وحتى نوفمبر/ تشرين الثاني 2016 الماضي بلغ عدد الانتحاريين غير العراقيين الذين فجّروا أنفسهم في العراق 2482 انتحارياً من بينهم 2150 عربياً، منهم نحو 500 سعودي وستة إماراتيين وخمسة بحرينيين. وخلت قائمة جنسيات الانتحاريين العرب من دولة قطر وسلطنة عُمان اللتين تعتبران "الأنظف" عربياً في هذا المجال، بحسب فريد عبد الرحمن، وهو مدير "مركز عمليات الرصد والمتابعة"، أحد المراكز غير الرسمية المموّلة من قبل الأمانة لمجلس الوزراء العراقي. ويؤكد عبد الرحمن، لـ"العربي الجديد"، أن الإحصائية تلك قد تكون غير دقيقة بسبب كون العمليات الانتحارية تجعل أحياناً من المستحيل التعرّف على أشلاء الانتحاري، مع أن تلك الإحصائية "عرضت على مستشارين في التحالف الدولي بينهم الجنرال ستيفن أوك، أحد مستشاري التحالف، واعتبرها صحيحة". من جهتها، تقول عضو اللجنة القانونية العراقية، النائب ابتسام الهلالي، في حديث مع "العربي الجديد"، إن "العراق لم يشعر بأي انخفاض لعدد الانتحاريين السعوديين ولا أدري لماذا لا يتم وقفهم ولا تتحرك الدوائر الغربية للضغط على الرياض بهذا الشأن".
"من كرسي للمناصحة في الرياض إلى مقعد في سيارة شوفرولي مفخخة جنوب شرقي بغداد، أزهق فيها سعد بن عبد الرحمن الشهري (31 عاماً) أرواح عشرات العراقيين حيث فجّر نفسه وسط من يصفهم تنظيم داعش بالمرتدين". بهذه العبارة، يبدأ تقرير لجهاز المخابرات العراقي يسرد فشل السلطات السعودية في مشروع المناصحة الذي أطلق عام 2003 وعرف باسم مراكز المناصحة والمخصصة للعناصر المتطرفة وأعضاء تنظيم القاعدة ومن بعدهم تنظيم "داعش" الذين يتم اعتقالهم داخل المملكة أو العائدين من العراق وأفغانستان واليمن وسورية وليبيا. ويهدف البرنامج، بحسب القائمين عليه، إلى تغيير أفكارهم وإعادة دمجهم في المجتمع مرة أخرى ودشن في 13 مدينة ومنطقة بالسعودية. إلا أنه، وفقاً للتقرير العراقي الصادر في بغداد عن جهاز المخابرات الوطني، بالشراكة مع خلية الصقور الاستخبارية، في 12 أكتوبر/ تشرين الأول 2016 الماضي، فإنه يصف مراكز المناصحة تلك بعديمة الجدوى، إذ سجل وجود سعوديين في العراق سبق أن خضعوا للعلاج الفكري في هذا المركز.
كرسي المناصحة، والذي استقطب، بحسب المتحدث باسم وزارة الداخلية السعودية، اللواء منصور التركي، خلال أقل من عامين زهاء ثلاثة آلاف متطرف لم يحرز أهدافه، وفقاً للتقرير نفسه الذي تناول دولاً عربية أخرى في مجال تعاونها الاستخباري مع العراق في العامين الماضيين. معظم خلاصات التقرير تتضمّن تقييماً سلبياً، إذ إن تدفق الانتحاريين، وما يعرفون باسم كتائب الانغماسيين تارة، والمهاجرين تارة أخرى، على العراق وسورية وبغزارة من السعودية مستمر وفقاً للتقرير، إذ يخرجون رسمياً من بلادهم بتذاكر سفر سياحية ليستقر الحال بهم عند خلايا التجنيد التي توصلهم إلى العراق وسورية.
ويكشف ضابط عراقي بارز في بغداد عن تسبّب هذا التقرير بفشل مفاوضات بغداد والرياض لتسليم الدفعة الأولى من المعتقلين السعوديين لديها، بعدما وصلت المفاوضات إلى مراحلها الأخيرة. وحدث ذلك خوفاً من استغلال أحزاب طائفية موالية لإيران التقرير كورقة ضد رئيس الوزراء حيدر العبادي، في حال نفذ اتفاق تبادل السجناء بين البلدين.
ووفقاً للمسؤول نفسه، في حديث لـ"العربي الجديد"، فإن "عدد المعتقلين السعوديين زاد خلال العام الماضي مع بدء استعادة السيطرة على المدن، وهناك آخرون قتلوا من قبل الجيش والمليشيات بعد اعتقالهم".
