في حال أجيز تفكيك الأزمة الداخلية العراقية بين بغداد وأربيل إلى أجزاء، فإن ثلث الأزمة قد حُلّ فعلاً بعد قرار الحكومة العراقية، أمس الثلاثاء، رفع حظر الطيران الدولي عن إقليم كردستان، الذي اتخذته بغداد ضمن حزمة عقوبات كبيرة رداً على إجراء الإقليم استفتاء الانفصال عن العراق في 25 سبتمبر/ أيلول الماضي. استفتاء اعتبرته الحكومة باطلاً، متوعّدة باستخدام القوة العسكرية عند الضرورة في حال لم تنفع العقوبات التي اتخذتها بالتنسيق مع تركيا وإيران الجارتين للعراق، بعد إغلاق كلا الدولتين حدودهما مع الإقليم ووقف التعامل التجاري معه.
في هذا السياق، اعتبر مسؤولون ومراقبون عراقيون في بغداد، وفي إقليم كردستان الذي بدا عدد من قياداته متفائلاً بأن "هناك الكثير قبل الحديث عن إنهاء الأزمة الكردية في العراق وعودة العلاقات إلى طبيعتها مجدداً، فالملفات الموجودة والعالقة أكبر بكثير من موضوع الطيران الذي تم التوافق عليه فنياً بعد قرار غلقه سياسياً".
وكانت الحكومة قد أعلنت، أمس الثلاثاء، عن "إعادة افتتاح مطاري أربيل والسليمانية أمام الرحلات الدولية، بعد استجابة السلطات المحلية في إقليم كردستان لإعادة السلطة الاتحادية إلى المطارين المذكورين". وأضاف بيان للحكومة صدر عقب لقائها مع ضباط وزارة الداخلية العاملين في مطارات إقليم كردستان العراق وآخرين من بغداد تقرر نقلهم إلى الإقليم للعمل هناك، أن "المطارات ستدار من قبل السلطة الاتحادية ووفقاً للدستور، وكذلك ربط المنظومة الأمنية ودائرة الجوازات ببغداد. وتخضع المطارات للمنظومة المعمول بها في باقي مطارات ومنافذ العراق"، في إشارة إلى ملف المطلوبين قضائياً أو الإجراءات المتبعة في منح تأشيرة الدخول لغير العراقيين. إذ لطالما شكّل هذا الملف صداعاً مزمناً لبغداد بسبب توافد شخصيات اعتبرتها "صهيونية وتحمل جوازات سفر صادرة عن الاحتلال الإسرائيلي"، وبسبب تنظيم نشاطات ذات طابع دولي من دون علم بغداد.
ومن المقرر هبوط أولى الرحلات الدولية في مطارات أربيل والسليمانية بإقليم كردستان العراق، خلال الساعات القليلة المقبلة، إحداها آتية من إيران، وفقاً لما كشف عنه مسؤولون في قطاع الطيران بالإقليم.
من جهته، أكد مسؤول بارز بإقليم كردستان لـ"العربي الجديد"، "عودة شيء من الثقة بين الطرفين بسبب تنفيذ بغداد وعدها ورفع الحظر عن المطارات". وبيّن أن "ملف رفع الحظر لا يمثل شيئاً أمام الأزمة الحالية، في حال أردنا أن نعطي نسبة مئوية لما تحقق أمس الثلاثاء، فما زال لدينا ملف حدود إقليم كردستان والمناطق المتنازع عليها، وقانون النفط والغاز وإدارة حقول النفط في الإقليم وملف البشمركة، وتنظيم العلاقة بينها وبين الجيش العراقي، وملف مرتبات موظفي الإقليم وملف كركوك وملف الموازنة، وقضايا أخرى كثيرة تريدها بغداد كشرط للإعلان الصريح عن إلغاء نتائج الاستفتاء. لكن بشكل عام ما تحقق اليوم ممتاز، فحظر الطيران أذى الإقليم كثيراً، وأوقف قطاعات مهمة وأضرّ بالتجارة وتسبّب بفقدان أكثر من 20 ألف عائلة لمصادر رزقها".
من جهته، أوضح المستشار الخاص لرئيس إقليم كردستان السابق، وزعيم الحزب الديمقراطي كفاح محمود، لـ"العربي الجديد"، أن "بغداد لم تكتشف شيئاً خارج الدستور في تلك المطارات، بل وجدت أن الإجراءات فيها أفضل من مطار بغداد، لكن التهويل الإعلامي المتعمد ضد الإقليم كان حاضراً". وأضاف أنه "كانت هناك قطيعة، والآن عادت آلية التعاون من خلال المطارات والمنافذ الدولية الحدودية، وكله ضمن ما نصّ عليه الدستور. كما تمّ الاتفاق على صرف معاشات وزارتين هما الصحة والتربية، وهما أكثر وزارتين مهتمين لدينا بسبب عدد موظفيهما". واعتبر أن "رفع الحظر سيخلق بيئة مشجعة لمواصلة الحوار لحل الأزمة وتفكيك الملفات، مثل المناطق المتنازع عليها والنفط وتعداد السكان والبشمركة وعلاقتها مع بغداد وحدود إقليم كردستان وغيرها".
