الأمر الذي يستوجب التوقف عنده أن مثل هذا التعبير، وبهذا الوضوح، لم يسبق أن ورد على لسان ترامب، في أي مداخلة سياسية، فهو أولاً، لا يقارب السياسة بهذا المنظار، إذ يعتبرها إما ربحاً وإما خسارة ولا مساحة فيها لما بينهما. ثانياً جاءت عبارته في سياق التطرق إلى استحقاق النووي الإيراني في الثاني عشر من مايو/ أيار المقبل. وأتى احتضانه لفضيلة "المرونة" بعد أن أشار الرئيس الفرنسي إلى "صفقة جديدة" يمكن التوصل إليها في هذا الخصوص، وذلك كمقدمة لمخرج يمكن أن يلجأ إليه ترامب لترحيل قراره بشأن الاتفاق النووي، حتى موعد الدورة العمومية للأمم المتحدة في سبتمبر/ أيلول المقبل، على أمل أن تكون الاتصالات مع طهران قد أنضجت صيغة على شكل ملحق تفسيري للاتفاق، أو ربما للتوافق على طريقة لتشديد العمل بالآليات المتفق عليها والمتعلقة بمراقبة تنفيذ الاتفاق.
ربما يكون ذلك من قبيل شراء الوقت، مع ذلك يرى المراقبون أن أي شيء أفضل من قرار الانسحاب بعد أسبوعين ونيف، كما كان ترامب قد توعّد وأنذر. وبذلك، وإذا سارت الأمور في هذا الاتجاه، تكون الزيارة الفرنسية قد حققت الغرض "حتى ولو كان النجاح يقتصر فقط على التأجيل".
وكانت مؤشرات مثل هذا النجاح قد بدأت تتجمّع منذ وصول الضيف الفرنسي أمس، إذ غمرته مراسم التكريم التي كان أولها حفل عشاء في دارة الرئيس الأول جورج واشنطن الأثرية على ضفاف نهر البوتوماك وعلى بعد نصف ساعة من البيت الأبيض. ويتبعه هذا المساء عشاء رسمي في البيت الأبيض، هو الأول من نوعه خلال إدارة ترامب؛ على أن يعقبه خطاب للرئيس الفرنسي غداً أمام مجلسي الكونغرس.
وتبلور "التفاهم" أكثر، من خلال التسريبات التي سبقت المحادثات ورافقتها والتي اتضحت ملامحها خلال المؤتمر الصحافي، إذ بدا ماكرون مرتاحاً في المداخلة التي قدمها بخصوص "الصفقة الجديدة"، أو بالأحرى "تجديدها". يبدو أن الاتفاق بقي على حاله في هيكله الأساسي، خاصة أن ترامب لم يجادل في المضمون ولا في ما طرحه ماكرون كمخرج، بل حرص على التنويه به. ومن المتوقع أن يتبلور هذا التوجه أثناء زيارة المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل يوم الجمعة المقبل.
ومع أن التوافق شمل أيضاً الملف السوري، وفق ما ظهر من ردود ترامب وماكرون، إلا أن التلاقي في مقاربة النووي الإيراني كان الحلقة التي حظيت بمعظم الاهتمام والأضواء بل والارتياح في واشنطن؛ إلا إذا عاد ترامب وانقلب كالعادة على "المرونة"، ليعود إلى معزوفة الانسحاب.