وقال مصدر بوزارة الصحة، إن الهيئة الهندسية في الجيش أُسنِدت إليها بالأمر المباشر عمليات إنشاء وتطوير 15 مستشفى تابعة للوزارة بمحافظات الدلتا والصعيد. كما أنشأت وزارة الدفاع شركة جديدة لتوريد الأجهزة الطبية، حصلت على عمليات إحلال وتبديل وصيانة أجهزة وأسرّة طبية على مستوى جميع مستشفيات الوزارة والمعاهد الطبية القومية.
ووفقاً للمصدر، فإن بعض مديري المستشفيات في محافظتي الغربية والدقهلية اعترضوا على سوء مستوى الأجهزة والأسرّة التي ورّدها الجيش لمستشفياتهم في يوليو/ تموز الماضي. لكن الوزارة أصدرت تعليماتها بوقف التعامل بين المديرين ومسؤولي الشركة التابعة للجيش والتي تدار بواسطة ضباط أطباء، وتشكيل لجنة مركزية تابعة لديوان الوزارة تختص بتسلّم الأجهزة محل التعاقدات وإجازة استخدامها، ولجنة مركزية أخرى لتسلم الأجهزة بعد صيانتها، حيث لا تعترض اللجنتان على سلامة أي أجهزة مسلّمة.
وأوضح المصدر أن تسلم الكثير من الأجهزة غير السليمة فنياً أو المعيبة صناعياً، أدى إلى تعطيل العمل في العديد من وحدات المستشفيات في هاتين المحافظتين، لكن الوزيرة الجديدة هالة زايد رفضت مراجعة قرارات لجان الاستلام، وأمرت المديرين بإعداد تقارير تثبت سوء استخدام الأطباء الأجهزةَ المعيبة تمهيداً لتغريم المستشفيات بقيمة الإصلاح والصيانة، أو إعادة المطالبة بتوريد أجهزة جديدة بالمواصفات نفسها لحسابها في عقد توريد جديد. وأشار المصدر، الذي يعمل بديوان الوزارة، إلى أن الشركة العسكرية تعاقدت من الباطن مع عدد من شركات استيراد الأجهزة والمعدات الطبية الكبرى التي كانت الوزارة تستبعدها في مناقصاتها التي تجريها في عهود سابقة بسبب عدم استيفائها الشروط المطلوبة ووجود شبهات حول شرائها أجهزة تفتقر إلى الحد الأدنى للجودة أو لم تجزها مصانعها للبيع في السوق الأوروبية ودول الخليج، وتورط بعضها في دفع عمولات لمسؤولين سابقين في الجمارك ووزارة الصحة لإدخال الأجهزة المعيبة. وذكر المصدر أن بعض مسؤولي التعاقدات في الوزارة تقدموا بشكاوى للرقابة الإدارية والجهاز المركزي للمحاسبات للإبلاغ عن وجود شبهات في تلك التعاقدات، وإرسائها بالأمر المباشر دون مبررات بالمخالفة لقانون المناقصات والمزايدات السابق وكذلك القانون الجديد لتنظيم التعاقدات الحكومية، لكنّ الهيئتين لم تجريا أي تحقيقات بشأن الشكاوى ولم يتم استدعاء الشاكين أو مديري التعاقدات لسماع أقوالهم.
أما في وزارة التربية والتعليم، فكشفت مصادر بالديوان العام أن الوزير طارق شوقي، الذي يحتفظ بعلاقات وطيدة بدائرة رئيس الجمهورية عبدالفتاح السيسي والاستخبارات والجيش، أصدر تعليماته بترسية 90 في المائة من مناقصات طباعة الكتب على دور طباعة تشارك المخابرات العامة في ملكية أسهمها، ومطابع جديدة أسسها الجيش ووزارة الداخلية. وذلك كله بالأمر المباشر دون اتباع إجراءات المناقصات المنصوص عليها قانوناً، إلا في حدود نسبة 10 في المائة من إجمالي المطبوعات المطلوبة.
