية بالمحاولة الانقلابية، خاصة أن زعيم حركة "الخدمة" فتح الله غولن، مقيم في ولاية بنسلفانيا الأميركية.
واعتبر باشبوغ أن المحاولة الانقلابية كانت تستهدف إبعاد تركيا عما يجري على حدودها الجنوبية في سورية، موضحاً أن "هناك طرفا خارجيا في المحاولة الانقلابية الأخيرة، لأن عدم وجود طرف خارجي يعتبر مخالفا لطبيعة الأمور (التي تجري عليها الانقلابات)، كما أن غولن يعيش في الولايات المتحدة، والاستخبارات الأميركية سهّلت له ذلك، ويبقى السؤال هل منحت الاستخبارات الأميركية لغولن الإقامة دون مقابل؟ هل تظنون بأنه لن يتم استخدامه من قبل الاستخبارات؟".
وتابع: "إن الهدف من المحاولة الانقلابية بالمرتية الأولى كان إضعاف الجيش التركي، وبالتالي إبعاد تركيا عن سورية بالذات لتسهيل تنفيذ المخططات الأميركية"، مؤكّداً "أنا مقتنع بأن المحاولة الانقلابية الفاشلة مرتبطة بشكل كبير بإعادة تشكيل الحدود الجنوبية لتركيا، وبالذات سورية".
ولفت إلى أن "الجيش التركي يعيش في صدمة بعد المحاولة الانقلابية، ويمر بظرف صعب للغاية، وهذا هو الهدف، إبعاد الجيش التركي عن سورية، وإبقاء بلادنا من دون تأثير، انظروا لما يحدث في سورية وبالذات في مدينة منبج، التي باتت تقريباً تحت سيطرة قوات الاتحاد الديمقراطي (الجناح السوري للعمال الكردستاني)".
وأوضح الجنرال المتقاعد أن "تشكيل الممر الكردي متواصل، وتتحقق الدولة الكردية في شمال سورية، وفي الوضع الحالي للجيش التركي، تخف قدرات أنقرة على الردع، وهذه نقطة خطيرة وحساسة للغاية بالنسة لنا".
وما يعزز كلام باشبوغ هو ما شهدته العلاقات التركية الأميركية، في الأشهر السابقة، من توتر كبير، بشكل أساسي حول الشأن السوري، بسبب إصرار إدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما، على الاعتماد على قوات "الاتحاد الديمقراطي" في قتال تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش). على الرغم من أن أنقرة (حليف حلف الشمال الأطلسي)، تخوض معارك شرسة مع الحزب الأم في تركيا.
كذلك، تعمدت واشنطن عدم تقديم ما يكفي من الدعم لقوات المعارضة السورية المعتدلة المتواجدة في جيب منبج ــ أعزاز لتخفيف تأثيرها، ولم تقدم لها الدعم الجوي لزيادة الضغط على "داعش"، مكتفية بدعم قوات الاتحاد الديمقراطي، وذلك رغم الضغط التركي الذي وصل لحد التلويح التركي بالتدخل في شمال سورية في حال قامت قوات "الاتحاد الديمقراطي" بوصل أماكن سيطرتها، ولم تنسحب من غرب الفرات بعد انتهاء العمليات ضد التنظيم.