رئاسة مجمع تشخيص مصلحة النظام
تولى هاشمي رفسنجاني رئاسة مجمع تشخيص مصلحة النظام منذ تأسيسه عام 1987، فتزعمه خلال دوراته الست التي تستمر كل منها لخمس سنوات. أنشئت هذه المؤسسة أولاً لأداء دور الوساطة ولحل الخلافات بين مجلس الشورى الإسلامي الذي يقترح ويسن القوانين ويمارس دور الرقابة من جهة، وبين لجنة صيانة الدستور التي تمرر وتوافق على هذه القوانين من جهة ثانية. وتحول مجمع تشخيص مصلحة النظام مع مرور الوقت إلى مؤسسة تقدم مشورتها لمؤسسة المرشد الأعلى وتساعد في حل الخلافات بين رؤساء السلطات الثلاث، التشريعية، التنفيذية والقضائية.
يضم المجمع ما يزيد عن أربعين عضواً ثابتاً في كل دورة، بالإضافة إلى عضو يستضيفه الأعضاء الثابتون بحسب موضوع الجلسة الذي يبحثونه. أعضاء المجمع هم إما أصحاب مناصب ثابتة تتغير أسماؤهم بحسب من يحتل المنصب، فمثلاً من يحتل مقاعد رئيس الجمهورية، رئيس السلطة القضائية، رئيس البرلمان، أمين المجلس الأعلى للأمن القومي فضلاً عن الفقهاء أو رجال الدين الستة الأعضاء في لجنة صيانة الدستور، يمثلون الشخصيات التي تدخل تلقائياً في مجمع التشخيص، لكن ما يتبقى من مقاعد تعطى بالاسم لشخصيات يختارها المرشد نفسه، ومنها مقعد رئيس المجمع.
خلال الدورة الأخيرة، بقي رفسنجاني في منصبه كرئيس، بينما يتولى قائد الحرس الثوري الإيراني السابق محسن رضائي منصب أمين المجمع. وتحتل شخصيات هامة عينها خامنئي مقاعد في المجمع، على غرار مستشار المرشد علي أكبر ولايتي وهو رئيس مركز الدراسات التابع للمجمع، وهو منصب كان يشغله سابقاً الرئيس الإيراني الحالي حسن روحاني. كما تم تعيين الرئيس السابق محمود أحمدي نجاد بالمجمع في أغسطس/ آب 2013 حاله كحال الأمين السابق لمجلس الأمن القومي سعيد جليلي. وتوجد في المجمع أسماء هامة أخرى من قبيل النائب الإصلاحي محمد رضا عارف، رئيس مجلس الشورى السابق المحافظ غلام علي حداد عادل، الرئيس السابق لهيئة أركان القوات المسلحة المشتركة حسن فيروز أبادي وغيرهم.
ومن المفترض أن يختار المرشد علي خامنئي أسماء أعضاء الدورة الجديدة في فبراير/ شباط المقبل، لكن رحيل رفسنجاني فتح تساؤلات حول هوية من سيخلفه في هذا المكان. ويسمح الدستور الإيراني لخامنئي أن يختار رئيساً جديداً حتى وإن تبقى على انتهاء الدورة الفعلية شهر واحد.
وفي السياق، توقع المحلل السياسي حسين رويوران، حصول هذا السيناريو، مرجحاً أن يجري اختيار شخصية سيتم التمديد لها خلال عملية الاختيار المقبلة. مع العلم أن منصب رئاسة مجمع تشخيص مصلحة النظام غير محكوم بعدد دورات وبسنوات محددة، كما هو الحال في ما يتعلق بمنصب رئاسة الجمهورية.
وعن الشخصية المتوقع اختيارها، رأى رويوران أنه من المبكر الحكم على الأمر، فيجب انتظار أن تهدأ الأجواء بعد دفن رفسنجاني وفتح مناقشات واستشارات سياسية لمعرفة الشخص الأنسب للمنصب. ووفقاً لرويوران، فإن رفسنجاني ترك فراغاً كبيراً، إذ "كان شخصية كبيرة لا يمكن إيجاد بديل يشبهها بسهولة"، وهو ما قد يغير المعادلات المقبلة في المجمع، على الرغم من أن كثيرين يفضلون انتخاب شخصية معتدلة.
وتداولت بعض المصادر الإيرانية احتمال طرح اسم آية الله محمود هاشمي شاهرودي لخلافة رفسنجاني في رئاسة المجمع. وكان شاهرودي عضواً هاماً في لجنة صيانة الدستور، وقبل عقود شغل منصب رئيس السلطة القضائية لعشر سنوات، وكان عضواً في مجلس الخبراء وحتى في مجمع التشخيص، وعينه خامنئي قبل خمس سنوات رئيساً للجنة العليا لحل خلافات السلطات.
وبحسب رويوران، فإن شاهرودي قريب من المنصب، وقد يطرح اسمه من قبل بعض الأطراف، لكن المرشد سيفكر ملياً قبل أي إعلان، مستبعداً أن يحل رئيس السلطة القضائية الحالي صادق آملي لاريجاني محل رفسنجاني كونه لا يمكن تسليم هذا المنصب لأحد مسؤولي السلطات الثلاث، حسب رأيه. وفي ما يتعلق بأمين المجمع، قائد الحرس الثوري السابق، محسن رضائي، رأى رويوران أنه خيار مطروح لكنه سيفتح الباب على أسئلة عن إمكانية تعيين شخص ليس برجل دين في هذا المكان.
