انتفض شباب في مدينة صغيرة من محافظة سيدي بوزيد اسمها السعيدة، أمام حالة النسيان والتجاهل التي يعاني منها أهلنا في الأرض المحتلة، وقاموا بتزيين قباب مساجدهم باللون الذهبي، لون قبة الصخرة، تذكيراً بالبوصلة وسعياً لطرح أسئلة في أذهان صغار القرية والمارين منها على الطريق. ويصرّ شباب المبادرة على أنها "رمزية" و"قد لا تغيّر شيئاً في الوجع الفلسطيني"، ولكنهم يدركون أن هدفهم الأساسي هو أن تبقى القضية حيّة دائماً في كل مكان عربي، أمام انكفاء الجميع وانغماس العرب في قضايا محلية لا تنتهي أبداً.
تعكس الفكرة مدى وعي الشباب العربي، على الرغم من مشاكله التي لا تحصى ولا تعد، من بطالة دائمة وآمال تضيع على مقاعد الدراسة وسياسيين منهمكين في هتك الأعراض وفي الصراع على السلطة، لكن لا شيء يُنسي الوجع الأكبر، على الرغم من إصرار أغبياء العرب على تدمير كل فرصة لتحرير الإنسان العربي وإطلاق قدراته لتطوير الأوطان. ويكفي أن يلتفت الواحد منا في أي اتجاه ليرى ما يقترفه الطغاة العرب من جرائم تاريخية في حق هذه الشعوب، غير عابئين بآلاف القتلى والجرحى وملايين المهجّرين والمدن التي تتحوّل إلى أكوام من رماد. كما يتبارز العرب بالتدخل في شؤون إخوانهم ولنصرة شقٍّ على آخر. ومثال ذلك ما يحدث في ليبيا والسودان بالذات. لا يوقفهم رمضان ولا تردعهم أية قيمة إنسانية في شهر يصدّعون آذاننا في تلفزيوناتهم، بأنه شهر التسامح والإخاء والتآزر، بينما تعبر طائراتهم سراً لدعم المجرمين والقتلة، فتدكّ بيوتاً آمنة وتهجّر عائلات من مساكنها وتفتح أبواب وطن على المجهول، وتبرم صفقات مع الكيان المحتل.
ولكن شباب السعيدة في سيدي بوزيد، كما شباب عرب كثر في كل البلاد، أحياء ويتنفسون وواعون، ولا يعوّلون على مثل هؤلاء القادة الأغبياء الذين ستلاحقهم دماء الأبرياء ولو بعد حين، ويذكّرون الإسرائيلي الذي صار يتبجح بصداقته مع قادة عرب، أنهم لن ينسوا ولن يطبّعوا مع الأمر الواقع، وتبقى القدس المحتلة بوصلتهم وإن تحالف كل الكون ضدهم.