وإذا كانت شخصيات كثيرة، من اليمين واليسار، التحقت بماكرون، فإن التحاق رئيس حزب "الاتحاد من أجل الديمقراطية"، فرانسوا بايرو، يمنح للمرشح دعماً من شخصية لا تشوبها شبهات فساد، كما هو حال كثير من الطبقة السياسية الفرنسية، ومن شخصية لها تاريخ سياسي متميز. إذ كان قبل سنوات يُنظَر إليه باعتباره الرجل الثالث في الاستحقاقات الرئاسية، ويحظى بتأييد 14 في المائة من الفرنسيين في استطلاعات الرأي، أي كان قادراً على إيصال مرشحين إلى الإليزيه. ولهذا فإن أول الانتقادات التي أعقبت قرار عدم ترشحه، وقرار عرض خدماته السياسية على ماكرون، وفق شروط معينة، كان من اليمين التقليدي، الذي اعتبر القرار امتداداً لتحالفه مع اليسار، في إشارة إلى تصويته لصالح فرانسوا هولاند ضد منافسه نيكولا ساركوزي سنة 2012. وهو ما يتضمن إشارة إلى أن اليمين الفرنسي يأبى إلا أن يضع المرشح إيمانويل ماكرون في خانة مرشح اليسار، رغم أن ماكرون يُشهر ورقته كمرشح للتقدم، نافياً عن حركته وصف اليسار واليمين، معاً، وهو ما يُبرهن عليه باستقطابه لكثير من "أيتام" السياسة الكثر، من اليسار ومن اليمين.
ولا يمكن لفرانسوا بايرو إلا أن يكون مفيداً للمرشح ماكرون، في إمداده بكثير من الأصوات التي كانت تجد نفسها في التحالف المعلن عنه، سابقاً، بين فرانسوا بايرو وألان جوبيه، والتي وجدَت نفسَها في حِلٍّ من الأمر، حين انتصر فرانسوا فيون ومعه خطه العنيف، الذي يريد أن يكسّر كل شيء، كما قال فيون نفسه، قبل أشهر. وهذه الأصوات التي لا تنظر بعين الرضى إلى عودة شوكة رجالات ساركوزي في الحملة، وتشدد خطاب فيون بعد توالي فضائح بينيلوبي، وعقب لقائه بساركوزي، لن تعثر على مرشح أفضل من ماكرون بكوابح وضمانات أخلاقية يتحكم فيها فرانسوا بايرو. ولا يكفي من أجل التخفيف من طابع المفاجأة التي خلقها قرار بايرو، أن ينهال عليه قياديو اليمين، ويتهمونه، وهو المرشح الدائم للوسط والقَلِق من اندثاره وابتلاعه من قبل اليمين المحافظ، بالميل يساراً، وهم الذين يصفون فيون بمرشح اليمين والوسط معاً، وحاولوا استمالته، بعد إعلان فيون مرشحاً رسمياً لليمين والوسط، ولم يُفلحوا بسبب الكراهية الشديدة، وغير القابلة للمصالحة، لساركوزي ولأنصاره تجاه بايرو. وللحقيقة فإنّ فرانسوا بايرو، كما يقول كثر، وبضغط خفي من حليفه ألان جوبيه، كاد أن يتحالف مع فيون ويبحث معه عن خطوط التقاء، أي أن يعقد صفقة يتخلى بموجبها عن ترشحه، مقابل مناصب هامة لرجالاته ومقاعد انتخابية تمنح حزبه فريقاً برلمانياً، لولا أن كشفت صحيفة "لوكنار أونشينيه" فضائح بينيلوبي، فغيرّت موقفه، وهو الداعي، بصدق ودونما كلل، لتخليق الحياة السياسية. ولعلّ رفضه الدائم لحضور العشاء السنوي اليهودي في فرنسا يبيّن قلقه من كل الصفقات والشبهات.
ويحاول مقربون من فيون نزع أي أهمية كبيرة لموقف بايرو. ويقول الأمين العام لحزب "الجمهوريون"، برنار أكويير، إن موقف بايرو "لن يغير من الأمر كثيراً. ربما نقطة زيادة أو نقطة نقصان، ثم لا شيء في نهاية أسبوع"، وهو ما يوافق عليه القيادي في حركة "ماضون قُدُما"، ثيري كورنيي، بصيغة أخرى، ويقول إن "رئيس حزب الموديم يظل رجلاً معزولاً بين زعماء الوسط"، وبالتالي "لا يجب توقع انضمام فيالق"، لكنه يرى أن "فرانسوا بايرو اتخذ موقفاً حكيماً، لكن لم يكن لديه أي خيار آخر". وهو ليس الوحيد الذي يعتبر أن فرانسوا بايرو لم يجد أي صعوبة في اتخاذ القرار، فكما يرى رئيس التحالف الوسطي، جان أرتويس، الذي انضم إلى ماكرون قبل شهرين، فإن "بايرو التحق بالكثير من مناضلي حزبه، الذين سبقوه إلى حركة ماضون قدماً"، وهو ما يجعل الزعيم الآخر للوسط، رئيس الحزب الديمقراطي المستقل، جان - كريستوف لاغارد، الذي انضمّ لفرانسوا فيون، يسخر من حالة بايرو، ويلخصها: "إنه تناذُر: أنا زعيمهم، إذن سأقتفي أثرَهُم". وهو ما يعني في نظره أن "قرار بايرو لن يغير شيئاً، في النهاية، من موازين القوى".
يبقى أن الكثيرين لا يرون الأمور بهذه الطريقة، ويشيدون بأريحية وإيثارية المرشح فرانسوا بايرو، خصوصاً حين أعلن عن حرصه على سمعة ومصالح ومستقبل بلده، عارضاً شروطاً يتعين على إيمانويل ماكرون قبولها، قبل أي تحالف، ومنها الحفاظ على هوية وثقافة أنصار الوسط، ثم التخفيف من الجموح الليبرالي في خطاب ماكرون وبرنامجه، إضافة إلى تخليق الحياة السياسية، حتى لا تعود قضايا من نوع قضية بينيلوبي للوجود، أي محاربة المحسوبية والفساد. ويعترف بايرو، بتواضع شديد، أن دوره بسيط، ويتمثل في "فعل كل شيء من أجل مساعدة ماكرون". وكأنه يُطمْئِن نفسَه، يضيف: "يوجد مرشح، ويستطيع بشكل طبيعي أن يجمع من حوله، في ظل احترام للاختلافات وللهويّات ولتواريخ كل من يصبو للمشاركة في هذا الأمل". لا شك أن فرانسوا بايرو يخاف فعلاً من أن يذوب حزبه في هذا الخليط الذي يعجنه ماكرون، ولهذا يحاول الحصول على أكبر قدر من الضمانات، من طرف مرشّح يُحوّل كل شيء يلمسه إلى ذهب، لحدّ الساعة. وفي النهاية فإن فرانسوا بايرو يستطيع أن يكون أكثر من مجرد صورة تذكارية مع ماكرون، وهو ما يقوله آخر استطلاع للرأي، أمس الجمعة، بعد الإعلان عن تحالف الرجلين، إذ يرى 62 في المائة من الفرنسيين أن "بايرو اتخذ قراراً صائباً بالتحالف مع ماكرون"، لكنه، حتماً، وهو الذي تقطعت به السبل، لن يكون له دور "صانع الملوك"، أي لن يكون له الدور الحاسم.