يعيد تفجير تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) قبل أيام، شركة حيان للغاز في ريف حمص الشرقي، الحديث عن التنسيق القائم بينه وبين النظام السوري للاستفادة من القطاع النفطي في البلاد وتلبية مصالح الطرفين من هذه الثروة الطبيعية. تفجير "داعش" لشركة حيان للغاز، بعد نحو شهر من سيطرته على مدينة تدمر وحقول النفط والغاز المحيطة بها، يُعد خسارة كبيرة لقطاع الطاقة في سورية. ونشرت وكالة "أعماق" المقربة من التنظيم تسجيلاً مصوراً يُظهر تفخيخ الشركة الواقعة على بُعد نحو 100 كيلومتر شرق حمص بعدد من الألغام ومن ثم تفجيرها. وقالت الوكالة إن تفجير الشركة، التي كانت تنتج أكثر من 3 ملايين متر مكعَّب من الغاز يومياً، يحرم النظام السوري من مورد اقتصادي هام استغله في تمويل عملياته العسكرية.
ويأتي تفجير الشركة في وقت تشهد فيه دمشق والمنطقة الجنوبية نقصاً في مادة الغاز، إذ لا تكفي الكميات المنتجة من أسطوانات الغاز الحاجة المحلية، وذلك بسبب زيادة الضغط على المادة في فصل الشتاء إثر اتجاه الكثير من العائلات للاعتماد على الغاز المنزلي في التدفئة.
وقالت مصادر اقتصادية محلية في دمشق، إن الطاقة الكهربائية التي يتم توليدها بفضل الغاز الذي تؤمنه شركة حيان، يُشكّل ثلث الطاقة في البلاد تقريباً، مشيرة إلى أن المحطة كانت تؤمن 3.7 ملايين متر مكعب من الغاز الطبيعي يومياً، وأنها من المحطات القليلة في البلاد التي ظلت تنتج بطاقتها القصوى حتى الآن. ووصفت الشركة بأنها كانت استثماراً صناعياً كبيراً ومن أهم البنى التحتية الاقتصادية التي دُمرت منذ مارس/آذار 2011. غير أن مصادر في وزارة الكهرباء التابعة للنظام ذكرت لإذاعة محلية أن تفجير المنشأة يُعدّ خسارة كبيرة، لكنه لن يزيد من تقنين الكهرباء، مشيرة إلى أنه لم يتم استجرار أي كميات غاز من شركة حيان منذ حوالي الشهر، أي منذ وقوعها هي ومنطقة تدمر بيد تنظيم "داعش". وتعيش دمشق وضواحيها في ظل نظام تقنين للكهرباء، ويصل الانقطاع أحياناً إلى 16 ساعة يومياً، خصوصاً بعد سيطرة تنظيم "داعش" على حقل الشاعر في ريف حمص.
من جهته، قال مدير فرع دمشق وريفها للغاز، منصور طه، إن 80 في المائة من إنتاج شركة حيان كان مخصصاً لمحطات توليد الكهرباء، وتفجير المحطة أثّر على إنتاج الغاز المنزلي والغاز الطبيعي المخصص لمحطات التوليد. في حين قالت وزارة النفط في حكومة النظام إن التنظيم أظهر صور تفخيخ من داخل المعمل، وصوّر الانفجار من مكان بعيد، مشيرة إلى أنها لم تتأكد بعد من تفجير المعمل. وكان "داعش" قد سيطر الشهر الماضي أثناء دخوله إلى مدينة تدمر، على حقول النفط والغاز المحيطة بها في ريف حمص الشرقي، وأبرزها حقل جبل الشاعر، الذي ينتج حوالي 23 مليون متر مكعّب من الغاز يومياً، وحقل جزل للنفط وينتج تسعة آلاف برميل يومياً. وبعد سيطرة التنظيم عليه، انخفض معدل الإنتاج ليصل إلى حوالي 2500 برميل إثر هروب الفنيين منه خوفاً من التنظيم. ويساعد موقع مدينة تدمر، التنظيم على تحقيق المزيد من السيطرة على خطوط النفط والغاز، إذ تمر كل خطوط نقلهما من المنطقة الشرقية إلى الداخل السوري في مناطق قريبة من تدمر، ما يجعلها تحت رحمة التنظيم، ويؤمن له مصادر جديدة للتمويل، من خلال تفاهمات معينة مع النظام، وفق ما تؤكد مصادر عدة.
