يبدأ الرئيس الإسرائيلي رؤبين ريفلين يوم غد الأحد، بموافقة مسبقة من رئيس لجنة الانتخابات المركزية، لقاءاته التشاورية مع رؤساء الكتل البرلمانية لمختلف الأحزاب، لتحديد هوية المرشح الذي سيُمنح أول مهلة لمحاولة تشكيل حكومة جديدة، في ظل انعدام توفر 61 عضواً مسانداً لتكليف أي من الخصمين الرئيسيين، بنيامين نتنياهو، والجنرال بني غانتس، بتولي هذه المهمة.
فقد أفرزت الانتخابات الإسرائيلية وضعاً شائكاً بوجود ما يمكن أن نسميه أربعة تكتلات برلمانية، يعلن اثنان منها، هما كتلة "الليكود" مع أحزاب الحريديم وتحالف "يمينا" والمكوّنة من 55 عضواً من أصل 120 عضواً في الكنيست، أنها ترشح بنيامين نتنياهو لهذه المهمة، فيما كتلة معسكر "كاحول لفان" مع حزب العمل-غيشر والمعسكر الديمقراطي التي تملك 44 مقعداً فقط تعتزم ترشيح غانتس لمحاولة تشكيل الحكومة المقبلة. وفي المقابل، فإن كتلتين، هما حزب "يسرائيل بيتينو" بزعامة أفيغدور ليبرمان وحصلت على 8 مقاعد، والقائمة المشتركة، لم تعلنا عن مرشح كل منهما لمهمة تكليف الحكومة. ويعني هذا أنه في حال أصرت هاتان الكتلتان على هذا الموقف، ما لم تطرأ تغييرات أو اتصالات مساء اليوم السبت، فإن نتنياهو يبدو صاحب العدد الأكبر من المقاعد المؤيّدة له، وبالتالي قد يحصل في نهاية المشاورات على تكليف بتشكيل الحكومة من دون أن يكون قادراً على تحقيق ذلك، ما سيضطر رئيس الدولة عندها لنقل التكليف بعد مهلة الـ28 يوماً الأولى، إلى خصمه غانتس.
لكن في ظل انسداد الأفق الحالي على الأقل أمام كل من نتنياهو وغانتس، بفعل التعهدات والتصريحات المعلنة لمختلف الكتل الحزبية، تبدو احتمالات تشكيل أي منهما لحكومة جديدة ضئيلة، وهو ما يزيد من عمق الأزمة السياسية في إسرائيل الناجمة بالأساس عن مأزق نتنياهو نفسه.
مآزق نتنياهو
يتلخص العامل الرئيسي لحالة السياسة الإسرائيلية الداخلية وجر إسرائيل إلى معركتين انتخابيتين خلال أقل من ستة أشهر، مع احتمالات الذهاب إلى انتخابات ثالثة، بمساعي رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو للتخلص والفرار، إذا أمكنه ذلك، من وجه القضاء الإسرائيلي، وما ينتظره في أروقة المحاكم، بفعل ملفات الفساد التي تلاحقه، وتوصية النيابة العامة بتقديم لوائح اتهام رسمية ضده. فنتنياهو الذي استطاع أن يتخطى، في نوفمبر/تشرين الثاني العام الماضي، أزمة استقالة أفيغدور ليبرمان من حكومته، على خلفية اتفاق التهدئة مع حركة "حماس" في حينه، اضطر بعد شهر تقريباً إلى إلزام رؤساء الائتلاف الحكومي في حكومته بالقبول بحل الحكومة والذهاب إلى انتخابات في إبريل/نيسان الماضي، أملاً في العودة بأغلبية كبيرة، تمكّنه من تعديل قانون الحصانة الحالي، وإدخال بند يمنح رئيس الحكومة حصانة تامة من أي مساءلة جنائية ما دام يشغل منصبه الرسمي.
