استفحلت ظاهرة غيابات البرلمانيين التونسيين في الفترة الأخيرة بما عطل المصادقة على القوانين والمؤسسات وعرقل عمل الحكومة، تزامنا مع انطلاق السنة الانتخابية وقرب نهاية عهدة مجلس الشعب آخر شهر يوليو/ تموز المقبل.
ولا يفصل البرلمان التونسي عن نهاية ولايته سوى ثلاثة أشهر من الناحية الدستورية، ولكنه شرع عمليا في لفظ أنفاسه الأخيرة بتفشي الغيابات بسبب تفرغ البرلمانيين للمشاركة في المؤتمرات الحزبية وإعداد القائمات الانتخابية استعداداً للمشاركة في التشريعية المقبلة خلال خريف العام 2019.
ونجح البرلمان في تمرير حزمة قوانين تناهز 300 قانون حسب الإحصاءات الرسمية منذ انطلاق أعماله عام 2014، ولكن مازال ينتظره الكثير من القوانين الحكومية المستعجلة وذات الأولوية، والتي ستساهم في تمويل موازنة الدولة وفي إنجاز المشاريع والبرامج.
وتعيب منظمات المجتمع المدني على البرلمان عدم استكمال انتخاب المحكمة الدستورية وعدم إرساء أي هيئة دستورية رغم مرور خمس سنوات على انتخابه.
وأصبح البرلمان التونسي غير قادر على جمع الغالبية المطلقة لنوابه (109 أصوات) للتصديق على القوانين الأساسية التي تتطلب خمسين صوتاً زائدة واحداً فضلاً عن التصويت على انتخاب المحكمة الدستورية والهيئات الدستورية الذي يفترض مشاركة ثلثي الأعضاء على الأقل 145 صوتا، والتي أضحت حلما بعيد المنال.
وبالكاد تمكن مجلس الشعب أمس الثلاثاء من تمرير قانون التحفيز على الاستثمار وسط غياب فاضح لغالبية النواب تجاوز 120 عضوا، فلولا حضور نواب حزب النهضة، التي تعدها منظمة مرصد المختصة في العمل النيابي الأكثر التزاما وحضورا، لتم إسقاط القانون وإعادته إلى رفوف اللجنة كما حدث سابقا مع قانون التقاعد.
ونشر موقع محلي بيانات تفيد تصدر نواب حزب النهضة قائمة البرلمانيين الأكثر حضورا ومشاركة في التصويت فيما نشرت أن نوابا من حزب "نداء تونس" هم الأكثر غيابا وتقاعسا في التصويت.
ويبدو أن غيابات النواب تحولت من ظاهرة إلى سمة البرلمان التونسي الذي لم يعرف انطلاقة لإحدى جلساته في موعده منذ بداية الدورة، حتى أن الجلسات أصبحت تنطلق متأخرة بساعتين في أفضل الظروف بسبب كثرة الغيابات وفقدان النصاب القانوني لانعقادها.
وحاول رئيس البرلمان محمد الناصر عبثا الحد من الغيابات وتقليص الاعتذارات من خلال التشهير بالمتغيبين في مواقع التواصل الاجتماعي وفي الجلسات العامة كما ذهب إلى الخصم من منح النواب المتغيبين دون أعذار بمبالغ مالية كبيرة.
وأكد شكيب باني مساعد رئيس البرلمان المكلف بالتصرف العام وشؤون الإدارة في تصريح لـ"العربي الجديد" أنه "يتم تطبيق القانون الداخلي على المتغيبين دون أعذار، حيث تم خصم مبلغ مالي لـ 58 نائبا شملهم القانون بمبلغ إجمالي تجاوز 95 ألف دينار أي ما يقارب 32 ألف دولار".
وبين باني أنه يتم بشكل آلي ودوري نشر قائمات المتغيبين وتطبيق الاقتطاع والخصم من المنح وجرايات البرلمانيين بكل شفافية بهدف الحد من ظاهرة هذه الغيابات.