وأكد مصدر مطلع من مناطق سيطرة النظام لـ"العربي الجديد" أنه على الرغم من سيطرة تنظيم "داعش" خلال العامين الماضيين على معظم حقول النفط والغاز في سورية، إلا أن الإنتاج فيها لم يتوقف، وهو ما أثار تساؤلات حول قدرة التنظيم على تأمين كوادر بشرية لتشغيل هذه الآبار، موضحاً أن لديه معلومات تفيد بأن العديد من مهندسي النفط والغاز الذين كانوا يعملون في حقول وآبار النفط والغاز سابقاً ما زالوا يعملون فيها حتى اليوم تحت رعاية التنظيم وذلك في إطار اتفاق جرى بين النظام و"داعش". وأوضح المصدر أن هذا الاتفاق يقضي بمواصلة مهندسي النفط والغاز العمل في المنشآت النفطية ويتقاضون رواتبهم من النظام، فيما يؤمن التنظيم الحماية لهم ويمرر معظم الإنتاج في محافظة حمص من النفط والغاز إلى النظام، مقابل تلقي "داعش" حصته منها نقداً، وهو اتفاق يشمل الحقول التي يسيطر عليها التنظيم في ريفي دير الزور والرقة.
وتشير المعطيات إلى أنه يتم نقل النفط عبر عدد كبير من الصهاريج إلى مناطق النظام عبر طرق برية متعارف عليها بين الطرفين، وهي صهاريج تحمل تصاريح رسمية من قبل النظام و"داعش"، ويتم استلامها وتسليمها أثناء الذهاب والعودة من وإلى مناطق التنظيم. وحسب هذه المعطيات، فان النظام السوري يقوم بشراء نحو 20 ألف برميل من النفط يومياً من "داعش". وقال المحلل يزيد الصايغ، إن سيطرة "داعش" على تدمر وحقلين للغاز ومحطات للضخ تُعرف بـT3، دفعت النظام السوري إلى التفاوض مع التنظيم في سبيل الحفاظ على استمرارية تدفق الغاز من الحقول الشرقية إلى معامل الطاقة التابعة للنظام مقابل دفعات مالية أو استمرار تزويد تلك المناطق بالكهرباء.
وكانت مصادر مطلعة قالت لـ"العربي الجديد" إن نظام بشار الأسد أبرم اتفاقاً يشتري بموجبه كميات نفط من مناطق سيطرة حزب "الاتحاد الديمقراطي" الكردي يجري نقلها عبر أراضٍ يسيطر عليها تنظيم "داعش" مقابل رسوم عبور تُقدر بنحو 2 في المائة من سعر الخام، وتلك الرسوم تصل إلى 60 دولاراً على كل طن. وأوضحت المصادر أن الطرفين اتفقا برعاية روسية، على نقل 100 ألف طن من النفط الخام مبدئياً إلى مصفاة حمص التابعة للنظام، مشيرة إلى أنه لا يمكن نقل النفط من مناطق الإنتاج إلى مصفاة حمص من دون المرور عبر مناطق سيطرة "داعش"، فكل الطرق المتاحة عبر الرقة ودير الزور وعين العرب ومنبج، يسيطر عليها التنظيم.
ونقلت "لجان التنسيق المحلية في سورية" عن مصادر قولها إن تاجراً كبيراً يعرف باسم حسام أحمد قاطرجي يقوم بدور الوسيط بين الطرفين، إذ يتولى شراء شحنات يومية من النفط ذي الجودة العالية من بعض آبار حقل العمر (65 كيلومتراً شرق مدينة دير الزور) لصالح النظام. وأوضحت المصادر أن النفط يُنقل عبر صهاريج تنطلق على شكل قوافل صغيرة بحمولات قد تصل إلى ألفي برميل يومياً من مواقع التعبئة في حقل العمر إلى مدينة الرقة، ومنها إلى مفرق أثريا في بادية الشام وصولاً إلى مصفاة التكرير في محافظة حمص. وإضافة إلى ثمن النفط المقدر بأكثر من 40 دولاراً للبرميل الواحد، يدفع القاطرجي وعبر وكلائه وسماسرته المحليين مبالغ إضافية، عن كل صهريج لديوان الزكاة في "ولاية الخير"، وفق ما يسمي التنظيم محافظة دير الزور.
وتتوزع خريطة انتشار النفط في سورية، على ثلاث مناطق رئيسية، الأولى في محافظة الحسكة، وكانت تنتج قبل اندلاع الثورة نحو 220 ألف برميل نفط ثقيل يومياً، وتخضع المناطق الغنية بالنفط في هذه المحافظة لسيطرة الأكراد. وتقع المنطقة الثانية في مدينة دير الزور، وكانت تنتج نحو 140 ألف برميل نفط خفيف يومياً ويسيطر تنظيم "داعش" على معظمها. أما المنطقة الثالثة فهي الأقل إنتاجاً وتقع في تدمر وشرق حمص، وهي مناطق تقع تحت سيطرة النظام، وتنتج نحو ثمانية آلاف برميل يومياً. وقُدّر حجم الإنتاج السوري من النفط قبل عام 2011 بحوالي 385 ألف برميل يومياً كان يتم تكرير 245 ألف برميل منها والباقي يُصدّر إلى الخارج على شكل نفط خام وخصوصاً باتجاه دول الاتحاد الأوروبي، علماً أن حاجة البلاد من المشتقات النفطية كانت تتجاوز 300 ألف برميل يومياً. كما كانت سورية تُنتج حوالي 10,5 مليارات متر مكعب من الغاز بهدف سد حاجة البلاد من هذه المادة.