الجزائر... في صحافة الأزمة

03 ابريل 2019
يتمّ "تقديس" الجيش في وسائل الإعلام(رياض كرامي/فرانس برس)
+ الخط -


في ظلّ حراك شعبي حاشد في الجزائر، يتجذّر يوماً بعد يوم متخذاً شكل وحجم ثورة سلمية قلبت كل الموازين وعدّلت كل الخيارات، سيكون من الطبيعي أن تتصدر سلة واسعة من أخبار الجيش والرئاسة والكارتل المالي والصراع بين مختلف أجنحة السلطة ورجالاتها ومواقف المعارضة، شاشات القنوات وأخبار الصحف والمواقع المحلية. ومع اقتراب استحقاقات الحسم السياسي باتجاه طي صفحة الرئيس عبد العزيز بوتفليقة وتلاشي قدرة الكتلة الموالية له على المقاومة، وبدء ترتيبات التوجه إلى مرحلة انتقالية، دخل الجيش إلى المشهد برغبة منه في تقليص كلفة انتقال السلطة أو بفعل ثقله.

يُحسب للمؤسسة العسكرية حتى الآن مواقفها لصالح احترام الإرادة الشعبية على اعتبار أنها، بخلاف جيوش الكثير من الدول في عالمنا العربي على الأقلّ، بدت حريصة على احترام الدستور، ولم تقفز على السلطة، على الرغم من أن الساحة خالية وتوفر كل الإغراءات لفعل ذلك. لكن لا يدفع ذلك الفاعل السياسي والمدني في الجزائر إلى اغفال حقيقة، أن تمركز الجيش في قلب المشهد الإعلامي، قد لا يخدم صالح العملية السياسية ويغطي على حقيقة الأزمة وتشعبّاتها.

ثمة مخاوف لافتة مصدرها طريقة معالجة الإعلام الجزائري في الأيام الأخيرة للتطورات، مع تزايد حملة دعائية في القنوات والصحف تتجه إلى "تقديس" الجيش وتلميع صورة قائد الأركان الفريق أحمد قايد صالح، وطرح سلة أخبار تجعل من العسكريتارية الحل الأخير، والادّعاء بوجود حالة من تسليم الحراك الشعبي لزمام المبادرة إلى الجيش أو تفويضه.

في الواقع، إن الإعلام في الجزائر نفسه ضحية لكن الظروف المتلاحقة لم تتح له بيئة طبيعية لانتاج الأخبار ومعالجتها في ظروف عادية، ووفقاً للمحطات المهنية، فلعقود ظلّت الهيمنة الأمنية لجهاز المخابرات الذي كان يتولى رصد ومراقبة الحركة الإعلامية ويسلط أدبياته على الصحافة في الجزائر ويحدد الصورة والخبر، عدا بعض المقاومة التي أبدتها صحف وصحافيون، خصوصاً في عقد التسعينات، ودفعوا كلفة ذلك بشكل باهظ. وفي الفترة اللاحقة مع وصول بوتفليقة إلى القصر الرئاسي انتقلت الهيمنة إلى الرئاسة التي دجّنت الإعلام المحلي وألحقته بأجنداتها. وهنا مكمن المخاوف من أن يكون الإعلام في الجزائر بصدد الانتقال إلى يد ثالثة باتجاه "العسكرة"، فتصبح المؤسسة العسكرية الضابط الرئيس في الخط الافتتاحي والمتحكم في سلة الأخبار التي تقدم للقارئ والمشاهد، وخلق نماذج جزائرية من "عمرو أديب" و"لميس الحديدي". وفي الوقت الراهن يفترض أن يساعد الحراك الشعبي في تحرير الصحافة بشكل مطلق، ويحرّر المبادرة الإعلامية باتجاه صحافة تعتمد الحرفية في الخبر والمصدر من دون تملّق، وتتحرّر من الأجندات وتحرّر خطّها الافتتاحي من "خطوط الهاتف"، وتتمسك بالمسؤولية المهنية أكثر من أي وقت مضى، في ظل ظرف حساس وخطير يصبح فيه نشر خبر كاذب أكبر من إطلاق قذيفة دبابة.