نجح المشاركون في الحوار الوطني التونسي عام 2013، من منظمات وأحزاب وشخصيات، في التكتم على كواليسه وما أحاط به من مناورات داخلية وخارجية، من قريب أو من بعيد. ولم تُكشف الكثير من حقائق الحوار المخفية حتى الآن، ولا تفاصيل المفاوضات التي قادت إلى التوصل لاتفاقات حول تنفيذ خريطة الطريق التي وضعها الرباعي الراعي للحوار. هذا الرباعي نجح في جمع كل الأفرقاء على طاولة واحدة، وفرض عليهم بعد سلسلة نقاشات طويلة، الالتزام بمواعيد خريطة الطريق وتفاصيلها، على الرغم من حدّة الاحتقان وارتفاع منسوب التوتر الذي كانت تعيشه البلاد بين أنصار الأحزاب المتصارعة، والذي كان يهدد التجربة التونسية والمسار الديمقراطي برمّته. وتكشف مصادر حزبية لـ"العربي الجديد"، أن الحوار كان مستهدفاً من أكثر من جهة، وتترصده جهات كثيرة بغية إفشاله. وتؤكد أن الرباعي الراعي للحوار، وخصوصاً الأمين العام للاتحاد التونسي للشغل، حسين العباسي، نجح في حماية المفاوضات من أي تأثيرات خارجية، وتمكّن من الوصول، بمساعدة شركائه، إلى تنفيذ كل بنود الخريطة، بداية من تشكيل حكومة محايدة حتى المصادقة على الدستور.
وتؤكد المصادر أن حركة "النهضة" التي كانت ستغادر الحكم بخروج الترويكا وتسلّم حكومة محايدة مقاليد الحكم في تونس، رفضت هذا السيناريو الذي اقترحه ليون، وقبلت بالخروج من الحكم على المشاركة في سيناريو هو أقرب للانقلاب منه إلى تغيير السلطة وحل الأزمة، وفضّلت القبول بمخرجات الحوار التونسي - التونسي وما يترتب عنه.
ولم تؤكد المصادر ما إذا كان جرى تنبيه الرباعي الراعي للحوار إلى ذلك ووضعه في الصورة أم لا، ولكنها تشير إلى أنها حاولت إقناع بعض المشاركين بضرورة إنجاحه وتقديم التنازلات الضرورية، لإسقاط كل السيناريوهات التي ربما كانت تراهن على وصوله إلى مآزق سياسية قد تتسبب في إفشاله، بحسب رأيها. ويبدو أن الأطراف الأوروبية، على الرغم من اختلافها، وقتها، حول شكل الخروج من الأزمة، قبلت بالمسار الذي اختاره التونسيون لأنفسهم، وأذعنت للإرادة المحلية بالتحاور والبحث عن شكل لإنهاء الصراع العنيف الذي ساد عام 2013، وساندت هذا التوجّه التوافقي دول عديدة على رأسها الجزائر.
وللتذكير، فقد التأم الحوار الوطني في تونس بعد اغتيال السياسي اليساري والنائب في المجلس التأسيسي محمد البراهمي في 25 يوليو/ تموز 2013، وسط أجواء متوترة للغاية في تونس، وصدام بين المدافعين عن الترويكا (النهضة والمؤتمر من أجل الجمهورية والتكتل) من جهة، و"جبهة الإنقاذ" التي كانت تضم عدداً من الأحزاب من بينها "نداء تونس" و"المسار" و"الجمهوري"، بالإضافة إلى "الجبهة الشعبية" والقوى الحداثية واليسارية التي كانت تُحمّل الترويكا مسؤولية الاغتيالات السياسية.
وكانت بداية عام 2013 شهدت اغتيال الزعيم اليساري شكري بلعيد، المنسق العام لحزب "الوطنيين الديمقراطيين الموحد" والقيادي في "الجبهة الشعبية"، بطلقات نارية أمام منزله في 6 فبراير/ شباط، لتخرج بعدها مسيرات احتجاجية في العديد من المدن التونسية على خلفية الاغتيال. وفي 7 فبراير دعا اتحاد الشغل إلى إضراب عام وإلى يوم حداد وطني. وفي اليوم التالي، نُظّمت جنازة وطنية لبلعيد، تخللتها أعمال عنف وحرق لعدد من السيارات في محيط المقبرة حيث دفن بلعيد، تلتها استقالة حكومة حمادي الجبالي وتشكيل حكومة علي العريّض.