"داعش" ارتكب الجريمة والرقة دفعت الثمن

رامي سويد

avata
رامي سويد
15 أكتوبر 2017
14FEE99F-A087-4FB4-9745-0C4BBA105754
+ الخط -
باتت نهاية تنظيم "داعش" الإرهابي في مدينة الرقة السورية، قاب قوسين أو أدنى من أن تكون أمراً واقعاً، حيث يستعد التنظيم لتسليم "عاصمته"، بعد أن دُمرت وهُجر أهلها، لينكشف فشل التنظيم ومشروعه، وينكشف مع ذلك الثمن الذي دفعه السكان، ليس على يد تنظيم "داعش" فقط، وإنما على يد الأطراف التي حررت المدينة من التنظيم، وتحديداً مليشيا"حماية الشعب" الكردية، وداعميها في التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة.

أصبحت الرقة أثراً بعد عين، بعد أربعة أشهر من القصف الجوي اليومي العنيف، الذي شنته طائرات التحالف الدولي، على الأحياء السكنية في الرقة، حيث تمركز مقاتلو "داعش" الذين حوصروا فيها منذ يونيو/حزيران الماضي.

الدمار الذي خلفته طائرات التحالف الدولي وقذائف مليشيات "قوات سورية الديمقراطية" كان أوسع وأشمل من أي دمار شهدته أي مدينة سورية أخرى، على مدار الحروب الدائرة في سورية في السنوات الستة الأخيرة. يبرر البعض سبب ذلك بصغر مدينة الرقة، مقارنة بحلب وحمص مثلا، وبأن تنظيم "داعش" كان يسيطر على أحياء المدينة كلها.

أما بعيداً عن مشهد الدمار العمراني الذي خلفته المعارك الأخيرة، فكان تنظيم "داعش" يتفنن في إيقاع أشكال العذاب على المدنيين الذي سقطوا فريسة سهلة بين أنيابه، ففرض عليهم، خلال فترة سيطرته على المدينة الممتدة من صيف عام 2013 إلى صيف العام الجاري، أبشع وأقسى وأغرب أساليب الإرهاب والترهيب.

الجلد في الساحات العامة، والحبس في أقفاص في الشوارع، وقطع الأيادي، والصلب، والرجم حتى الموت، وضرب النساء في الشوارع، والإعدام بأساليب شتى، كانت حوادث يومية، شهدها سكان مدينة الرقة، وتناقلوا أخبارها، حتى قتلهم الخوف من "داعش" قبل أن تقتلهم سكاكين مقاتليه، ومن بعدها طائرات وقذائف محاربيه.

في إبريل/نيسان عام 2013، كانت الرقة أول مركز محافظة سورية تخرج بشكل كامل عن سيطرة النظام السوري لصالح المعارضة السورية، وكان ينتظر أن تكون مثالاً لما ستؤول إليه أحوال سورية بعد انتصار المعارضة في حربها على النظام، لكن السيناريو الذي شهدته المدينة كان أسوأ مما تصور.

بعد أسابيع قليلة من خروج النظام ظهرت جماعات "المجاهدين" من سوريين وأجانب، وبدأوا يعلنون عن وجودهم من خلال منشورات كثيرة وخطب قليلة، وبدأوا بانتقاد قوات المعارضة السورية، قبل أن يبدأوا لاحقا بمحاربتها.

خلال صيف نفس العام تسارعت الأحداث، بعد الانفصال الذي حصل بين "داعش" و"جبهة النصرة"، حيث هاجم "داعش"، الذي يعد الأكثر تطرفاً، ما عرف وقتها بلواء أحفاد الرسول، وهزمه وقتل العشرات من مقاتليه، واستولى على مقره الرئيس في محطة القطار بالرقة، لتتالى بعدها انتصارات "داعش" على فصائل المعارضة بالمدينة ومحيطها، قبل أن تنتفض قوات المعارضة مجدداً وتشن هجوما معاكسا مطلع العام التالي، إلا أن هجومها باء بالفشل، لتصبح الرقة اعتبارا من مطلع عام 2014 تحت سيطرة التنظيم بشكل كامل.

