أثار قرار رئيس البرلمان التونسي محمد الناصر، المتعلق بالتشهير بالنواب المتغيبين، جدلا واسعا تحت قبة مجلس نواب الشعب، بين مؤيد ورافض وغاضب. ويحاول الناصر من خلال هذا القرار، القضاء على هذه الظاهرة المتفشية التي باتت تعطل أعماله وأنشطته.
وانطلق البرلمان، أمس الثلاثاء، في نشر قائمة النواب المتغيبين وأسمائهم على الشاشات العملاقة داخل قاعة الجلسات العامة، وفي مختلف الشاشات واللوحات التلفازية المنتشرة في أروقة وبهو قصر مجلس نواب الشعب.
وأثار هذا القرار حفيظة عدد من النواب من مختلف الكتل، لما اعتبروه مبالغة في التشهير بالمتغيبين، فيما اعتبره آخرون قرارا حاسما من شأنه أن يسهم في إعادة الانضباط والالتزام بالمواعيد البرلمانية وأعمال المجلس.
وأخذ رئيس مجلس النواب هذا القرار، بعد استشارة مكتب البرلمان وندوة الرؤساء المنعقدة أخيرا. ولقيت هذه الطريقة استحسانا لدى المسؤولين البرلمانيين ورؤساء الكتل، الذين باتوا عاجزين عن التحكم في نسب الغيابات المرتفعة.
وتدخل النائب عن "حركة النهضة" الحبيب خضر، خلال الجلسة العامة المنعقدة بالبرلمان، ليعبر عن احتجاجه على عملية نشر الغيابات، مشيرا إلى أنها "تخالف النظام الداخلي لمجلس نواب الشعب"، مذكّرا بالإجراءات المنصوص عليها.
من جانب آخر، اعتبر لطفي النابلي، عضو مكتب البرلمان المكلف بالتصرف العام، أن هذا الإجراء تم اتخاذه من قبل مكتب المجلس، وهو يهدف بالأساس إلى مزيد من تكريس الشفافية في المجلس، ولحوكمة أعماله وأنشطته.
وتقول منظمة "بوصلة" المتخصصة في رصد غيابات نواب البرلمان التونسي في تقريرها الأخير، إن الغيابات في مجلس نواب الشعب ليست استثناءات أو حالات معزولة، وإنما ظاهرة جدية يمكن ملاحظتها في مختلف هياكل المجلس، ومن شأنها تعطيل سير الجلسات العامة واجتماعات اللجان.
وأشارت في هذا الإطار إلى وجود فرق شاسع بين نسب الحضور ونسب المشاركة في التصويت على مستوى الجلسات العامة، ومناقشة مشاريع قوانين على مستوى اللجان، بنسب حضور لا تتجاوز الـ50% في أحسن الحالات.
وتحتل كتلة "حركة النهضة" أعلى نسب الحضور والمواظبة، ويبرز التقرير الأخير أن نائبا عن "حركة النهضة" هو الأكثر انضباطا في البرلمان التونسي، بنسبة حضور ومواكبة بلغت 98 بالمائة، وأما النائب الأكثر غيابا فهو نائب عن "حركة نداء تونس"، بنسبة حضور لا تتجاوز 5 بالمائة، ويبدو أن هذا النائب قد تغيّب لأشهر عن المجلس بسبب حالة مرضية.
من جهة أخرى، تقدم مركز "يقظ" لدعم وإرشاد ضحايا الفساد، التابع لمنظمة "أنا يقظ"، بقضية لدى المحكمة الدستورية ضد مجلس نواب الشعب، على خلفية رفض المجلس مد المنظمة بوثائق مطلوبة حول المنح المالية للنواب، وتتعلق بأسماء البرلمانيين الذين تم الاقتطاع من منحهم، بسبب التغيب دون مبرر وبتفاصيل النسب المادية المقتطعة، حيث طالبت بهذه التفاصيل بعد تسجيل تعدد الغيابات، وهو ما حال دون استكمال جلسات النقاش للمصادقة حول بعض القوانين.
وينص البند 26 من النظام الداخلي لمجلس نواب الشعب، على أنه "لا يجوز للنائب التغيب عن أشغال المجلس دون إعلام، ولرئيس المجلس أن يأذن بتغيب العضو لمدة محدودة، ولا يجوز الإذن لمدة غير محددة إلا في رخصة المرض".
كما يضبط القانون الداخلي عدد الغيابات المسموح بها، وعقوبات الاقتطاع من المنحة في حال حدوث تجاوزات للحد الأقصى، كما يفرض نشر قوائم المتغيبين على الموقع الرسمي للبرلمان.
ويذكر أن رئيس المجلس تقدم منذ ما يزيد عن العام بمقترح لتنقيح النظام الداخلي، ينص على اقتطاع مبلغ 100 دينار من المنحة البرلمانية، كعقوبة عن تكرر الغيابات دون مبرر، إلا أن هذا المقترح لم يعرض بعد على لجنة النظام الداخلي، نظرا للحجم الكبير من مقترحات القوانين المعروضة عليها.