أثارت التعديلات التي أدخلها البرلمان السوداني، أمس الأول الأربعاء، على القانون الجنائي، لتشديد العقوبة على مثيري الشغب بالسجن إلى فترات تصل إلى خمس وعشر سنوات، فضلاً عن الغرامة، المخاوف من أن تكون سلاحاً جديداً في مواجهة أيّ تظاهرات، بما فيها الطالبية التي تتم في الجامعات السودانية من حين إلى آخر.
ويرى مراقبون، أن هذه الخطوة تعكس تخوّف النظام في الخرطوم من انفجار الشارع، لا سيما في ظل الظروف الاقتصادية الضاغطة واستمرار انهيار العملة المحلية أمام العملات الأجنبية، إلى جانب غياب أيّ مؤشرات في الأفق تشير إلى إمكانية الوصول لتسوية سياسية بين الفرقاء السودانيين تنهي حالة الاستقطاب السياسي الحاد، وتُوقِف الحرب في إقليم دارفور ومنطقتي النيل الأزرق وجنوب كردفان، على الرغم من الجهود التي يقودها المجتمعان الدولي والإقليمي في هذا الخصوص.
ومرر البرلمان على عجل تعديلات القانون الجنائي قبل الدخول في إجازته الدورية التي تمتد ثلاثة أشهر، وهي تعديلات صادق عليها، بعد أقل من يومين على إيداعها، الجهاز التنفيذي، على الرغم من حساسيتها.
وعلى غير العادة، استغرقت جلسة البرلمان الخاصة بالتعديلات نحو ست ساعات، قبل أن تتم المصادقة عليها، ما يؤكد إصرار رئاسة البرلمان (التي تتبع الحزب الحاكم) على إقرار التعديلات قبل الدخول في العطلة ليتم العمل بها فوراً، لا سيما مع تزايد حالات الاحتجاجات والتظاهرات في الشارع العام.
هذه التعديلات شددت العقوبات الخاصة بالشغب، والتي كانت في السابق تقوم على السجن لمدة شهر أو الجلد عشرين جلدة، لترتفع عقوبة الشغب بالتعديل الجديد إلى الحبس لمدة خمسة أعوام، وعشرة أعوام للشغب المصحوب بإتلاف المرافق العامة أو الخاصة، إلى جانب الغرامة التي لا تقل عن قيمة ما تم إتلافه.
وأيّد رئيس لجنة العدل، أحمد التجاني، التعديلات، مشيراً إلى الخسائر التي نجمت عن تظاهرات سبتمبر/أيلول 2013، التي خرجت احتجاجاً على زيادة أسعار المحروقات. فيما شدد برلمانيون رافضون للتعديلات، على ضرورة الموازنة بين الجريمة والعقوبة باعتبار أن العقوبات المُقرّة لا تتناسب وحجم الجرم.
وذكّر وزير العدل السوداني، عوض الحسن النور، أنه قدّم مقترحات لمجلس الوزراء برفع عقوبة الشغب إلى عامين، إلا أن المجلس رفعها إلى عشرة أعوام، وهي عقوبة خففها البرلمان في نهاية المطاف إلى خمس سنوات فقط، على أن تحدد عقوبة العشرة أعوام لعمليات الشغب المصحوبة بالإتلاف.
اقرأ أيضاً: الحركة الشعبية تتهم الحكومة السودانية بتطبيق سياسة الأرض المحروقة
وأعلن تحالف المحامين الديمقراطيين رغبته في التصعيد داخلياً وخارجياً ضد تلك التعديلات، التي اعتبرها بمثابة "كرباج" لجلد المواطنين وقمعهم، مؤكداً أنها تأتي مخالفة لدستور البلاد الذي يكفل حق التظاهر السلمي، فضلاً عن مخالفة العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية التي وقّع عليها السودان.
