كذلك أفادت صحيفة الوطن، المقربة من النظام، بوجود "استعدادات للجيش السوري لبدء عملية ضخمة"، فيما قال مصدر معارض مطلع على المفاوضات في دوما لوكالة "فرانس برس"، إنه "في آخر اجتماع لهم، الاثنين، خيّر الروس جيش الإسلام بين الاستسلام أو الهجوم"، وجرى منح الفصيل المعارض مهلة أيام قليلة للرد. وأوضح مصدر ثان معارض أن "الروس لا يريدون اتفاقاً مختلفاً في دوما عن (الاتفاقات التي تم التوصل إليها في) سائر مناطق الغوطة"، مشيراً إلى أن "جيش الإسلام في المقابل يريد البقاء" عبر تحوله إلى "قوة محلية" وألا يتهجر أحد من أهل البلد.
وتأتي هذه التطورات بعد يوم واحد من حديث غرفة العمليات الرئيسية في هيئة الأركان العامة للقوات المسلحة الروسية، عن أن مقاتلي "جيش الإسلام" قد ينسحبون من الغوطة، على غرار عناصر فصيلي "فيلق الرحمن" و"أحرار الشام"، وهو ما سارع "جيش الإسلام" إلى نفيه.
وكان رئيس الهيئة السياسية في "جيش الإسلام"، محمد علوش، نفى في لقاءٍ تلفزيوني على فضائية "سوريا"، أن يكون قد تم التوصل مع المفاوضين الروس لاتفاقٍ يفضي لنقل عناصر فصيله لخارج دوما، أو أن يكون قد جرى أي اتفاقٍ آخر، مع تأكيده على أن المفاوضات لا تزال جارية.
وكان علوش ذكر قبل ذلك أن المفاوضات مع الروس تدور حول "الأوضاع المزرية لمراكز الإيواء التي يحتجز فيها المدنيون الخارجون من الغوطة، وتبادل جثث الضحايا من موقوفي عدرا العمالية الذين قضوا تحت القصف"، وأن "جيش الإسلام" تقدم بمبادرة للروس، تكونت من عدة فقرات، أبرزها وقف إطلاق النار، وتأمين علاج الجرحى في الغوطة، وفك الحصار، وإدخال المساعدات، وعدم خروج المقاتلين أو تسليم أسلحتهم.
وأدت العمليات العسكرية إلى تقسيم الغوطة إلى ثلاثة جيوب: دوما شمالاً تحت سيطرة فصيل جيش الإسلام، وبلدات جنوبية يسيطر عليها فصيل فيلق الرحمن، ومدينة حرستا حيث حركة أحرار الشام. وبعدما ازداد الضغط عليها، دخلت كل من الفصائل المعارضة منفردة في مفاوضات مباشرة مع موسكو عبر "مركز المصالحة" التابع لوزارة الدفاع الروسية ومقره في قاعدة حميميم الجوية والمسؤول أيضاً عن مراقبة تنفيذ اتفاقات وقف إطلاق النار. ويقول أوليفر "فرضت روسيا ما تريده على حركة أحرار الشام وفيلق الرحمن"، مضيفاً "لم تتمكن حركة أحرار الشام من فرض أي شرط، كان وضعها مأساوياً جداً، أما مكسب فيلق الرحمن الوحيد فهو أنه خرج منها سالماً". ولا يزال مصير مدينة دوما، المعزولة تماماً شمال الغوطة، مجهولاً.
ويأتي ذلك فيما طالبت الأمم المتحدة بتأمين الحماية للمدنيين المحاصرين في مدينة دوما. وقال نائب المتحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة فرحان حق، إن "الأمم المتحدة تدعو إلى الاحترام الكامل للقانون الإنساني الدولي وحقوق الإنسان، خاصة في دوما، وضمان حماية جميع المدنيين في الغوطة"، مطالباً بضرورة وصول مساعدات للمدنيين المحاصرين في دوما.
تسارع التهجير
في غضون ذلك، تواصلت عمليات التهجير من الغوطة طوال يوم أمس. وبينما كانت تتجهز رابع قافلةٍ من مُهجري الغوطة الشرقية، أمس الثلاثاء، للمغادرة من عربين، وسط الغوطة، نحو نقطة قلعة المضيق، شمال غربي حماة، وصلت أمس ثالث هذه القوافل، والتي وصفت بأنها الأكبر، لريف حماة، وهي مؤلفة من مائة وخمس حافلات، تقل نحو 6800 شخص، من المدنيين المُهجرين، والمقاتلين المُغادرين مع عائلاتهم، لمدن وبلدات القطاع الأوسط في الغوطة الشرقية. وكانت القافلة الثانية المؤلفة من أربعة وثمانين حافلة، وصلت يوم الاثنين لقلعة المضيق، حاملةً نحو 5300 شخص، بينهم حالاتٌ طبية وجرحى، وقبلهم كانت الدفعة الأولى قد حملت نحو ألف شخص، بينهم أكثر من مائتين وخمسين من الجرحى والمرضى.
ووصل العدد الكلي للمُهجرين من مناطق القطاع الأوسط بالغوطة الشرقية حتى الآن، ما قبل وصول القافلة الرابعة لمحافظة حماة، إلى نحو 13 ألف شخص، وسط معلوماتٍ متقاطعة من دمشق وريفها، تتحدث عن استمرار عمليات النقل الجماعي حتى يومي الخميس والجمعة المقبلين.
وقالت وزارة الدفاع الروسية إن عدد الذين غادروا الغوطة الشرقية إلى شمال غربي سورية، حتى مساء الاثنين، بلغ 13190 شخصاً، مشيرة إلى أن من تولى تأمين طريق وصولهم لشمال البلاد، هم "الجيش السوري وضباط من مركز المصالحة الروسي في سورية وموظفو الهلال الأحمر السوري".
ولفتت الوزارة إلى أن عدد المدنيين الذين غادروا الغوطة الشرقية عبر "المعابر الإنسانية" نحو مراكز الإيواء في دمشق وريفها، منذ إعلان روسيا عن إقامة هذه المعابر، بلغ أكثر من 120 ألف شخص. وكان مسؤول عمليات التتبع والتقارير الإنسانية ضمن "منسقي الاستجابة" في إدلب، طارق الإدلبي، قد قال في حديث مع "العربي الجديد"، إن عدد المهجرين الذين قدموا من الغوطة الشرقية لشمال غربي البلاد، بلغ نحو 13 ألف شخص، لافتاً إلى أن "هناك نقصاً شديداً في مناطق الاستقبال، ما أجبرنا على استخدام الجوامع كمراكز إيواء، في حين أمّنت بعض المناطق استقبال أعداد محدودة من المهجرين، كالأتارب ومعرة النعمان وأريحا وقرية الهداية، ومخيمات الحدود". وأشار الإدلبي إلى أن "هناك العديد من المنظمات العاملة في المنطقة، وهناك تنسيق مع مكتب الأمم المتحدة في تركيا، لكن التحدي الأكبر هو إيواء المهجرين، وهذا يحتاج إلى دعم أكبر، ودعم دولي لإيجاد مخيمات توفر مقومات العيش الأساسية، خصوصاً أنه من المرجح أن تتضاعف الأعداد في المرحلة المقبلة".