وقال بيان الداخلية، الذي صدر صباح اليوم الأحد، إن تهديد أمن العاصمة "سيعيدها الى المربع الأول"، معربة عن رفضها لدعوات تحشيد القوات أو الأفراد، لغرض المسّ بأمن سكان طرابلس، الذي "لن يكون مقبولاً على الإطلاق"، على حدّ قولها.
كما أكدت الوزارة أنها ستواجه هذه التهديدات "بالشكل الملائم، لمنع الفوضى والتغوّل على حياة المواطنين"، وأنها ماضية في تنفيذ الترتيبات الأمنية دون توقف.
وجاء بيان داخلية "الوفاق" رداً على بيان آخر صدر مساء أمس السبت، وحمل توقيع مجموعات مسلحة تجمعت تحت اسم "قوة حماية طرابلس"، اتهمت فيه وزير الداخلية فتحي باشاغا، بمحاولة الزج بالعاصمة في أتون حرب دموية جديدة، بعدما شهدت أشهراً من الهدوء والاستقرار.
وقالت المجموعات المسلحة إنها "لن تصمت، وستضرب بيدٍ من حديد كل من تسوّل له نفسه المساس بأمن واستقرار العاصمة"، دون أن تذكر أي تفاصيل أخرى حول طبيعة "ردها"، في البيان الذي حمل توقيع كل من "قوة الردع الخاصة" و"قوة التدخل السريع" و"كتائب ثوار طرابلس" و"كتائب النواصي" و"كتيبة الضمان" و"سرايا مكتب أبو سليم".
وجاء التصعيد الجديد بين داخلية "الوفاق" والمجموعات المسلحة، إثر قرار الوزارة الخميس الماضي وقف المعاملات المالية لكل المجموعات المسلحة في طرابلس، إلى حين تسليم الأخيرة لكشوفات أسماء عناصرها وأرقامهم العسكرية. وأكد القرار أن الإجراء يأتي ضمن مساعي الوزارة إيقاف تعاملها مع التشكيلات المسلحة غير النظامية المنضوية تحت شرعية الوزارة.
وكان مصدر أمني قد أكد لـ"العربي الجديد"، عزم قادة المجموعات المسلحة في طرابلس تقديم تحذير لوزير الداخلية بشأن قراره وقف معاملاتهم المالية، بما فيها مرتبات مسلحيها، معتبرين القرار محاولة لإقصائهم عن المشهد في العاصمة الليبية.
وحول ذلك، اعتبر الخبير الأمني الليبي محيي الدين زكري، التصعيد الحالي بمثابة "إلهاء للرأي العام عن إخفاقات الوزارة الأمنية، ومحاولة لتعليق هذه الإخفاقات على شماعة المجموعات المسلحة".
وقال زكري في حديثه لـ"العربي الجديد"، إنّ "قرار وقف المعاملات المالية يعني أن الوزارة لا تعترف بالمجموعات المسلحة، وهو ما يعني وصفها لها بالمليشيات صراحة، فوجود مسلحين خارج شرعية الدولة يعني أنهم خارجون عن القانون"، لكنه رأى في الوقت ذاته أن القرار لن يتعدى الحبر على الورق.
وأوضح الخبير الأمني الليبي، أن "القرار جاء بصيغة عامة، ولم يستثن أياًَ من المجموعات المسلحة"، متسائلاً: "ما هي القوات التي ستحل محل هذه المجموعات، خصوصاً أن الوزير اعترف صراحة خلال مؤتمر صحافي عقده مؤخراً، بأنه لا توجد لدى الوزارة قوات نظامية، وأن مخازنها صفر"، لافتاً إلى تأكيد البيان مضيّ "الوفاق" في تنفيذ الترتيبات الأمنية التي سبق أن اعترف بأنّ برنامجها لم تنفذ منه خطوة واحدة.
وأعرب زكري عن اعتقاده بأن هدف القرار، هو "ليّ ذراع فقط وفركة أذن لهؤلاء المسلحين ومحاولة من الوزارة للحد من عراقيلهم، وهي تعرف جيداً أنها عاجزة عن العمل في طرابلس من دونهم، وأنه لا يمكنها إقصاؤهم".
ورأى زكري أن بيان المجموعات المسلحة، حمل إشارة إلى سعي الوزارة للاستعانة بفصيل مسلح، هو "اللواء السابع" في ترهونة، الذي سبق أن شكل تهديداً لهؤلاء المسلحين في طرابلس في شهر سبتمبر/ أيلول الماضي، لكنه رأى أنه تهديد يكشف "ضعف الوزارة، التي تهدد مليشيات بمليشيات".
من جهته، رأى جال الأسود وهو ناشط سياسي من بنغازي، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "قرار الوزارة لم يأت من فراغ، فهو جاء بعد ساعات من لقاء باشاغا بنائب رئيس البعثة الأممية الدبلوماسية، الأميركية ستيفاني ويليامز، وسفيري إيطاليا وفرنسا، في لقاءات منفصلة، ما يعني حصول حثّ دولي للوزارة لاتخاذ الخطوة الحالية، وكذلك من الأمم المتحدة التي أشرفت منذ البداية على خطة الترتيبات الأمنية".
وبحسب الأسود، فإن الوزارة "لا تسعى إلى إقصاء المجموعات المسلحة، بل هي تضغط عليها لدمجها في أجهزتها الأمنية والشرطية وفق خططها في برنامج الترتيبات الأمنية، التي صرح الوزير بأن تنفيذه معرقل بسبب التشكيلات المسلحة، ما يعني رفض الأخيرة لاندماج كهذا".
وقال الأسود إن "الشكل الأمني الجديد للبلاد يتجه الى التحسن بشكل كبير، فإعلان وزارتي الداخلية بحكومتي الوفاق ومجلس النواب توحيد المؤسسة الأمنية في البلاد، يعني وجود ضغط دولي بهذا الاتجاه"، معرباً عن اعتقاده بأن المجتمع الدولي "الذي أرغم حفتر العسكري المتمرد على القبول بذلك، لن يكون عاجزاً عن إرغام مليشيات طرابلس بالقبول أيضاً".
وحول بيان مجموعات طرابلس المسلحة، قال الناشط الليبي إنه "حمل تحذيراً للوزير من اتجاهه للتحصن وراء مليشيات من خارج طرابلس"، وإنها "مستعدة لخوض حرب ضد تلك المليشيات، ولكنه يشير في الوقت ذاته إلى ضعف موقف مجموعات طرابلس، ما يعني إمكانية قبولها بالانخراط في خطط الوزارة الأمنية".