وتعوّل فرنسا على الجيش المالي وعلى كل الجيوش المتواجدة هناك الانغماس أكثر في مكافحة الإرهاب للتخفيف من العبء على قواتها.
ولا تَسلم بعثة الأمم المتحدة المتكاملة المتعددة الأبعاد لتحقيق الاستقرار في مالي (مينوسما)، من اتهامات بالتقصير في مكافحة الإرهاب. وهو ما نفاه الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة ورئيس البعثة الأممية، محمد صالح أناديف، بالقول، في حوار مع صحيفة "لوموند"، نشر اليوم الجمعة، إن "مكافحة الإرهاب ليست من مهام مينوسما، (التي يبلغ تعداد قواتها 14 ألف شخص. وقد أطلقت في يوليو/تموز 2013، في خضم الحرب ضد الطوارق المطالبين بدولتهم. ولكنها اليوم تواجه هجمات الجهاديين، وقد كلفها الأمر مقتل 140 من القبعات الزرق)".
وإذا كان الكثيرون ينتظرون منها فعالية أكبر في مواجهة الجهاديين، فإن رئيسها يعترف بأن "مهامها لا تقتصر على الشق الأمني فقط، فهي أيضاً مكلفة بالحفاظ على السلام والسهر على تقدم العملية السياسية، وحماية المدنيين، والدفاع عن حقوق الإنسان".
ويكشف أناديف عن صعوبات مرّت بها بعثة أخرى للأمم المتحدة في الصومال، كان مسؤولاً فيها، حيث أنيطت بها مهمة هجومية في فرض السلام من قبل الاتحاد الأفريقي والأمم المتحدة، و"نحن نرى النتائج اليوم على الأرض، في الصومال".
ويعدد محمد صالح أناديف، في وجه منتقديه ومنتقدي البعثة الأممية، إنجازات "مينوسما" في مالي، المتمثلة في إبرام الاتفاق السياسي بين الحكومة والحركات المتمردة، حيث لم تعد تُطلق ولا رصاصة واحدة بين الطرفين. لكن المشكلة في نظره، هي "أن مجموعات إرهابية ظهرت بهدف إفشال المسار".
ويرى أناديف أنّ "بالإمكان أن تتأقلم مينوسما مع مجموعة 5 الساحل (التي تتلخص مهمتها في مكافحة الإرهاب والجريمة العابرة للحدود، وتجارة المخدرات، التي تشكل وباء في الشمال، وأيضا لأنها تموّن الإرهابيين)، لأن مينوسما لها معرفة بالأرض وهي قادرة على تقديم دعم لوجيستي أو استخباراتي. وهو ما يعني أنه يتوجب تبادل القِيَم المضافة". غير أنه لا يخشى أي مشكلة تنسيق بين مينوسما و"مجموعة 5 الساحل"، لأنهما متكاملتان.
فرنسا في ورطة حقيقية
ولا يبدو أن فرنسا والأمم المتحدة ستجدان مخرجاً قريباً للمأزق المالي، حيث بدأ الكثيرون يتحدثون، بشكل كبير، عن ورطة فرنسا التي تحاول الخروج منها، وحتى عن مستنقع، في إشارة إلى المستنقع الفيتنامي بالنسبة للأميركيين.
ويذهب مسؤول القسم الدولي في صحيفة "لوموند"، كريستوف عياد، في هذا الاتجاه في مقاله، معتبراً أن "مالي، أفغانستاننا". ويرى أنه كلما انخرطت فرنسا أكثر في هذا البلد كلّما تعززت الجهادية التي جاءت فرنسا لمحاربتها.
ويفسر كيف بدأت الخلافات تظهر بين النظام المالي و"حاميه" الغربي. ويرى أن "فرنسا تعبت من الأخذ بيد النظام المالي وتمويل سلطة فاسدة وغير فعالة، في ظل تنامي قدرات تنظيم القاعدة، الذي نجح في استمالة المزارعين الذين تخلت عنهم الدولة، وأيضاً الغاضبين من السياسات الحكومية والمتضررين منه، والذي يهدد الذين تركتهم الدولة من دون حماية".
ويستدرك الصحافي قائلاً "لكن فرنسا لا تستطيع التخلي عن مالي، خشية خسران حقل معارك أصبح استراتيجياً في الحرب ضد الإرهاب".
ويشبه الصحافي الفرنسي الوضع في مالي بالوضع بأفغانستان منذ 2001، حيث إن "النجاح العسكري تلته عملية إعادة إعمار فاشلة ثم عودة تدريجية للمتمردين، أكثر قدرة قتالية وأكثر مهارة".
ويضيف: "إن مالي هي أفغانستاننا"، مشيراً إلى "نجاح الجهاديين المسلحين المتدرج في استمالة سكان الجنوب بعد أن استمالوا العرب والطوارق في الشمال".
ويرى عياد أن الطرفين الفرنسي والمالي دخلا في "لعبة شاذة"، حيث يُحمّل أحدُهُما الآخر المسؤولية عن الهزائم.
ويشير إلى أن الظرف الذي شهد استعراضًا للرئيس الفرنسي السابق فرانسوا هولاند كمُحرّر في شوارع تمبوكتو، بعد شهر واحد من تدمير "خلافة" القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي، قد ولّى.
ويوضح عياد أن ما يحدث في مالي "هي قسمة كل الحروب التي تُخاض ضدّ حركات متمردة خلال فترة زمنية طويلة". ويرى أن "المشكل ليس هو التهديد الجهادي، الذي، ورغم تمدده، يمكن احتواؤه في مستوى متوسط من الحدة، بل المشكل هو أن العسكريين الغربيين ليس لهم تفويض ولا خبرة ولا مؤهلات إعادة إعمار الدول التي يتدخلون فيها".
ويضف "كما أن تواجُد هذه القوات الغربية المكلف، في أفغانستان كما في مالي، يسرّع من الفساد وفي انعدام مسؤولية النُّخَب ومن مناورات الطبقة السياسية، التي ترى في هذا الحضور مصدر ثورة إضافية".
ويوضح "القوات الأجنبية (الغربية في الحالتين الأفغانية والمالية)، لا تعرف ما الذي يتوجب عليها أن تفعله"، متسائلاً "هل الاحتماء لتجنب الخسائر، أم التحول إلى قوة احتلال؟ أو تنفيذ غارات عنيفة لتخويف العدو، ولكن مع مخاطر ارتكاب تجاوزات والسقوط في كمائن؟ أم أخيراً، تسيير دوريات والفوز بثقة السكان؟ وهو ما ليس بمهام العسكر، وحيث تصرف مبالغ مالية طائلة بلا فائدة".
ويتطرق عياد إلى وضعية فرنسا الاقتصادية الهشة، التي أدت إلى استقالة رئيس أركان الجيوش الفرنسية، الجنرال دي فيليي، بسبب اقتطاع في ميزانيته، والذي يُبشّر الفرنسيين في كتاب له بعنوان "الخدمة"، ببقاء القوات الفرنسية في مالي خلال الخمس عشرة سنة المقبلة.
وينهي كريستوف عياد مقاله ساخراً: "الجيش الأميركي في أفغانستان يدخل سنته السادسة عشرة، ويبدو أن خروجه أصبح أكثر بُعداً من أي وقت مضى".