بعد أسبوع من انطلاق ما سمّتها "قوات سورية الديمقراطية" (قسد) "المعركة الأخيرة" ضد تنظيم "داعش" في سورية، تقترب هذه القوات من إنهاء وجود التنظيم في منطقة شرق الفرات، شمال شرق سورية، بعد حصار التنظيم في مساحة ضيقة على الضفة اليمنى من نهر الفرات، غرب بلدة الباغوز، آخر البلدات التي نجحت "قسد" بالسيطرة عليها بدعم من التحالف الدولي.
وبعد جولات من المفاوضات عبر وسطاء بين "قسد" والتنظيم، بدأت قوات "قسد" باقتحام بلدة الباغوز قبل أسبوع، بعد هدوء دام لعدة أيام في المنطقة، وتمكّنت هذه القوات بمساندة التحالف الدولي خلال اليومين الماضيين من بسط سيطرتها على كامل بلدة الباغوز، فيما حاول التنظيم استرداد البلدة بهجمات معاكسة عبر الانتحاريين والسيارات المفخخة، إلا أنه لم يتمكن من تحقيق أي تقدّم، ما دفعه إلى الانسحاب من البلدة باتجاه البساتين والمزارع الواقعة غربها.
في السياق نفسه، قال قادة ميدانيون في "قسد"، لوكالة "فرانس برس"، إن "من تبقى من مقاتلي التنظيم يستشرسون في الدفاع" عن البقعة الأخيرة الواقعة تحت سيطرتهم. وقال المتحدث باسم حملة "قسد" في دير الزور عدنان عفرين، للوكالة، أمس الجمعة، إن "مقاتلي داعش يرفضون الاستسلام وما زالوا يقاتلون". وأضاف "نحن مضطرون لأخذ حذرنا... إنها مرحلة حساسة جداً كونها تمثل نهاية التنظيم، ولوجود مدنيين من ذوي داعش في الداخل".
ومع حصار "داعش" في تلك المنطقة، حدثت خلافات في صفوفه، إذ استسلم المئات من عناصره، من بينهم قياديون، فيما قام الرافضون للاستسلام من التنظيم بإعدام 25 عنصراً دفعة واحدة بعدما حاولوا الاستسلام لـ"قسد"، وذلك مساء الثلاثاء الماضي. ورجحت المصادر في حديث لـ"العربي الجديد"، أن يقوم عناصر التنظيم المتبقون بالاستسلام بعدما لم يعد أمامهم أي مجال للانسحاب، لأنهم مجبرون إذا لم يستسلموا على عبور نهر الفرات باتجاه منطقة سيطرة النظام السوري، مشيرة إلى أن بضع مئات يُقدّر عددهم بقرابة الخمسمائة عنصر هم الرافضون للاستسلام، معظمهم من الأجانب.
وفي الشأن ذاته، قال الناشط أبو محمد الجزراوي، لـ"العربي الجديد"، أمس، إن عدد من سلموا أنفسهم لقوات التحالف و"قوات سورية الديمقراطية" خلال الساعات الأربع والعشرين الماضية بلغ قرابة المائتين وخمسين عنصراً، من بينهم قياديون من جنسيات أجنبية. وأضاف أن العناصر تم نقلهم عبر شاحنات ومروحيات إلى القواعد العسكرية التابعة للتحالف في حقل العمر وحقل التنك النفطيين، مشيراً إلى أن بعض المدنيين تمكنوا من الوصول إلى نقاط "قسد"، فيما يرفض بقية عناصر التنظيم تسليم أنفسهم. وأوضح الجزراوي أنه بقي بضع مئات من عناصر "داعش"، وعددهم غير معروف بالضبط، وهم محاصرون في منطقة صغيرة غرب بلدة الباغوز ضمن مخيمات المدنيين، مؤكداً أن المتبقين هم من أشرس عناصر التنظيم وقد احتموا بمخيمات النازحين.
وخلال الأيام الأخيرة، وصل أكثر من ألف مدني إلى مناطق سيطرة "قوات سورية الديمقراطية" بعد خروجهم من الباغوز أو سيطرة الأخيرة على المناطق التي كانوا يقطنون فيها، وهم يعانون من أوضاع إنسانية مزرية فضلاً عن المعاملة السيئة من قبل "قسد". ومنذ انحسار التنظيم في ناحية الباغوز خرج قرابة خمسة آلاف شخص من المدنيين، من بينهم بعض عوائل مقاتلي تنظيم "داعش"، ومنهم أجانب من جنسيات مختلفة قامت "قسد" بنقلهم إلى مخيمات على الحدود الإدارية بين محافظتي دير الزور والحسكة، وأشهر تلك المخيمات في منطقة الهول. وتقول مصادر محلية سورية إن مخيم الهول الصحراوي، والذي يقبع فيه أكثر من عشرة آلاف شخص، أشبه بالسجن، ويفتقر لأدنى مقومات الحياة، ويتعرض قاطنوه لخطر الاعتقال من قبل "قسد" بعد اتهامهم بالانتماء للتنظيم.
وكانت "قسد" قد بدأت في سبتمبر/ أيلول الماضي، هجومها على آخر معاقل تنظيم "داعش" في شمال البوكمال، شرق دير الزور، والممتد بين هجين غرباً والباغوز شرقاً، وتمكنت من السيطرة على معظم البلدات والقرى في الجيب قبل بداية شهر فبراير/ شباط الحالي.