وخاضت إسرائيل الانتخابات في إبريل للكنيست الحادي والعشرين. لكن الانتخابات أسفرت، للوهلة الأولى، عن فوز معسكر نتنياهو بـ65 مقعداً (موزعة على أحزاب اليمين الموالية له، بما فيها آنذاك "يسرائيل بيتينو" بقيادة ليبرمان) مقابل 55 لمناهضيه في اليمين الناعم (كاحول لفان) واليسار (حزب العمل وميرتس) والعرب. ومع أنه بدا أن مهمة تشكيل الحكومة الجديدة سهلة، إلا أن نتنياهو اصطدم فجأة بمعارضة شديدة من ليبرمان بالانضمام لحكومته الجديدة، بحجة محاربة الإكراه الديني ورفض الانضمام إلى حكومة "تخضع لإملاءات الحريديم واليمين المتطرف المسيحاني"، وهي حجة غريب أن تصدر عن رمز دعاة الترانسفير للعرب. نتنياهو وفي آخر يوم من المهلة الممنوحة له، في 29 مايو/أيار الماضي، استبق إمكانية تكليف خصمه بني غانتس بتشكيل الحكومة، وتمكّن من تمرير قانون حل الكنيست والذهاب إلى انتخابات جديدة، أملاً بتعزيز قوته.
معضلات أمام نتنياهو وغانتس
خاضت إسرائيل بناء على ذلك معركة انتخابية ثانية في عام واحد، للمرة الأولى منذ إقامتها على أنقاض الشعب الفلسطيني. وكانت كسابقتها معركة مشبعة بالتحريض العنصري والفاشي ضد العرب، وتحريض دموي إلى حد التلميح بالخيانة ضد منافسي نتنياهو في حزب "كاحول لفان". لكن نتائج الانتخابات جاءت مغايرة للتي سبقتها، ولم تحقق غاية نتنياهو المعلنة بالحصول على 61 مقعداً من دون ليبرمان، بل بدا أنها تشير إلى فقدان نتنياهو "سحره وجاذبيته"، حتى عند ناخبيه في قلب اليمين. ففيما حصل حزبه في انتخابات إبريل الماضي على أكثر من مليون ومائة وأربعين ألف صوت متقدّماً على خصمه الرئيسي "كاحول لفان" بأربعة عشر ألف صوت على الأقل، فقد انقلبت الآية في انتخابات الثلاثاء الماضي، ليتقدّم حزب "كاحول لفان" على نتنياهو بـ37 ألفاً ومائة وخمسة وستين صوتاً، تُرجمت أيضاً بتراجع عدد مقاعد "الليكود" من 35 مقعداً إلى 31 مقعداً، علماً بأن "الليكود" خاض الانتخابات بعد دمج حزب "كولانو" في صفوفه (أي كتلة برلمانية من 39 مقعداً). كما تراجع حجم الكتلة المؤيدة لنتنياهو من 60 مقعداً في انتخابات إبريل إلى 55 مقعداً في انتخابات الثلاثاء الماضي.
هذه النتائج مع التوزيع الباقي للمقاعد، زادت من مأزق نتنياهو الشخصي والسياسي، لأنها تأتي أيضاً بعد أن استنفد كل حجج وذرائع تمديد التحقيقات، وتأجيل لجان الاستماع له، إذ من المقرر أن تبدأ هذه الجلسات رسمياً في الثاني من أكتوبر/تشرين الأول المقبل، وهو ما يجعل من موقف نتنياهو التفاوضي ضعيفاً جداً، لدرجة كشف وسائل الإعلام الإسرائيلية أمس، أنه في ظل تعنّت كل من ليبرمان وغانتس في عدم التفاوض مع "الليكود" لتشكيل حكومة وحدة وطنية، فإن نتنياهو و"الليكود" يفضّلان ألا يكلف رئيس الدولة نتنياهو كخيار أول، لتشكيل الحكومة، وأن يمنح التكليف بداية لغانتس، أملاً بأن يبدد الأخير، في ظل افتقاره هو الآخر لأغلبية 61 صوتاً، المهلة الرسمية الأولى والثانية، وبالتالي إعادة الكرة لرئيس الدولة لتكليف نتنياهو، وهو ما قد يمكّنه من الضغط على "كاحول لفان" للدخول في حكومة بقيادته، في المرحلة الأولى، ملوّحاً في حال الرفض بخيار الذهاب إلى انتخابات ثالثة.
