وجّهت حركة "الشباب" الإسلامية في الصومال عدة رسائل من هجومها على مجمع فنادق ومصارف في العاصمة الكينية نيروبي، أول من أمس. إذ إن الهجوم تزامن مع الذكرى الثالثة لأكبر هجوم تشنه على قاعدة عسكرية للجيش الكيني في جنوب الصومال، في 15 يناير/كانون الثاني من عام 2016، والذي تحدثت مصادر عن أنه أدى إلى مقتل العشرات من الجنود الكينيين. كما يأتي الهجوم بعد نحو 5 سنوات من الهدوء في نيروبي.
وعلى الرغم من مشاركة قوات من بوروندي وأوغندا وجيبوتي وسيراليون في القوة الأفريقية في الصومال "أميصوم"، فإن "الشباب"، التي بايعت تنظيم "القاعدة"، تركز على كينيا، التي تعرضت إلى أكثر من 250 هجوماً، غالبيتها العظمي وقعت بعد تدخّل الجيش الكيني في الصومال، في 14 أكتوبر/تشرين الأول 2011. وكانت الحركة هددت "بحرب طويلة ومرعبة وحمام دم"، رداً على تدخّل الجيش الكيني في الصومال. ومن المؤكد أن الهجوم على المجمع في نيروبي سيزعزع الهدوء الأمني في المدينة. وبعد هدوء لسنوات، خططت حركة "الشباب" بعناية للهجوم، ليتزامن شنّه مع ذكرى الهجوم على قاعدة "العدة" العسكرية الكينية في الصومال، في عام 2016، والذي أدى، بحسب تقارير، إلى سقوط عشرات القتلى من الجنود والمئات من المسلحين. وأعلنت حركة "الشباب"، في تسجيل فيديو وقتها، أنها قتلت نحو 200 عسكري كيني في الهجوم.
وأعلن الرئيس الكيني أوهورو كينياتا، أمس الأربعاء، أن قوات الأمن قتلت المسلحين المتطرفين الذين أدى هجومهم على مجمع فندقي إلى مقتل 14 شخصاً، بينهم أميركي وبريطاني. ولم يفصح كينياتا عن عدد المسلحين الذين نفّذوا الهجوم، الذي استمر 20 ساعة. وأضاف أن فرق الإنقاذ أجْلت أكثر من 700 شخص خلال العملية الأمنية. وبعد ساعات من كلمة كينياتا، سمع دوي إطلاق نار متقطع في مكان الحادث، بعد إنقاذ عشرات الأشخاص مع حلول الفجر. وأعادت مشاهد المسلحين والمدنيين المذعورين إلى أذهان الكينيين، هجوم حركة "الشباب" على مركز "ويست غيت" التجاري في 2013، وحصار استمر أربعة أيام، ما أثار انتقادات حادة لرد قوات الأمن.
وأعلنت حركة "الشباب" الصومالية التي بايعت تنظيم "القاعدة"، مسؤوليتها عن الهجوم على مجمع "دوسيت دي 2"، الذي يضم فندقاً وحانات ومطاعم ومكاتب وبنوكاً، ويقع في حي ويستلاندز الراقي في نيروبي. وأظهرت لقطات من دائرة تلفزيونية مغلقة تملكها وسائل إعلام محلية، أربعة رجال مدججين بالسلاح يرتدون ملابس داكنة شبه عسكرية. وبدأ الهجوم المنسق بانفجار استهدف ثلاث سيارات خارج أحد البنوك، وتفجير انتحاري في ردهة الفندق أدى إلى إصابة عدد من النزلاء بجروح خطيرة، حسبما قال رئيس الشرطة الكينية، جوزيف بوينت. وقال أحد الشهود لوسائل الإعلام الكينية إن المهاجمين كانوا "مدربين بشكل جيد وتحركوا بطريقة منتظمة. إنهم يعرفون جيداً ما كانوا يفعلون". وهرع عدد من عناصر الأمن الأجانب المدججين بالسلاح، ويبدو أنهم قدموا من سفارات في نيروبي، إلى جانب قوات الأمن الكينية. ونفّذت الشباب هجوماً على مركز "ويست غيت" التجاري في نيروبي عام 2013، والذي أسفر عن مقتل 67 شخصاً. وعلى غرار الهجوم الذي وقع في "ويست غيت"، بدا أن هذا الهجوم يستهدف الكينيين الأثرياء والأجانب. وجاء ذلك بعد يوم من حكم قاضي تحقيق بأنه يجب محاكمة ثلاثة رجال فيما يتصل بحصار المركز التجاري. وكتبت صحيفة "ديلي نيشن"، في افتتاحية، إن الهجوم هو بمثابة تذكير مخيف بأن التحديات الأمنية لكينيا لم تنته بعد. وجاء في الصحيفة "في الوقت الذي اعتقدنا أن الأمور هادئة، أطلقت العصابات العنان للعنف. بالنسبة للكينيين فإن الحقيقة المخيفة هي أن الهجمات لا تتوقف".
وشهدت كينيا عدداً من الهجمات الدموية. ففي 7 أغسطس/آب 1998، استهدف هجوم تبناه تنظيم "القاعدة"، السفارة الأميركية في نيروبي، موقعاً 213 قتيلاً و5 آلاف جريح. ومنذ تدخّل الجيش الكيني في الصومال، في أكتوبر/تشرين الأول 2011، لمحاربة حركة "الشباب" المرتبطة بتنظيم "القاعدة"، تعرضت البلاد لهجمات عدة. ففي 21 سبتمبر/أيلول 2013، شن مسلحون هجوماً على مركز "ويست غيت" التجاري في نيروبي، قبل أن يتم القضاء عليهم بعد حصار استمر 80 ساعة، ما أوقع 67 قتيلاً. وفي 2 إبريل/نيسان 2015، قتل مسلحون 148 شخصاً في جامعة غاريسا شرق البلاد، معظمهم من الطلاب. والهجوم على مجمع "دوسيت دي 2" هو الأول في نيروبي منذ الهجوم المسلح على مركز "ويست غيت" التجاري في 2013، والذي أوقع 67 قتيلاً على الأقل.
