تثير مشاركة البريطانيين السريعة، نظرياً، في البرلمان الأوروبي ورحيلهم عنه، الكثير من الأسئلة، تحديداً حول كيفية تنظيم هذه المشاركة ومغادرة البرلمان، وما سيحدث عندما يغادرون البرلمان الأوروبي. مع العلم أن تنظيم الانتخابات الأوروبية من قبل البريطانيين تحوّل إلى التزام، عندما تمّ تأجيل تاريخ خروج بريطانيا من 29 مارس/ آذار الماضي إلى 31 أكتوبر/تشرين الأول المقبل، بقرار من المجلس الأوروبي. وكذلك بعد اتضاح عدم إمكانية التوصل إلى أيّ اتفاق قبل 23 مايو/ أيار الماضي، تاريخ بدء الانتخابات التشريعية الأوروبية، وإلا فإنّ بريطانيا كانت ستنتهك التزاماتها الديمقراطية الأوروبية. إذاً، سيظلّ البرلمان الجديد مكوّناً من 751 نائباً، بدلاً من 705 نواب في حال خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي. وهذا يعني أن النواب الإضافيين المخصصين لبعض الدول الأعضاء لن تتم الاستفادة منهم، على الأقل حتى الآن. ولا تزال فترة ولاية البريطانيين المنتخبين، البالغ عددهم 73 نائباً، غير معروفة. نظرياً، تستمر الولاية ستة أشهر حتى 31 أكتوبر المقبل، الموعد النهائي لبريكست.
في هذا السياق، رأى المتحدث باسم البرلمان الأوروبي جاومي دوش غيّو، في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، أنه "إذا تمكنت الحكومة البريطانية من التوصل إلى اتفاق للخروج، فإن هؤلاء النواب سيغادرون البرلمان الأوروبي بشكل فوري. ومع فشل التوصل إلى اتفاق قبل مطلع يوليو/تموز الحالي، ستكون مغادرة النواب البريطانيين متروكة للمجلس الأوروبي، في قمته في أكتوبر المقبل لتقرير ما إذا كان سيترك مهلة جديدة للبريطانيين أم لا".
وفي انتظار التوصل إلى اتفاق الخروج، فإن النواب الأوروبيين البريطانيين يحظون بنفس الحقوق والواجبات التي يحظى بها النواب الآخرون، كالحق في المشاركة في دورات البرلمان وفي التصويت والحصول على التعويضات، وفقاً لدوش غيّو، الذي أضاف أنه "عندما تكون عضواً في البرلمان، فأنت عضو كامل الصلاحية. لا يوجد نصف نائب. إذا تم انتخابك للبرلمان الأوروبي، سواء كنت يونانياً أو بريطانياً، فإنك تتمتع بنفس الحقوق والواجبات نفسها، سواء بالنسبة للدورة البرلمانية كاملة أو لمدة ثلاثة أشهر. إنها الديمقراطية". كما سيكون لعودة النواب البريطانيين إلى مقاعد البرلمان الأوروبي انعكاس أيضاً حول مسألة توزيع المناصب المختلفة، نواب الرئيس ورؤساء اللجان، وحتى في وزن اللجان.
في هذا الإطار، قالت الخبيرة في الشؤون الأوروبية إيمانويل ستراسر، لـ"العربي الجديد"، إنه "بحسب القانون التنظيمي للبرلمان الأوروبي، ففي أول اجتماع للجنة بعد تعيين أعضائها وفقاً للمادة 199، ومرة أخرى في نهاية فترة ممتدة لعامين ونصف العام، تنتخب اللجنة من بين أعضائها، وعبر الاقتراع، الأعضاء الذين يشغلون منصب الرئاسة ونائب الرئيس ويشكلون مكتب اللجنة". وأضافت أنه "في الممارسة السياسية، إن المجموعات السياسية هي التي تحدد عدد النواب في اللجان وتوزيع اللجان. ثم يتم إضفاء الطابع الرسمي على هذا الاتفاق بين المجموعات السياسية من قبل مؤتمر الرؤساء. والقاعدة المتبعة هي الإنصاف. لذا يجب أن يؤخذ في الاعتبار وزن البريطانيين في البرلمان وفي كل مجموعة. وهو ما قد يثير بعض الحساسيات بسبب غياب تاريخ محدد لبقاء المنتخبين البريطانيين داخل البرلمان".
وكانت معظم المجموعات السياسية، باستثناء الاشتراكيين الديمقراطيين، قد أصدرت إعلاناً يفيد بأنها لا تنوي ترشيح البريطانيين لشغل مناصب قيادية في البرلمان الأوروبي، رئاسة البرلمان ونواب الرئيس ورؤساء اللجان. لكن ليس من المؤكد على الإطلاق أن هذا الاتفاق سيظل سارياً في وقت تغيرت فيه تشكيلة البرلمان الجديد، بسبب النجاح الكبير لليبراليين والخضر وصعود الحركات الشعبوية.
وبمجرد مغادرة بريطانيا رسمياً أوروبا، ستتوقف عضوية النواب البريطانيين في البرلمان الأوروبي فوراً، مع تطبيق القواعد التي تم الاتفاق عليها في فبراير/ شباط 2018. وستتم إعادة توزيع 27 مقعداً بريطانياً على دول الاتحاد الأوروبي، على الشكل التالي: إسبانيا وفرنسا: خمسة مقاعد لكل منهما؛ إيطاليا وهولندا: ثلاثة مقاعد لكل منهما؛ أيرلندا: مقعدان؛ مقعد واحد لكل من النمسا وكرواتيا والدنمارك وإستونيا وفنلندا وبولندا ورومانيا والسويد وسلوفاكيا. في المقابل، سيتم الاستغناء عن 46 مقعداً بريطانياً، لينخفض عدد النواب الأوروبيين من 751 إلى 705.
وأشارت ستراسر إلى أن "النواب الإضافيين المنتخبين في الدول الأعضاء سيحتلون المقاعد المخصصة لهم، في برلمان يضم فقط 705 نواب. وهو ما يفرض إعادة الحسابات بالنسبة لكل المجموعات السياسية واللجان البرلمانية للتوافق مع العدد الجديد من النواب، فضلاً عن تحديد من هم النواب الذين سيلتحقون بالبرلمان، وسيتم استخدام الآلية المتبعة في حساب نتائج التصويت، أي النائب التالي من القائمة في الحزب المعني. وقد تكون هناك مشكلة إذا كان هذا الشخص غير متاح في هذا الوقت. في هذه الحالة، سيتم تطبيق القواعد الوطنية للاستبدال أو سيتم أخذ الاسم التالي من القائمة".
واعتبرت أنه "ستكون هناك بعض التعقيدات بسبب الوجود الهائل للبريطانيين في بعض المجموعات السياسية، وغيابها في مجموعات أخرى. ولم يتم وضع أي قاعدة بخصوص هذا الأمر، سواء بالنسبة لتوزيع أعضاء جدد أو مسؤولين في اللجان. لكن النظام الداخلي للبرلمان يكلف مؤتمر الرؤساء بمهمة تحديد التعديلات اللازمة في حالة تعطل التوازنات السياسية". مشاكل كثيرة سترافق انسحاب النواب البريطانيين من البرلمان الأوروبي، وستتطلب دون شك تعديل النظام الداخلي للبرلمان الأوروبي، بمجرد إنشاء البرلمان الجديد أو التوصل إلى اتفاق بين مختلف رؤساء المجموعات السياسية على مبدأ التوافق، أو حتى اللجوء إلى محكمة العدل التابعة للاتحاد الأوروبي في حالة النزاع.