ويبدو هذا السيناريو تكتيكا قد يلجأ نتنياهو إليه، فيما يسعى غانتس بدوره للهروب من هذا التكليف كمرشح أول، كي لا يضطر للتوصل إلى تعاون وتفاهمات، سواء مع ليبرمان أم مع الأحزاب العربية، على أمل أن يتيح فشل نتنياهو أولاً للأحزاب الحريدية التخلص من تعهدها تجاه نتنياهو، والقبول بالانضمام لحكومة بقيادة "كاحول لفان"، أو أن تبدأ داخل "الليكود" بذور تمرد ضد نتنياهو، باعتباره تحوّل إلى عقبة أمام احتفاظ اليمين (وتحديداً الليكود) بالحكم.
تعويل على تصدّع كتلة نتنياهو المانعة
يعوّل زعيم "كاحول لفان" الجنرال بني غانتس، على تصريحات أولية صدرت عن نواب من حزبي "شاس" و"يهدوت هتوراة" ومن حزب "يمينا"، يُفهم منها أن خيار التحالف مع "كاحول لفان" لمنع الذهاب إلى انتخابات ثالثة ليس خياراً لاغياً. هذه العمليات التفاوضية كلها، وفرص الخروج من الأزمة الانتخابية، ستمتد على مائة يوم يحددها القانون كأقصى فترة ممكنة بين نشر النتائج الرسمية للانتخابات، يوم الأربعاء المقبل، وبين الإعلان عن الذهاب إلى انتخابات جديدة.
وستشهد هذه الفترة كما هو متوقع سيلاً من الأنباء الكاذبة عن تحالفات ومحادثات وتفاهمات بين مختلف الأطراف حتى المتناقضة بينها، وتحركات ولقاءات وتفاهمات سرية خلف الكواليس للخروج من هذه الحالة، يبدو أغربها اليوم، أن ينضم زعيم حزب العمل عمير بيرتس، الذي حصل على 6 مقاعد، في الدقيقة التسعين، إلى كتلة نتنياهو، ومنحه ما ينقصه من أعضاء لتشكيل حكومة مقبلة. وقد يكون المنقذ لنتنياهو في نهاية المطاف الشخص نفسه الذي أفشل محاولته تشكيل حكومة بعد انتخابات إبريل، زعيم حزب "يسرائيل بيتينو" أفيغدور ليبرمان، الذي أعلن أمس، وبشكل مفاجئ بعد أشهر من الحرب الدعائية ضد الحريديم، أن أحزاب الحريديم ليست عدواً بل هي خصم سياسي، في إشارة إلى استعداد ليبرمان لخفض سقف مطالبه وشروطه مقابل الدخول في حكومة مع الحريديم. وهو تصريح تمكن قراءته أيضاً للقبول بهم من قبل ليبرمان، في حكومة يشكّلها نتنياهو أو غانتس، بعد أن كان يعلن أن شرطه لترشيح أي من الاثنين هو الالتزام أولاً بإقامة حكومة يمين قومية علمانية.
اعتزال نتنياهو يحل المأزق كلياً
كل هذه السيناريوهات، وأخرى قد لا تخطر على بال أحد، قد تُخرج إسرائيل من أزمتها الحالية. من بين هذه السيناريوهات، هو ما لمّح إليه عدد من المحللين، بينهم ناحوم برنيع، في "يديعوت أحرونوت"، بأن يقرر نتنياهو قبول ما عرضه عليه محاميه السابق يعقوف نئمان، أي التوصل إلى صفقة مع المستشار القضائي للحكومة الإسرائيلية والنيابة العامة، يعتزل فيها نتنياهو السياسة مقابل عدم محاكمته، وبالتالي فتح الأبواب من جديد أمام السياسة الإسرائيلية وإخراجها من أزمتها الحالية. وهو قرار ينبغي على نتنياهو أن يتخذه خلال أسابيع، وقبل فوات الأوان. في المقابل، اعتبر بن كاسبيت، في تحليل له في "معاريف"، أن نتنياهو قد اجتاز هذه المرحلة ولم يعد بمقدوره طرح هذا العرض على المستشار القضائي للحكومة والنيابة العامة، وأن الستار سيسدل قريباً على حقبة نتنياهو.