وأبانت الصدامات والاحتكاك العنيف بين الشرطة والمتظاهرين وحملة الاعتقالات التي شنتها الشرطة أمس خلال مظاهرات الجمعة الـ19 من الحراك الشعبي، عن عودة سياسة القبضة الأمنية على الشارع. ووجدت القبضة الأمنية الجديدة في قرار قائد الجيش الفريق أحمد قايد صالح منع رفع رايات عدا العلم الجزائري، مبررا لتسليط القمع والتصادم مع المتظاهرين الذين اعتقل عدد منهم، بينهم صحافيون وناشطون نقلوا إلى مراكز الأمن.
وقال الناشط في الحراك الشعبي، عبد الوكيل بلام، في تصريح له إن السلطة تتحمل مسؤوليتها في حال حصلت أية انزلاقات لاحقا، مشيرا إلى أن "الجزائريين يرون كيف تطبق قرارات قائد الجيش قايد صالح، هو قال إن الجيش يرافق الحراك الشعبي ويضمن سلامة المتظاهرين، وها نحن نرى كيف يحدث ذلك وبطريقة معاكسة، الجمعة الماضية بمبرر رفع الرايات الأمازيغية، والجمعة الأخيرة بدون مبررات".
لكن اللافت في التحول الأمني والذي قد ينعكس على العلاقة بين المتظاهرين وقوات الأمن خلال المسيرات المقبلة، إقدام السلطات على غلق شوارع وساحات عامة أخرى كانت نقطة تجمع وانطلاق للمتظاهرين منذ 22 فبراير/ شباط الماضي، تاريخ بداية الحراك.
فبعد غلق النفق الجامعي منذ الجمعة التاسعة، وغلق ساحة البريد المركزي بمبرر وجود تشققات في أسفل السلالم والمدرجات التي كان يحتلها المتظاهرون كل جمعة، أقدمت قوات الأمن الجمعة الماضية على محاولة غلق ساحة أودان وسط العاصمة وتفريق المتظاهرين بالقوة ومنعهم من التجمع فيها، قبل أن تنسحب في وقت لاحق. كما أغلقت شارع حسيبة بن بوعلي في وجه مسيرة ضخمة من المتظاهرين، وحاولت دفعهم إلى المرور عبر شوارع أخرى، ما تسبب في احتكاك طفيف بين الطرفين، قبل أن يدفع تمسك المتظاهرين بالمرور عبر الشارع الشرطة إلى فتحه أمامهم.
وبحسب الناشط الحقوقي وفي الحراك الشعبي، عبد الغني بادي، فإن المؤكد أن تحول السلوك الأمني مع المتظاهرين ينطوي على نوايا من قبل السلطة لاستعادة السيطرة على الشارع ومحاولة فرض خيارات أمنية وسياسية على الجزائريين. وقال بادي في تصريح لـ"العربي الجديد" إنه "بات من الواضح الآن أن السلطة تحاول استخدام أسلوب التخويف لفرض خيارها السياسي ومنع الجزائريين من تحقيق مطالبهم".
وفيما اعتبر أن "سلوك الشرطة هو الرد الوحيد الذي تقدمه السلطة للجزائريين"، أضاف أن "السلطة تبحث عن فرصة للصدام مع المتظاهرين لتبرير موقف متشدد وغلق كامل للشارع، لكن الحراك الشعبي فطن، والجزائريون لن يعودوا إلى بيوتهم قبل تحقيق مطالبهم".
كذلك انتقد الناشط في الحراك الشعبي، سفيان حجاج، في تصريح لـ"العربي الجديد" نوايا القوة والسطوة الأمنية التي أبدتها السلطة. وقال "أعتقد أنه وبرغم كل السلمية التي أبداها الحراك الشعبي والمتظاهرون منذ 22 فبراير الماضي، فإن السلطة الآن قلقة من هذه السلمية وتريد خلق مناخ من التعفن والانزلاق"، مضيفا أن "الحراك الشعبي لن يمنح السلطة هذه الفرصة والمبررات، وإذا كانت السلطة والشرطة تراهنان على العنف فإنها ستخيب وستفشل في تقسيم الحراك، كما فشلت خططها السياسية سابقا".
وإضافة إلى الناشطين، تتوجس أحزاب سياسية جزائرية مما تعتبره بروز نوايا القمع واستخدام البوليس لصد المتظاهرين. وفي هذا الصدد، دان حزب "العمال" اليساري السبت حملة التوقيفات التي استهدفت حاملي الرايات الأمازيغية، وبينهم أعضاء في المجالس المنتخبة، كعضو المجلس الشعبي الولائي لتيزي وزو، سميرة مسوسي، عن حزب "التجمع الوطني الديمقراطي"، وطالب بالإفراج الفوري عنهم ومحاسبة الأمنيين الذين مارسوا الاعتقالات العشوائية.
وحذر البيان السلطة من توجهها القمعي، منتقداً "التعدي على الحقوق الأساسية للمواطن توازيا مع إغلاق إعلامي غير مسبوق منذ انطلاق ثورة 22 فبراير الماضي، ووجود معتقلين سياسيين والرأي في السجون". واعتبر أن ذلك يدخل ضمن محاولات التفرقة بين الجزائريين، مضيفا أن هذه المحاولات ومساعي الجهات التي قررت منع الراية الأمازيغية في المسيرات، فشلت بسبب الرد الوطني السلمي الوحدوي للجماهير الواسعة في جميع ربوع الوطن.
وطالب الحزب بإنهاء ما وصفه بـ"الاعتقال التعسفي للأمينة العامة لحزب العمال، لويزة حنون الذي فتح الباب لكل التقهقر الذي تشهده الساحة السياسية منذ ذلك المنعطف السياسي الخطير"، مؤكدا أنه "ومنذ 52 يوما بعد هذا الاعتقال لا تزال لويزة حنون في سجن البليدة في محاكمة قضائية تجرم العمل السياسي وتتعارض مع التعددية الحزبية".
ومن جهتها، صبت "جبهة القوى الاشتراكية"، غضبا سياسا لافتا على السلطات بسبب حملة الاعتقالات مست مناضلين ينتمون إلى أحزاب سياسية، بما في ذلك "الجبهة" وممثلو الحركات الجمعوية، التي عرفتها المسيرات السلمية بالعاصمة الجزائرية الجمعة. واعتبر الحزب المعارض أن نوايا القمع كانت بارزة منذ نشر السلطات "لجهاز أمن وترسانة قمعية تجسد جمهوريات الموز".