ومن بين الأسماء الإضافية التي طُرحت لشغل المنصب، برز اسم غلام علي حداد عادل، الذي خرج خاسراً من سباق الانتخابات التشريعية الأخيرة في فبراير/ شباط 2016، لكنه شخصية محافظة معروفة، وربما يكون السياسي الأول من غير رجال الدين ممن يحتلون هذا المقعد، كما كان الأول من هذه الناحية حين شغل منصب رئاسة البرلمان سابقاً.
رئيس البرلمان السابق، علي أكبر ناطق نوري، اسم آخر يتم التداول به. كما طرح كثر أسماء أخرى كولايتي، الرئيس السابق محمود أحمدي نجاد، المحافظ أحمد خاتمي، والمدعي العام السابق إبراهيم رئيسي، ونائب رئيس مجلس الشورى سابقاً محمد رضا باهنر. وعلى الرغم من تعدد الأسماء، يبقى وارداً أن يفاجأ الجميع كما يرى البعض.
عضوية مجلس خبراء القيادة
ترك رفسنجاني مقعداً خالياً آخر خلفه، فقد احتل المرتبة الأولى خلال سباق انتخابات مجلس خبراء القيادة عن دائرة العاصمة طهران، وهي الدائرة الأثقل وتبلغ حصتها 16 مقعداً في مجلس يزيد أعضاؤه عن الثمانين، ويتولى رجال الدين فيه مهمة الرقابة على عمل المرشد ولهم الحق في عزله وتعيين خلف له في حال الوفاة أو فقدان الأهلية.
دستورياً، من المفترض أن تعقد انتخابات نصفية لشغل المقاعد الشاغرة في مجلس الخبراء. ووفق القانون، تُجرى هذه الانتخابات بالتزامن مع أول استحقاق انتخابي مقبل، وسيكون هذه المرة الانتخابات الرئاسية في مايو/ أيار 2017، ويحق بالتالي للمرشحين التقدم لشغل مقعد رفسنجاني الهام، وهو من احتل مقعد رئاسة الخبراء لأعوام طويلة.
بحسب المحلل عماد أبشناس، فإنه لا يوجد عدد محدد للمرشحين، لكن توجد شروط عليهم التحلي بها، منها نيل درجة الاجتهاد في الحوزة. كما يتعين على من يرغب بخوض الاستحقاق أن يحصل على الأهلية من لجنة صيانة الدستور. وتوقع أبشناس، خلال حديثه مع "العربي الجديد"، أن تُجرى هذه الانتخابات النصفية خلال الاستحقاق المقبل، إلا إن رأت لجنة صيانة الدستور أن الوقت لا يكفي للقيام بالتحضيرات والإجراءات القانونية.
وفي ما يتعلق بالأسماء المحتمل ترشحها، يدور الحديث بشكل أساسي عن عودة محتملة لحسن الخميني، حفيد مؤسس الجمهورية الإسلامية روح الله الخميني.
وكان حسن الخميني يرغب في خوض سباق الخبراء في فبراير/ شباط 2016، لكنه لم يشارك في امتحان يخضع له من يتقدمون لانتخابات الخبراء أول مرة للتأكد من قدرتهم على الاجتهاد، وهو ما أدى إلى إقصائه من قبل لجنة صيانة الدستور التي اتخذت قراراً أدى لفتح جبهة انتقادات كونه أستاذاً معروفاً يدرس في الحوزة الدينية، وله مشروعية خاصة، وفق ما قال عدد من المسؤولين، منهم رفسنجاني نفسه المقرب منه كثيراً. وربما يقرر الرجل العودة للمشهد وهو الذي بات يظهر في معظم المناسبات، ويخرج إلى جانب المرشد الأعلى علي خامنئي. كما أن شخصيات محافظة خسرت السباق الانتخابي قد تجد فرصة في العودة إلى مجلس الخبراء كذلك.
ارتدادات داخل "تيار الاعتدال"
لا تقتصر تداعيات وفاة رفسنجاني على الفراغ الذي تركه في المناصب التي كان يشغلها، إذ يشكل رحيله نقطة انعطاف ستنعكس على "تيار الاعتدال" الذي رعاه بنفسه، وهو الذي يضم شخصيات معتدلة من الإصلاحيين والمحافظين.
ويتوقع أن يجد "المعتدلون"، ومعهم محسوبون على التيار الإصلاحي، أنفسهم أمام تحد صعب، لا سيما أن رفسنجاني منحهم كل الدعم. وأدى رفسنجاني دوراً في إيصال روحاني لسدة الرئاسة وهو ما سمح بعودة تدريجية لشخصيات إصلاحية إلى الساحة التي غابت عنها منذ احتجاجات 2009. وفي الاستحقاق الانتخابي التشريعي الذي جرى العام الماضي بالتزامن وانتخابات مجلس الخبراء، تقدم "المعتدلون" كثيراً في عدد كبير من المناطق، فقد شاركوا بلوائح مشتركة مع أسماء إصلاحية.
يعول كثر على شخصيات مثل روحاني وحتى على شخصيات ثانية مثل وزير الخارجية الحالي محمد جواد ظريف، وحتى رموز الإصلاح التي ضعفت كثيراً لكنها ما تزال حية، إلا أنه يترتب على هؤلاء تجميع نقاط قوتهم لمنافسة المحافظين في السباق المقبل. في موازاة ذلك، فإن المحافظين الذين رأوا في رحيل رفسنجاني خسارة كبرى، إلا أنهم يعلمون أن البلاد خسرت رمزاً قوياً استطاع قلب المعادلات رغم تهميشه في بعض الأحيان.