الطلب إلى الخدمة الاحتياطية يعيق حياة السوريين بكافة أعمارهم، فمعظم المعاملات الشخصية أو القانونية أو معاملات التمليك وحتى استخراج وثائق السفر، تحتاج إلى طلب "ورقة لا حكم عليه"، أو "بيان وضع تجنيد"، وبالتالي للحصول على هذه الأوراق يجب الذهاب إلى فرع الأمن الجنائي أو شعبة التجنيد التابعة للنظام.
وفي كل مرة يصدر النظام قراراً حول خفض سن الخدمة الاحتياطية، يتدافع مئات المواطنين للحصول على تلك الأوراق بهدف إتمام معاملاتهم التي كانت متوقفة بسبب طلبهم لخدمة الاحتياط التي شملت، مؤخراً (قبل القرار الصادر أمس)، جميع الذكور حتى سن 54 عاماً، وذلك يعني حدوث ازدحام في كوة الحصول على تلك الأوراق.
ويقول أحد العاملين في تعقيب المعاملات بدوائر النظام، لـ"العربي الجديد"، إنّ الازدحام فرصة لعمال النظام وموظفيه من أجل الحصول على المال، مشيراً إلى أن عملية تسريع دور الحصول على "لا حكم عليه" قد تصل إلى 30 ألف ليرة سورية، وعملية التفييش في الفروع الأمنية 25 ألف ليرة، والحصول على أي ورقة أخرى تتعلق بالمعاملة تضطر المواطن إلى الدفع من أجل المضي بسرعة في إنهاء المعاملة.
وأضاف أنّ أي قرار يصدر، سواء كان متعلّقاً بالخدمة الاحتياطية أو الإلزامية، يتطلّب أن يقوم الشخص المطلوب بتسليم نفسه إذا كان فاراً، وبالتالي يكون القرار باباً لسرقة أموال الناس لا أكثر، ويمكن إلغاؤه بـ"أمر إداري" جديد.
وأصدر النظام السوري، أمس الخميس، قراراً ينص على إنهاء الخدمة الاحتياطية، والاحتفاظ ضمن قواته لمن تجاوز عمره 42 عاماً، على أن يتم تنفيذ القرار، اعتباراً من 10 فبراير/ شباط الجاري، فيما استثنى القرار الأطباء البشريين، و"الفارين من الخدمة".
وقالت مصادر، لـ"العربي الجديد"، إنّ "القيادة العامة للجيش والقوات المسلحة" أصدرت أمراً إدارياً ينص على "إنهاء الاحتفاظ والاستدعاء للضباط وصف الضباط والأفراد المحتفظ بهم والاحتياط المدني المستدعى (ملتحق) ممن بلغ عمرهم 42 سنة فأكثر، عدا الأطباء البشريين".
ويقول أبو وليد، وهو خمسيني من حي الوعر في مدينة حمص وسط سورية، لـ"العربي الجديد"، إنّه دفع 50 ألف ليرة سورية من أجل عملية "التفييش" قبل صدور هذا القرار بأسبوع، وعملية "التفييش" هي أن يقوم أحد عناصر الأمن بالدخول إلى جدول المطلوبين، والبحث عن الاسم هل هو في القائمة أم لا.
وأضاف أبو وليد أنّه عندما تبيّن أنّ اسمه خارج قائمة المطلوبين للاحتياط، اشترط النظام منه أن يقوم بتسليم ابنه الفار من الخدمة الإلزامية، مقابل السماح له بالعودة إلى منزله.
وأعرب أبو وليد عن قناعته بأنّ القرار الأخير "لن يكون سوى وسيلة لامتصاص ما تبقى من دماء الشعب الذي غرق بأزمات الغاز والمازوت، والمستفيد هو النظام".
"أمر إداري"
وبحسب المصادر التي نقلت نص القرار، لـ"العربي الجديد"، فإنّ ذلك القرار جاء على هيئة "أمر إداري" وينص أيضاً على "إنهاء الاحتفاظ والاستدعاء للضباط وصف الضباط والأفراد المحتفظ بهم، والاحتياط المدني المستدعى (ملتحق)، واستبعاد من له دعوة احتياطية، ممن حصل على نسبة معلولية 35% أصولاً مهما كان سبب المعلولية".
كذلك نص "الأمر الإداري" على "إنهاء الاحتفاظ للضباط الاحتياطيين المحتفظ بهم من عناصر الدورات (250،251،253) عدا الأطباء البشريين"، وفق المصادر، والتي أشارت إلى أنّ "الأمر الإداري يستبعد من لديه فرار أو خدمة مفقودة تتجاوز 30 يوماً، ويطبق اعتباراً من تاريخ 10/2/2019".
وبحسب ما أكدته مصادر مطلعة، لـ"العربي الجديد"، فإنّ القرار "صدر على شكل أمر إداري، وبالتالي يمكن حذفه أو إلغاؤه في أي وقت، ومن المرجّح أنّه أُصدر بهدف امتصاص الغضب في المحافظات التي يسيطر عليها النظام، لا سيما أنّ الاعتقال شمل أناساً غير قادرين البتة على الخدمة العسكرية، من بينهم عاجزون".
وكانت قوات النظام قد أصدرت، في وقت سابق، "أمراً إدارياً" نص على أن يكون سن الاحتياط بالنسبة للأفراد 52 عاماً، وللضباط وصف الضباط 54 عاماً، وبالتالي يمكن إعادة العمل بنص هذا الأمر في أي وقت.
وتقول المصادر إنّ هناك قرابة 800 ألف دعوة احتياط موزعة على الفروع الأمنية والحواجز التابعة للنظام السوري في مختلف المناطق، لم يتم شطبها على الرغم من صدور مرسوم من رأس النظام بذلك.
وكانت قناة "سما" التابعة للنظام قد نقلت، الأسبوع الماضي، عن رئيس الدائرة الوسيطة في مديرية التجنيد العامة العقيد عماد الياس، قوله إنّ "السن الأقصى لعمر الاحتياط للخدمة العسكرية لم يتغير فهو على حاله، أي 42 عاماً".
وكان النظام قد أصدر، في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، "المرسوم التشريعي رقم 18 لعام 2018"، والذي نصّ على "منح عفو عام عن كامل العقوبة لمرتكبي جرائم الفرار الداخلي والخارجي، وإلغاء كامل دعوات الاحتياط السابقة."
وعقب صدور ذلك المرسوم، عادت قوات النظام السوري إلى ممارسة الاعتقال بهدف السوق إلى الخدمة الإلزامية أو الخدمة الاحتياطية، وأدى ذلك إلى اعتقال آلاف الشباب والرجال، من بينهم ذوو احتياجات خاصة وكبار في السن.