وحول شرط بغداد بإلغاء الاستفتاء، قال "الاستفتاء حصل وانتهى. فقد ذهب 3 ملايين مواطن كردي وقالوا إنهم مع حق تقرير مصيرهم. وبات الاستفتاء الآن وثيقة تاريخية. وهذه ليس من صلاحية بغداد ولا أربيل إلغاؤها. كما أنه لم يظهر مسؤول واحد من الإقليم ليقول إننا نريد الانفصال وسنعلن دولة بعد الاستفتاء. فالجميع قال إنه استفتاء تحديد مصير للشعب الذي ذهب بعدما لمس نوايا شرّ لضرب الفيدرالية بالعراق من خلال خرق 55 مادة بالدستور على مدى الفترة السابقة". وحول القول إن "إقليم كردستان خسر كثيراً بعد الاستفتاء وتراجعت مكاسبه"، قال "إذا اعتمد الدستور العراقي من الديباجة وحتى الفصل الأخير من دون انتقائية، فإن الإقليم لم ولن يخسر شيئاً على الإطلاق".
من جهته، أوضح رئيس كتلة الحزب الديمقراطي، بزعامة مسعود البرزاني، في البرلمان العراقي، عرفات أكرم، لـ"العربي الجديد"، أن "الإقليم يتمنى أن يكون ما تحقق بادرة خير لحل باقي الأزمة"، مضيفاً أنه "تحقق ما كان يكرره (رئيس الوزراء العراقي حيدر) العبادي ليلاً نهاراً، وفتح الطيران بعد تصريحات كثيرة. وأعتقد أننا سننتقل الآن بالحوار في الأزمة إلى ملف الرواتب ثم الموازنة، وباقي الملفات حتى تفكيكها نهائياً". وأبدى اعتقاده بأن "المشاكل كثيرة وكبيرة وهناك ملفات ربما تؤجل إلى الحكومة المقبلة، مثل النفط والغاز ومجلس الاتحاد العراقي والحدود والمناطق المتنازع عليها وغيرها".
كما أوضح وزير بارز، لـ"العربي الجديد"، أن "280 ضابطاً من وزارة الداخلية العراقية ببغداد، وموظفين من مجلس الوزراء والدوائر ذات العلاقة، سيتولون مهمة إدارة مطارات أربيل والسليمانية، بدءاً من ملف الإشراف على الدخول والخروج بعد اعتماد نظام بغداد الاتحادي في تلك المطارات، بما فيها توحيد قوائم المطلوبين للقضاء بتهم جنائية أو إرهابية". ولفت إلى أن "المطارات ستدار من قبل بغداد، أما الجانب السيادي والخدمي فسيبقى من صلاحية الإقليم فقط".
وتابع أنه "تم الاتفاق على تشكيل إدارة عليا للإشراف على مطارات الإقليم ومنافذه الحدودية، للتأكد من أن الإقليم نفّذ كل الشروط. كما سيتمّ ربط النظام الإلكتروني في مطارات الإقليم مع بغداد وإلغاء استقلاله، وكذلك دائرة الجوازات وإقامة الأجانب".
من جانبه، قال القيادي بالتحالف الوطني الكردستاني، حمة أمين، لـ"العربي الجديد"، إن "الاتفاق يمكن اعتباره بمثابة تفكيك ثلث الأزمة الحالية بين بغداد وأربيل". وأضاف أن "أربيل أوفت بالتزاماتها وتم فتح المطارات ورفع الحظر الجوي عن الإقليم، وبقي على بغداد العمل على صرف مرتبات الموظفين وتسهيل أمورهم الاقتصادية، تحديداً ما يتعلق بالمصرف المركزي، لطيّ هذه الصفحة التي تسببت بأذية سكان كردستان قبل غيرهم. الاستفتاء صار من الماضي الآن".
من جانبه، أفاد مصدر في هيئة الطيران المدني بإقليم كردستان لـ"العربي الجديد"، بأن "إدارة الخدمات في مطاري أربيل والسليمانية باشرت عمليات التحضير لاستقبال الرحلات الجوية. وسيكون ذلك متاحاً خلال الساعات المقبلة، خصوصاً للخطوط الجوية التي كانت عاملة في الإقليم، مثل التركية والقطرية والإيرانية واللبنانية والإماراتية والأردنية، والتي ما زالت تمتلك برنامجاً وإذن عمل في العراق من الحكومة العراقية. والأربعاء، قد نشهد أولى حركات الطيران في المطار".