وقال عضو الهيئة القيادية للتحالف ساطع الحاج، في حديث لـ"العربي الجديد"، إن التعديلات تتنافى مع دعوة الحكومة للحوار، مشيراً إلى أن "مادة الشغب المعدّلة أدخلها في الأساس المستعمر الإنجليزي ولم يجرؤ على تعديلها إلى الحد الذي وصل إليه نظام الخرطوم". ورأى أن هذه التعديلات تأتي في إطار مساعي الحكومة تشديد القبضة الأمنية في ظل توقّعاتها بانفجار الشارع في أيّ لحظة، مؤكداً أن التحالف سيواجه التعديلات سياسياً وقانونياً عبر خطوات تصعيدية تحدّ من إمكانية تنفيذها وتجبر السلطة على التراجع عنها.
وشكّلت التعديلات صدمة للأحزاب التي انخرطت في الحوار مع الحكومة، منذ أكتوبر/تشرين الأول الماضي، لا سيما المعارضة، التي يُعتبر حزب "المؤتمر الشعبي" بزعامة حسن الترابي أكبرها. بينما قاطعت الحوار، قوى سياسية معارضة رئيسية سلمية ومسلحة، من بينها حزب "الأمة" بقيادة الصادق المهدي، فضلاً عن الحركات المسلحة التي تقاتل الحكومة في إقليم دارفور ومنطقتي النيل الأزرق وجنوب كردفان.
ووصف الأمين السياسي لـ"المؤتمر الشعبي"، ورئيس لجنة الحريات والإعلام في الحوار، كمال عمر، التعديلات بالمجحفة والقاسية، مشيراً إلى أن إقرارها، في هذا الوقت، يبعث إشارات غير جيدة، فيما يتصل بالحوار وكلام النظام عن إجراء إصلاحات في منظومة الدولة وقوانينها.
ولفت إلى أن "الشغب مربوط بجرائم الرأي، وطالما أن هناك قوانين تصادر الحريات ولا تُعطي فرصة للتظاهر، وطالما أن الإعلام مُراقب والعمل السياسي مكبّل، فهذا يعني أن الحكومة بتلك الخطوة تريد أن تكبت ما تبقّى من حريات". وأكد الوقوف مع الحق بالتظاهر السلمي، معتبراً أن التعديلات محاولة لإرهاب الساحة السياسية، مشيراً إلى أن "العقوبات توضح مستوى تفكير بعضهم فيما يتصل بالحوار باعتبار أنها تمثّل استباقاً لنتائج الحوار، وفيها تأزيم لمهمتنا في الحوار". وختم: "سنقف ضد تلك العقوبات، وإن لم يستجيبوا (في إشارة للنظام) سيكون وقتها لكل مقام مقال".
ورأى مراقبون، أن التعديلات جاءت على خلفية تظاهرات سبتمبر/أيلول 2013 التي قُتل وأصيب فيها ما يربو عن خمسمائة شخص، فضلاً عن تظاهرات الجنينة في ولاية غرب دارفور قبل نحو عشرة أيام، والتي قُتل خلالها سبعة أشخاص وأصيب آخرون. كما تأتي التعديلات، وفق مراقبين، بسبب تخوّف الحكومة من خروج تظاهرات في حال تنفيذ خطط تتصل بزيادة أسعار بعض السلع، لا سيما في ظل شح العملات الأجنبية وتصاعد أسعارها مع غياب استراتيجية كبح جماحها، إلى جانب التوقّعات بإيقاف النفط الجنوبي، وهو أمر يمكن أن يقود إلى انفجار الشارع، في ظل تحركات المعارضة ومحاولاتها المستميتة تحريك الشارع كمحاولة للضغط على الحكومة لتقديم تنازلات فيما يتصل بالحوار، وهو أمر ترفضه الحكومة. إضافة إلى إعلان حزب "الأمة" إطلاق حملة "هنا الشعب" في السادس والعشرين من الشهر الحالي.
وقال المحلل السياسي عبدالمنعم أبو إدريس، إن التعديلات تأتي للتخويف استباقاً لأي تظاهرات، مشيراً إلى أنها توضح رغبة الحكومة في تشديد الإجراءات. ورجّح أن تُقابل هذه التعديلات بانتقادات دولية ومحلية، مستبعداً في الوقت نفسه أن تقف في مواجهة أي تحرك شعبي حقيقي، الذي رأى أنه غير موجود حالياً في المشهد السوداني.
اقرأ أيضاً: بوادر أزمة بين الخرطوم وجوبا حول مستحقات عبور النفط