تنظر بغداد بعين الريبة والقلق إلى تكرار الاجتماعات المغلقة بين الجنرالات الأميركيين وزعماء وشيوخ عشائر غرب وشمال العراق من جهة، ومع القيادات الكردية في إقليم كردستان العراق من جهة أخرى. وما زاد تلك المخاوف أخيرا هو إقدام القوات الأميركية على تقديم أكثر من خمسة آلاف رشاش من طراز "إم 16" لأبناء العشائر مع ذخيرتها، فضلاً عن معدات عسكرية أخرى، في كل من الأنبار ونينوى، بالوقت الذي تتواصل فيه المساعدات العسكرية للإقليم الكردي بشكل مباشر أيضاً، من خلال قاعدة عسكرية للجيش الأميركي في منطقة عين كاوه بأربيل عاصمة الإقليم. وتتضمّن أسلحة متوسطة وثقيلة، كالدروع والعربات المصفّحة والصواريخ الحرارية وقذائف الهاون.
وتُعارض كتل سياسية وزعماء مليشيات، عمليات تسليح العشائر أو الأكراد، وتعتبرها "محاولة أميركية للالتفاف على مليشيات الحشد، والتأسيس لما يعرف بأمراء المناطق في العراق، بحيث تكون هناك ثلاث قوات مختلفة تسيطر على أجزاء العراق الثلاثة، ومقسّمة مذهبياً وعرقياً، ومن ثم تذهب البلاد نحو التقسيم". أما المدافعون عن عمليات التسليح، فيعتبرون أنها "تهدف إلى القضاء على تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، وأن مقاتلي العشائر سيكونون في حلّ من هذا السلاح بعد تحرير مدنهم". ومع اختلاف وجهات النظر بين رافض ومؤيد، تحرص خلال ذلك الولايات المتحدة على التزام الصمت مع العمل وبشكل تصاعدي مع الطرفين.
ويلاحظ تنامي قوات العشائر وتسليحها الممتاز وتجهيزات كل عنصر فيها، كما يتقاضى قسم غير قليل منهم مرتبات شبه شهرية من قبل الأميركيين المتواجدين في خمسة مواقع عسكرية بالأنبار ونينوى وبغداد وقرب صلاح الدين.
في المقابل، فإن القوات الكردية، "البشمركة"، باتت قوة نظامية تمتلك للمرة الأولى في تاريخها، منذ تأسيسها كقوة لحماية المناطق الكردية عام 1991، ألوية تخصصية كالدروع والدبابات والصواريخ، تنتشر على مسافة 40 ألف كيلومتر مربّع، التي تمثل الإقليم الكردي، وتضمّ 120 ألف عنصر عسكري.
ووفقاً لوزير عراقي، تحدث مع"العربي الجديد"، فإن "عدد مقاتلي العشائر ارتفع بالعراق ليبلغ 23 ألف مقاتل بالأنبار وصلاح الدين ونينوى وحزام بغداد، بزيادة كبيرة عن يناير/كانون الثاني 2015، إذ لم يتجاوز عدد القوات العشائرية في ذلك الحين سبعة آلاف مقاتل".
اقرأ أيضاً العراق: الصراع السياسي يطيح بقانون الحرس الوطني
ويضيف الوزير العراقي أن "التسليح الأميركي والغربي أيضاً للأطراف العراقية بات محل خوف وقلق، فهو مستمرّ بشكل خفيٍّ أو بعيد عن الإعلام. ويجري كله تحت خانة الحرب على الإرهاب، في الوقت الذي تتغذّى فيه مليشيات الحشد على الأسلحة والتمويل الإيراني. وهو ما يجعل البلاد في حالة تمزّق ويضعف حكومة بغداد، التي اختار رئيسها حيدر العبادي الصمت والتفرّج فقط".
ولا يخفي القائد العسكري لقوات العشائر بمنطقة أعالي الفرات، الشيخ محمد الجغيفي، عقد لقاءات مع الأميركيين بشكل دوري، مؤكداً أن "القوات الأميركية صادقة في مساعدتها لنا وبسخاء على عكس حكومة بغداد". ويضيف الجغيفي، في حديثٍ مع"العربي الجديد"، أنه "لو انتظرنا مساعدات بغداد العسكرية، لسقطت حديثة ومحيطها بيد داعش منذ أشهر طويلة، كونه لا يُمكن لأحد الاعتماد على بغداد، بسبب ضغوط اللوبي الإيراني عليها، لجهة عدم تسليح العشائر، وتركهم أمام التنظيم وقدرهم المحتوم".