وبعد طردهم من مقديشو في عام 2011، خسر مقاتلو "الشباب" أهم معاقلهم في الصومال، لكنهم ما زالوا يسيطرون على مساحات واسعة في مناطق ريفية، حيث يشنون عمليات مسلحة وهجمات انتحارية في العاصمة، ضد أهداف حكومية وأمنية أو مدنية. وتوعّدوا بإلحاق الهزيمة بالحكومة الصومالية، المدعومة من المجتمع الدولي، ومن قوة تضم 20 ألف عسكري من قوة الاتحاد الأفريقي في الصومال "أميصوم"، والتي تساهم فيها كينيا بنحو 4 آلاف جندي. وهناك ما بين 7 إلى 9 آلاف مقاتل من حركة "الشباب المجاهدين"، وفقاً لتقديرات مجلس العلاقات الخارجية، وهو مركز بحثي أميركي مستقل.
وتظهر دراسات بحثية وخبراء لماذا تركز حركة "الشباب" على مهاجمة كينيا، أكثر من كل الدول المشاركة في القوات الأفريقية التي تحاربها، ولماذا تنجح أي عملية تشنها الحركة؟ يشار إلى أن حركة "الشباب" لم تشن بين 2006 و2007 أي هجوم في كينيا، فيما شنت هجوماً واحداً في إثيوبيا. وقد شنت بين العامين 2008 و2015 أكثر من 230 هجوماً في كينيا وخمسة في إثيوبيا. وتوضح الدراسات أن هذا الأمر يعود إلى عدة أسباب، أبرزها الحدود المفتوحة وغير المؤمّنة عسكرياً مع الصومال. كما أنه توجد في كينيا صحافة حرة، ما يسمح بنشر واسع للمعلومات عن العمليات الإرهابية، بالإضافة إلى انتعاش قطاع السياحة، وهو أمر يزيد من الأهداف. كما أن العديد من قيادات حركة "الشباب" هم من كينيا، التي تتواجد فيها خلايا إرهابية نائمة، بالإضافة إلى تفشي الفساد. ويبدو أن تركيز "الشباب" على كينيا، على الرغم من مشاركة دول أخرى في "أميصوم"، يعود إلى تواجد القواعد التابعة إلى الحركة في جنوب الصومال. وتهدف "الشباب" من استهدافها المصالح الأجنبية والأجانب في كينيا، إلى إظهار أنها قوة "جهادية"، وهو ما سيؤدي إلى انضمام مقاتلين جدد إليها. ويوجد في نيروبي عدد كبير من السفارات والدبلوماسيين مقارنة بالدول الأخرى المجاورة للصومال.
كما أن الهجوم يأتي مع اقتراب موعد انسحاب قوات "أميصوم" من الصومال. وكان مجلس السلم والأمن التابع للاتحاد الأفريقي قرر، في يونيو/حزيران 2016، إجراء خفض تدريجي لقوات حفظ السلام الأفريقية في الصومال، والانسحاب الكامل بحلول نهاية 2020، على أن تتسلم مسؤولية حفظ الأمن قوات الأمن والجيش الوطني الصومالي. وفي هذا الوقت، حافظت حركة "الشباب المجاهدين" على قدرات عالية، وقد استعادت بعض المناطق التي سبق للقوات الأفريقية، بمشاركة قوات صومالية، أن انتزعتها من الحركة في سنوات سابقة. وتشعر الولايات المتحدة، التي تحتفظ بـ 500 جندي في الصومال، بقلق خاص إزاء التغيير الوشيك لمن سيتولى أمن البلاد. ووافق الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، على خطة البنتاغون لزيادة العمليات ضد حركة "الشباب"، في مارس/آذار من العام الماضي، كما أن الجيش الأميركي نفّذ 30 غارة جوية في البلاد، في العام الماضي، على أمل إضعاف الحركة بشكل أكبر.
كما تحوّل الصراع بين حركة "الشباب" وتنظيم "داعش" فرع الصومال، إلى حرب معلنة في مناطق سيطرتهما، شمال شرقي وجنوبي الصومال. ولا يزال "داعش" بالصومال في طور التكوين، رغم مرور سنوات على إعلان تواجده هناك، من جانب القيادي المنشق عن "الشباب" شيخ عبد القادر مؤمن، الذي بايع زعيم "داعش" أبو بكر البغدادي. وقال الخبير في شؤون الجماعات الإسلامية ياسين محمد، لوكالة "الأناضول"، إن "عوامل جغرافية واجتماعية فرضت على تنظيم داعش فرع الصومال أن يقتصر نفوذه في أقصى جبال غلغالا" شمال شرق البلاد. وبحسب تقارير أممية، فإن عناصر "داعش" في الصومال بدأ يزداد عددهم نتيجة استقطاب مقاتلين جدد، حيث يقدّر عدد مقاتليه بالمئات، ويتمركز معظمهم في المناطق الجبلية شمال شرق الصومال. أما حركة "الشباب" فينحصر نفوذها في إقليم جوبا الوسطى وقرى وبلدات جنوب ووسط الصومال، بعد أن خسرت توازنها العسكري تدريجياً تحت وطأة عمليات القوات الحكومية، بدعم من القوات الأفريقية (أميصوم)، إضافة إلى الغارات الجوية الأميركية.