خلال الأسابيع الثلاثة الماضية أمسكت القوات العراقية نحو 80 عضواً من تنظيم "داعش" بمناطق الأنبار وحوض العظيم شمال العراق وفي بادية الموصل ومركزها وقرب تكريت. وقال مسؤولون في وزارة الدفاع حول ذلك، إن "غالبية العمليات استندت إلى معلومات تطوع سكان محليون بالإدلاء بها للقوات العراقية عبر الخطوط الساخنة، التي أطلقتها الحكومة قبل نحو عام في المدن العراقية المحررة وتضمن الحفاظ على سرية هوية المتصل". واستند جنرالات في الجيش وجهاز مكافحة الإرهاب تحدثت معهم "العربي الجديد"، على ذلك في التأكيد على حقيقة أن "أحد أشرس التنظيمات الإرهابية قد خسرت حاضنتها بالعراق بشكل شبه مطلق".
في هذا السياق، في قرية الزوية بمحافظة الأنبار يعود الحاج متعب النايل إلى الجلوس في المقهى أو حديقة المسجد، التي يتواجد بها كبار السن وأعيان القرية عصر كل يوم، فهو كما يقول لقد "برأت ذمتي وذمة عائلتي من خلال تسليم ابني المتورط مع داعش خلال احتلاله لمدن عدة في العراق بين عامي 2014 و2017".
ويضيف النايل في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، بأن "ابني كان بذرة صالحة، لكنه فسد فيما بعد وصرت أستحي من ذوي الضحايا الذين قتلهم داعش بالمنطقة، وكانوا يرون أني متورط مع ابني أو راض على الجرائم التي فعلها، لذا نصبت كمينا لابني وقلت له (أمك مريضة تعال شوفها) وعندما جاء ليلاً متخفياً للمنزل كانت الشرطة بانتظاره". ويتابع "والله بكيت عليه دماً ساعتها لسوء حظه الذي جعله يختار طريق الشيطان، لكني كنت مضطراً لذلك لأحمي إخوته وأمه ونفسي، وإلا فإننا عرضة للقتل من أشخاص يعتبرون أن ابني قتل أبناءهم ويريدون الثأر منا"، وبختم بالقول "الآن صفحتنا نقية".
ويقول العقيد الركن ماجد الدليمي من قيادة عمليات الأنبار، غرب العراق لـ"العربي الجديد"، إن "السكان المحليين يرون في داعش عدواً ولا يمكن لأي عراقي عربي سني أن يؤمن بطروحاته فجرائمه سبقت". ويتابع أن "السكان يتواصلون معنا بأي معلومات حول داعش أو الذين عانوا معه سابقاً، فهم يعتبرون أن سنوات النوم في الخيام بالصحراء والتهجير وهدم المنازل وقطع الرؤوس والأيدي يجب ألا تعود". ويضيف بأن "شعارات التنظيم لم تعد ذات وقع في نفوس الناس".
بدورهم يقول مسؤولون في وزارة الدفاع العراقية ببغداد إن "تنظيم داعش فقد حاضنته الشعبية بالعراق ولم تعد الأنبار أو الموصل مكاناً آمناً له". وحول ذلك يكشف جنرال بارز بوزارة الدفاع العراقية لـ"العربي الجديد"، بأن "التنظيم استغل التظاهرات والاحتجاجات ضد حكومة المالكي والتصرفات الطائفية منها ضد العراقيين السنة ودخل بوجه لكنه سرعان ما خلعه بعد احتلاله المدن الشمالية والغربية بالعراق". ويضيف أن "تحركات داعش الآن لا تراعي الوجود العسكري والأمني العراقي فقط، بل بات يتحاشى المواطنين أيضاً في المدن المحررة، خصوصاً مناطق القبائل. وإنجاز كهذا يمكن وصفه بأنه نصر في معركة مهمة جداً من حربنا على الإرهاب".
الإصدار الأخير لتنظيم "داعش"، حمل ما يمكن اعتباره تهديداً لسكان غرب العراق وشماله، إذ أظهرت صور لمواطنين وأبناء قبائل أعدمهم داعش، معلقاً على ذلك بأنهم "متعاونون مع قوات الأمن العراقية (التي يسميها القوات المرتدة)".
وحول ذلك يقول الشيخ جاسم الشمري أحد زعماء شمر في الموصل لـ"العربي الجديد"، إن "استمرار وجود داعش في مناطقنا بكل صراحة وبلا مجاملة يعني استمرار حجة وجود المليشيات والحرس الثوري وكل ما هو بالنهاية إيراني". ويضيف بأن "داعش قدم لإيران الكثير في سورية والعراق، ونخشى من أن الصراع الحالي بين واشنطن وإيران سيعيد الحياة أو القوة لهذا التنظيم لغايات معروفة، لذا لا نريد أحدا أن يرحمهم ولو بشربة ماء، وبقاياهم يجب أن تُقتلع من مناطقنا حتى لو كانوا من أبناء شمر". ويبين أن "التخلص منهم يعني أنه لن تبقى حجة للمليشيات ولا لأي جهة مسلحة أخرى غير الجيش والشرطة بالتواجد في مناطقنا، لذا نحن نساعد على التخلص منه". ويتفاخر الشمري بأنه "سلّم 7 أشخاص من العشيرة متورطين بالتعاون والتعامل مع داعش إلى قوات الجيش"، معتبراً أن "ذلك من أجل مصلحة الجميع كونهم مرضا خبيثا يجب التخلص منه أو الحجر عليه".
من جانبه، يعتبر أحد القيادات العسكرية العراقية التي شاركت في عمليات الأنبار وصلاح الدين، العميد حسن الدايني في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، أن "بقايا داعش تتجنب المدن المحررة وتتوسد الصحراء في شقوق وأنفاق تحت الأرض". ويضيف "استخبارياً يمكن القول إن القوات العراقية تجد حليفاً متطوعاً معها داخل المدن وهم الأهالي، لكن بالصحراء والمناطق المفتوحة فالحاجة ما زالت كبيرة للجهد البشري والطيران المسير لاكتشاف تحركات التنظيم في مناطق صحراوية وأخرى زراعية نائية. والتنظيم على ما يبدو مستعد لخسارته المدن التي يحتلها بأنفاق ومواقع وملاجئ له تحت الأرض في مناطق ذات تضاريس صعبة شمال العراق وغربه".
بدوره، مقرر لجنة الأمن والدفاع العراقية في البرلمان المنتهية ولايته، ماجد الغراوي يؤكد لـ"العربي الجديد"، أن "التنظيم استنزف كثيراً بشرياً ومادياً، ولم يعد لديه قوة كافية لأن يشكل خطراً إلا بدعم خارجي". ويضيف أن "الاستخبارات العراقية اخترقت التنظيم من الداخل وتمكنت من تحقيق نتائج كبيرة خلال الفترة السابقة، لكن يبقى أن نقول إننا بحاجة إلى استراتيجية طويلة المدى لمنع ولادة فكر جديد مشابه لفكر داعش أو قريب منه". ويتابع أن "هذا سيجنبنا ولادة نسخ أخرى من داعش بالمستقبل، والأمر يعتمد على الحكومة في ذلك هل هي قادرة على بناء أساس صحيح اجتماعياً وأمنياً واستخبارياً واقتصادياً في العراق بشكل يمنع عودة داعش وتلاشيه تماماً من العراق أم لا؟".