ويصف العلاقة الحالية بين العشائر والقوات الأميركية بأنها "علاقة صداقة وثقة ومصالح مشتركة". ويبيّن أن "السلاح الموجود، سواء الأميركي أو الروسي، الذي حصلت عليه العشائر من داعش، أو من ترسانة الجيش السابق، سيكون تحت تصرف الدولة، بعد أن نشعر أن خطر داعش زال عنا". إلا أن هذه العلاقة لا تبدو كذلك لـ"التحالف الوطني" أو مليشيات "الحشد"، التي تعارض عمليات التسليح، وتصفها بـ"المؤامرة".
في هذا السياق، يرى القيادي في "التحالف الوطني"، حميد الطائي، أن "عمليات تسليح العشائر والأكراد خطر يهدد الجميع". ويضيف، في حديثٍ مع"العربي الجديد"، أن "التحالف الوطني واثق من أن الحشد سيلقي سلاحه بعد انتهاء المعارك، ويكون تحت عهدة الجيش فهل يضمن الآخرون أن يلقي العشائر سلاحهم بعد انتهاء صفحة داعش، وألّا يستخدموه من أجل الضغط بالملفات السياسية أو لنزعات انفصالية؟". ويشير الى أنه "لدينا مخاوف من تقسيم العراق والمخاوف حقيقية وتنتاب الجميع".
من جهته، يرى عضو "اتحاد القوى العراقية"، محمد عبد الله، أن "التذرّع بمخاوف تقسيم العراق، هو كلمة حقّ أُريد بها باطل من قبل بعض الأطراف". ويضيف عبد الله لـ"العربي الجديد"، أن "الأمور يجب أن تؤخذ بمنطقية المليشيات، والتحالف ينفذ رغبة إيران ورغبة إيران هي رفض تسليح العشائر والأكراد، لا من الحكومة ولا من الغرب. إذن هل ننتظر أن يدخل داعش ما تبقى من المدن العشائرية غرب وشمال العراق ويذبح أهلها حتى يأتي الحشد لتحريرها بعد حرق ما فيها؟". وينوّه إلى أن "التعاطي مع الموضوع بحساسية ورفضه بهذا الشكل هو بالأصل طائفية من الآخر".
ويكشف وزير عراقي، لـ"العربي الجديد"، عن "عزم القوات الأميركية تكرار نموذج معركة الرمادي في مدن أخرى، مثل هيت والرطبة والقائم، غرب العراق، بعد أن برز دور العشائر أخيراً ونجحوا في تحقيق ما عجزت عنه مليشيات الحشد لأشهر". ويعزو الوزير ذلك إلى "دراية أبناء العشائر بالمنطقة أكثر من غيرهم وشراستهم القتالية، فضلاً عن تقبّل السكان المحليين التعاون مع العشائر معلوماتياً في مقابل تحفّظهم على مساعدة المليشيات. وكلها عوامل أدت إلى تحقيق النصر". وقد أظهرت صور تداولها نشطاء لمقاتلين من عشائر غرب الأنبار، وهم يحملون أسلحة أميركية حديثة خلال معاركهم مع "داعش"، مدى جودة التجهيزات للمقاتلين الذين خضعوا لدورات تدريب مكثفة على يد الأميركيين.
ويصف رئيس مجلس محافظة الأنبار، صباح الكرحوت، مقاتلي العشائر بأنهم "ذخر الأنبار ومفتاح النصر على الإرهابيين"، في حين يؤكد عضو مجلس العشائر المتصدية لـ"داعش" الشيخ عبد الفهداوي، لـ"العربي الجديد"، أن "المقاتلين الحاليين هم من سيمسك بالأمن مستقبلاً، وسيكونون الجيش والشرطة الجديدة". ويبيّن أن "الأميركيين وصلوا لقناعة تامّة، بجدوى دعم العشائر ونحن غير مكترثين بالأصوات المعترضة".
ولا تمتلك الحكومة العراقية السيطرة على شحنات السلاح المقدمة للعشائر أو للأكراد، بسبب نقلها أميركياً بواسطة طائرات شحن عسكرية، تهبط بالعادة في القواعد والمعسكرات التي تتواجد فيها فرق المستشارين، وتقوم بنفس الوقت في تدريب أبناء العشائر والمتطوعين من أبناء المدن معهم.
ويقول القيادي في "التحالف الكردستاني"، حمة أمين، لـ"العربي الجديد"، إن "الأكراد في حال قرروا المضي بالانفصال عن العراق، لن يعيقهم شيء، لأننا عند التفكير بذلك سننظم استفتاء تشرف عليه الأمم المتحدة، وسيكتسب صفة شرعية ولن نخشى من معارك أو أي شيء من هذا القبيل". ويضيف: "لولا الدعم الأميركي لنا، لكانت داعش الآن في أربيل، وهذا ما لا يمكن تصوّره أيضاً. وإن انتظار دعم بغداد كمن ينتظر السماء أن تسقط عليه رغيفاً من الخبز".
اقرأ أيضاً العراق: 200 ألف أسرة هاجرت نحو أوروبا