وقال مصدر في ديوان الوزارة، إنه بسبب كثافة المطبوعات وضعف الإمكانيات لدى تلك المطابع وحداثة عهدها وانخفاض خبرتها الفنية لا تزال الوزارة تواجه مشكلة في توزيع الكتب الدراسية على المدارس بمعظم المحافظات حتى الآن رغم مضي 3 أسابيع على بدء العام الدراسي، وهي ظاهرة سلبية لم تحدث سابقاً. الأمر نفسه تكرر مع إعطاء الوزير لشركة توريد جديدة أنشأها الجيش تابعة لهيئة الخدمة الوطنية، عقود توريد المقاعد والأدوات المدرسية الخاصة بالمدارس الجديدة والمطورة في محافظات الإسكندرية والشرقية وكفرالشيخ وأسيوط. ولم تفِ الشركة بأكثر من 60 في المائة من الأعمال المتفق عليها، ما أدى إلى انتشار ظاهرة جلوس الأطفال على الأرض وتكدسهم على المقاعد، وهي التي أبرزتها مواقع التواصل الاجتماعي وبعض الصحف خلال الأسبوعين الماضيين.
وبدلاً من مبادرة الوزير لحل هذه المشاكل، أصدر قراراً يوم الأربعاء الماضي تم تعميمه على جميع وكلاء الوزارة بمختلف المحافظات بمنع دخول وسائل الإعلام لتصوير الأوضاع داخل المدارس، ومنع المدرسين من نشر صور من داخل الفصول على صفحاتهم على مواقع التواصل الاجتماعي، والإحالة الفورية إلى النيابة الإدارية للمخالفين بحجة أنهم "يتآمرون على نظام التعليم الجديد". وتدخلت وزارة الدفاع في نظام التعليم رسمياً بعدما أسند لها السيسي في يونيو/ حزيران الماضي مهمة التصرف في قروض مالية حصلت عليها مصر بقيمة إجمالية تبلغ مليار دولار لتطوير المنظومة التعليمية وإنشاء عدد من المدارس الجديدة وتدشين منصات إلكترونية للتعلم عن بعد، وتصنيع أجهزة حاسوب لوحية "تابلت" وتهيئة بيئة رقمية في جميع مدارس الجمهورية لتكون صالحة لاستخدام شبكة الإنترنت.
واعتبر المصدر الحكومي أن الجيش هو أحد أسباب فشل النظام التعليمي الجديد وتعثره حتى الآن، لأنه ممثلاً في وزارة الإنتاج الحربي ومصانعها والهيئة الهندسية وهيئة النظم الإلكترونية العسكرية، لم ينجح في إدارة المنح والقروض المالية ولم ينجز المهام الموكلة إليه، بما في ذلك إنشاء العدد المتفق عليه مع اليابان من المدارس على النمط الياباني. لكن الوزير يؤكد نجاح المنظومة وسلامة الإجراءات، تلافياً لخوض مشاكل مع الجهات السيادية وحتى يظل محتفظاً بمنصبه. وكانت مصادر حكومية أخرى قد كشفت الشهر الماضي صدور تعليمات من رئيس الوزراء مصطفى مدبولي للوزارات المختلفة باتباع إجراءات التعاقد بالأمر المباشر مع الشركات التابعة للجيش والمخابرات العامة من دون إجراء ممارسات محدودة أو مناقصات أو مزايدات، ضماناً لسرعة تنفيذ المشروعات وتطبيق العقود التي يترتب عليها إعطاء خدمات استشارية وهندسية والتشغيل والمقاولات.
وكان ضيق النظام بقانون المزايدات والمناقصات أحد أسباب إصدار السيسي قانوناً جديداً بداية الأسبوع الحالي لتنظيم التعاقدات الحكومية، هرباً من تقييد القانون السابق سلطةَ الجهات الحكومية المختلفة في التعاقد بالأمر المباشر مع مستثمرين أو شركات مقاولات أو شركات خدمات بعينها. وكان الجهاز المركزي للمحاسبات، خصوصاً في عهد رئيسه السابق هشام جنينة، يسجل ملاحظات متكررة ببطلان البيوع وصفقات الشراء التي تعقدها الجهات الحكومية –بما فيها الأجهزة السيادية والأمنية- بالأمر المباشر من دون اتباع المناقصة أو المزايدة، بل وأحال الجهاز بعض تلك الحالات إلى النيابة العامة للتحقيق في شبهات فساد.
وتقول الحكومة إن القانون الجديد صدر استجابة لشروط الاتفاق مع صندوق النقد الدولي لضمان مزيد من الشفافية في التعاقدات الحكومية، لكن الحقيقة أن القانون يتضمن قيوداً على العروض التي يتقدم بها المستثمرون، في الوقت الذي يحرر الأجهزة الحكومية الممارسة نشاطَ الاستثمار من أي قيود. ويتيح القانون الجديد للجهات الحكومية التعاقد معها بالاتفاق المباشر، الأمر الذي سيوفر على الجهة الحكومية إجراءات طويلة قد يراها الوزراء والمحافظون معطلة لإنجاز المشروعات.