تحولت الرقة إثر ذلك إلى سجن كبير، وبات أهلها بين مطرقة فنون إرهاب "داعش" وسندان قصف طائرات النظام السوري، وعانى هؤلاء من ضنك العيش، حيث أدت سيطرة "داعش" وقواعده التنظيمية إلى توقف أشغالهم، فهجر كثير منهم مدينته، ولم يجد آخرون سبيلاً لذلك، إلا أن الرقة التي استضافت عشرات آلاف السوريين النازحين سابقاً من دير الزور وحلب وحمص وغيرها باتت في عام 2014 وبعده غير صالحة لسكن وعيش أهلها. 

ومع تمدد "قوات سورية الديمقراطية"، وتحديدا القوات الكردية وحلفاءها، بات "داعش" ينسحب توالياً من مناطق ريف الرقة، قبل أن ينسحب من أحياء المدينة، تحت ضغط القصف الجوي من جهة، والنقص في الموارد المالية واللوجستية والبشرية التي يعاني منها التنظيم من جهة ثانية، إلا أن مقاتليه الذين حوصروا في الرقة اختاروا القتال إلى النهاية، فكانت نهايتهم مأساوية. 

هزيمة التنظيم الفادحة في عاصمته كانت حدثا مغرياً لوسائل الإعلام، الغربية والعربية، التنظيم الذي احتار الجميع بكيفية نشوئه من العدم، ومن ثم بسطوته على منافسيه من "التنظيمات الجهادية، انقلب سحره على نفسه، حيث انعكس الاهتمام في وسائل الإعلام الغربية بتفاصيل هزيمة "داعش" سلباً، ليس على صورة "داعش" فحسب، وإنما على صورة أي تنظيم "جهادي" قد يفكر بحمل علامة "داعش" التجارية مستقبلا.


الرقة شاهد على جرائم "داعش" وفضائح محاربيه، حيث تشهد أطلال المدينة وصور نازحيها على جرائمهم التي شملت قصف الرقة عشوائياً وقتل المئات من سكانها وتهجير الآلاف وتدمير بيوتهم، تحت شعار "محاربة الإرهاب"، ليبقى السؤال عن الذنب الذي اقترفه الرقيون ليدفعوا ثمن كل ما جرى وحدهم بلا جواب.


ذات صلة

الصورة
من مجلس العزاء بالشهيد يحيى السنوار في إدلب (العربي الجديد)

سياسة

أقيم في بلدة أطمة بريف إدلب الشمالي وفي مدينة إدلب، شمال غربي سورية، مجلسا عزاء لرئيس حركة حماس يحيى السنوار الذي استشهد الأربعاء الماضي.
الصورة
غارات روسية على ريف إدلب شمال غرب سورية (منصة إكس)

سياسة

 قُتل مدني وأصيب 8 آخرون مساء اليوم الثلاثاء جراء قصف مدفعي من مناطق سيطرة قوات النظام السوري استهدف مدينة الأتارب الواقعة تحت سيطرة فصائل المعارضة
الصورة
قبور الموتى للبيع في سورية / 6 فبراير 2024 (Getty)

اقتصاد

تزداد أعباء معيشة السوريين بواقع ارتفاع الأسعار الذي زاد عن 30% خلال الشهر الأخير، حتى أن بعض السوريين لجأوا لبيع قبور ذويهم المتوارثة ليدفنوا فيها.
الصورة
قوات روسية في درعا البلد، 2021 (سام حريري/فرانس برس)

سياسة

لا حلّ للأزمة السورية بعد تسع سنوات من عمر التدخل الروسي في سورية الذي بدأ في 2015، وقد تكون نقطة الضعف الأكبر لموسكو في هذا البلد.