وتفتقر المؤسسة الأمنية العراقية إلى أرقام دقيقة حول أعداد المقاتلين العرب المتورطين مع التنظيم في العراق، وعادة ما تحكمها الميول السياسية والطائفية في تقدير أعداد مسلحي كل دولة. إلا أن العميد فلاح كاظم القريشي، أحد جنرالات الجيش العراقي في الموصل حالياً، يقدر المقاتلين العرب في صفوف التنظيم بأنهم أقل من نصف العدد الكلي، لكنهم يتولّون مناصب قيادية فيه. ويضيف القريشي، في حديث لـ"العربي الجديد"، "لا أعلم عدد أو جنسيات كل الدول لكن من المؤكد أن السعودية والأردن ومصر تحتل الصدارة بين الدول".
قيادات سعودية
ويشغل في العادة مناصب الإفتاء أو القاضي الشرعي في محاكم تنظيم القاعدة ومن بعده تنظيم "داعش" المعروفة باسم "ديوان المظالم" جهاديون عرب من الجنسية السعودية، بسبب ما يعرفون به من درايتهم في القواعد والمرجعيات التي نشأت عليها التنظيمات الإرهابية التي تحدثت باسم الإسلام لاحقاً، وفقاً للعميد القريشي، والذي اعتبر أنهم يستندون إلى فتاوى متطرفة جداً.
ووفقاً لتقرير صدر أخيراً عن مؤسسة "صوفان غروب" الأميركية المتخصصة في الأمن الاستراتيجي، فإن الجنسية السعودية احتلت المرتبة الثانية بأعداد مقاتلي تنظيم "داعش" في العراق وسورية بواقع 2500 مقاتل. وسبقتها دول المغرب العربي في المرتبة الأولى بواقع ستة آلاف مقاتل، بينما يحل ثالثاً الأردن ثم لبنان ثم مصر ودول عربية وغربية أبرزها فرنسا، بينما بلغ المجموع الكلي لمقاتلي التنظيم حتى نهاية عام 2016 ما بين 27 ألفاً إلى 31500 مقاتل، وفقاً للمؤسسة نفسها، ما يعني أن المقاتلين السعوديين يحتلون نحو 20 بالمائة من مقاتلي "داعش" في العراق وسورية.
ومن بين 44 قيادياً في التنظيم يمثلون الهرم الأعلى في "داعش"، يوجد 23 قيادياً من جنسيات عربية بينهم ستة يحملون الجنسية السعودية، أبرزهم سعيد الحربي، وعبد الرحمن القحطاني، فضلاً عن نايف العجمي الذي يشغل حالياً منصباً شرعياً في قيادة التنظيم، وعادل الشمري أبو أسامة مسؤول ديوان المظالم في ولاية الرقة. ولا يوجه القيادي في التحالف الكردستاني، حمه أمين، أي اتهام مباشر إلى السعودية بدعم الإرهاب إلا أنه يتهمها بالفشل في وقف تصديره للعالم الإسلامي. ويضيف أمين "نحن لا نقول إن انتقال إرهابيين من السعودية للعراق بتعمد من النظام هناك، لكن السعودية بالتأكيد فشلت في التصدي له ووقف تصدير شحنات الانتحاريين لنا. كما أن المراكز والمؤسسات التي تعلن عن ولادتها كل فترة لمحاربته لا تعدو كونها إعلامية أو صورية بلا طائل". أما عضو لجنة الأمن والدفاع العراقية النائب منصور البعيجي فيقول إن "رئيس الوزراء مطالب اليوم برفع دعوى قضائية ضد الرياض، بعد وقوع وثائق تثبت انتقال مواطنيها للعراق وتورطهم بقتل عراقيين". ويضيف "السعودية قبل أن تتحدث عن مواجهة الإرهاب عليها أن توقفه داخل أراضيها، والإمارات متورطة في الموضوع نفسه، لكن من خلال التمويل عبر شركات مالية تتعامل مع إرهابيين بالعراق. وهذا ليس اتهاماً وإنما حقيقة لمسناها بالأدلة على الأرض العراقية، خصوصاً في معاركنا ضد داعش".
من جهته، يوضح الخبير في شؤون الجماعات المسلحة في العراق، فؤاد علي السلماني، في حديث مع "العربي الجديد"، أن طريقة إدارة مراكز المناصحة والاعتدال والمؤسسات الأخرى المشابهة لها في السعودية وأسلوب الإعلان عنها بحد ذاته يدفع إلى التطرف. ووفقاً للسلماني "تستخدم الرياض طريقة الرياء للغرب وتعتبرها رسائل لبراءتها، وهو ما يثير حفيظة المتطرفين أو ممن يجد في نفسه ميلاً للتمرد والقتال كرهاً بالغرب بهذه الطريقة"، على حد وصفه.