يبدو أن تدفق اللاجئين إلى أوروبا قادر على تغييرها أكثر مما نتخيل. المسألة تتجاوز "الحكايات" القديمة عن "أسلمة" أوروبا عبر الهجرة، وازدياد عدد المواليد الجدد من الأسر المسلمة، أو حكايات أفول "البيض" بفعل التزاوج العابر للأعراق. هناك عناوين عدة رافقت تدفق اللاجئين إلى أوروبا، أولها السؤال الأمني، ومدى تأثير هؤلاء على استقرار أوروبا. والثاني ثقافي، يتعلق بمدى إمكانية دمج المهاجرين في المجتمعات الأوروبية، والثالث اقتصادي، عن أثر هؤلاء اللاجئين وإيجابيته أو سلبيته اقتصادياً.
اليوم يبدو أن سؤالاً آخر لم يطرح كما يجب: كيف أثر اللاجئون في الأوروبيين؟ وسنجد في الحالة الألمانية، وصعود اليمين المناهض للاجئين، مثلاً هاماً. فألمانيا من أكثر دول أوروبا استقبالاً للاجئين. وكان النقاش الأساسي في ألمانيا يرتبط بأثر استقبال مئات الآلاف من اللاجئين على الاستقرار الأمني بصورة عامة، ومكافحة الإرهاب بشكل أدق. اليوم نجد صعوبة في إثبات علاقة سببية بين ازدياد عدد اللاجئين وازدياد معدلات الجريمة. بل نجد أن تقارير ألمانية، مثل تقرير صحيفة "زود دويتشه تسايتونغ" وقناة "إن دي أر"، أظهر، في ديسمبر/كانون الأول الماضي، أن نسبة ارتكاب اللاجئين للجرائم في ألمانيا "أقل مما يُعتقد". ويؤكد التقرير تراجع معدلات الجريمة بين اللاجئين بنسبة 23 في المائة في الربع الثالث من 2016 مقارنة بالربع الأول.
في المقابل، ازدادت التقارير حول "جرائم الكراهية" ضد اللاجئين في ألمانيا. وأفاد تقرير للحكومة الألمانية عن زيادة جرائم الكراهية ضد الأجانب بنسبة 116 في المائة في 2016 مقارنة بعام 2015. وتم تسجيل 8529 جريمة كراهية ضد اللاجئين، منها 832 اعتداءً مباشراً ضد مراكز إيواء اللاجئين. جرائم الكراهية، جاءت متوازية مع زيادة عدد اللاجئين، وصعود اليمين المتطرف والجماعات الشعبوية. فكان استقبال "الآخر" في الحالة الألمانية اختباراً حقيقياً لرسوخ قيم الديمقراطية الليبرالية، الذي تعد ألمانيا اليوم أبرز حاملي لوائها. من المستبعد أن تكتسح التيارات المتطرفة أوروبا بصورة مفاجئة، على غرار صعود هتلر في القرن الماضي، لكننا أمام حالة تقليدية لـ"الخوف من البرابرة"، الذي يحول بعض البشر إلى "البربرية" على هيئة "جرائم كراهية" هذه المرة، وإن كان التيار العام في أوروبا ما زال مرحباً بـ"الآخر" نسبياً.