أنهى زعيم فيلق القدس الإيراني والمسؤول عن الملف العراقي في الحرس الثوري الإيراني، قاسم سليماني، أمس الخميس، زيارة له إلى إقليم كردستان العراق استمرت ليومين، التقى خلالها قيادات كردية مختلفة في أربيل، وبحث الأزمة مع بغداد وسبل التوصّل إلى حلّ يجنّب الطرفين أي صراع عسكري وشيك، وفقاً مصادر كردية رفيعة في أربيل والسليمانية، بينها قيادي مقرب من مسعود البارزاني. وأكدت المصادر لـ"العربي الجديد"، أن "سليماني جاء بمبادرة لحل الأزمة قد لن تكون معها حاجة للأمم المتحدة كوسيط للحلّ".
يأتي ذلك مع عقد حكومة الإقليم اجتماعاً وزارياً مغلقاً في أربيل للمرة الأولى منذ اندلاع التظاهرات في مدن عدة من كردستان. وأكد رئيس الحكومة نيجيرفان البارزاني عقب الاجتماع، قبوله الحوار وبحث جميع شروط بغداد بشكل مباشر، مبيناً أن "هناك رسائل إيجابية من بغداد أيضاً".
وكشف مسؤول كردي رفيع في أربيل أن زيارة سليماني جاءت لبحث حلّ الأزمة مع بغداد، موضحاً في حديث لـ"العربي الجديد"، أن المسؤول الإيراني "التقى نجيرفان البارزاني ومسعود البارزاني وقوباد الطالباني، وتم بحث الأزمة، فضلاً عن التظاهرات في السليمانية ومدن أخرى من الإقليم". وأضاف أن "سليماني جاء بمبادرة شاملة لحل الأزمة وعودة الأمور إلى طبيعتها قبل إجراء الاستفتاء، وجرى الاتفاق على أن الأزمة لا يمكن أن تحلّ بصفقة واحدة ويجب تفكيك الملفات ومناقشتها واحداً تلو الآخر".
وأضاف المسؤول الكردي أن "هناك تجاوباً من أربيل لطرح سليماني الذي بدوره سيوصله إلى بغداد، لكن بشكل عام مبادرة سليماني في صالح بغداد وليس أربيل"، لافتاً إلى أن "القيادة الكردية توصّلت إلى قناعة بعدم جدوى تحركها أوروبياً أو أممياً لتخفيف العقوبات من قبل بغداد عليها، إذ حاولت مرات عدة وفشلت في ذلك".
من جانبه، قال القيادي في التحالف الكردستاني وعضو البرلمان العراقي عن إقليم كردستان زانا سعيد، لـ"العربي الجديد"، إن "وفوداً فنية باشرت العمل بين بغداد وأربيل، تمثّل وزارات الدولة الاتحادية ووزارات الإقليم، لتهيئة أرضية مناسبة للتفاوض من خلال فصل الملفات عن بعضها، كالنفط والغاز والمنافذ الحدودية والمناطق المتنازع عليها ورواتب موظفي الإقليم".
وأضاف سعيد أن هذا التطور "بدت ملامحه مساء الخميس، ونشعر بوجود حالة إيجابية بين العاصمة وأربيل"، مشيراً إلى أنّ "هناك تجاوباً من أربيل مع بغداد". وقال "جولة سليماني تأتي لإقناع المسؤولين في الإقليم بالاستجابة لمطالب بغداد. قبل الاستفتاء جاء سليماني إلى أربيل لإقناع البارزاني بالعدول عن المشروع، لكنه لم ينجح، وعلى ما يبدو أنه يقوم الآن بجولة أخرى لإقناعه بالرضوخ لمطالب بغداد". وختم سعيد بالقول: "نرحب بكل الجهود الصديقة التي تدعو لحل المشاكل بعد فشل الجلوس على طاولة المفاوضات، وأعتقد أنّ دول الجوار لها تأثير على الحكومة في بغداد"، في إشارة إلى إيران.
من جانبه، أوضح القيادي في التحالف الوطني الحاكم في بغداد، عضو البرلمان صادق المحنا، أن "بغداد اكتشفت تلاعباً بأعداد سكان الإقليم وأعداد الموظفين، وكذلك بكميات النفط المصدرة من هناك. وهذه الأمور دخلت في صلب الأزمة ويجب أن تحل". وأضاف المحنا في حديث لـ"العربي الجديد"، أنّ "شروط بغداد باقية لم تتغيّر ما دامت لا تخالف الدستور، وبالنسبة للحوار يجب ألّا يكون حواراً مفتوحاً، بل مباشراً وعلى طريقة واحد زائد واحد يساوي اثنين وليس ثلاثة"، على حد تعبيره.
وأكّد المحنا أنّ "الحكومة جادة بتسليم رواتب موظفي الإقليم، لكن هل حكومة كردستان جادة في أن تكون شفافة في ملف النفط والعائدات من المنافذ الحدودية وتسليمها لبغداد؟ هذا ما يجب حسمه". ورداً على سؤال حول زيارة سليماني إلى أربيل، قال "زيارة سليماني موضوع طبيعي وهو من المستشارين المعتمدين للدولة العراقية ويتدخّل بالقتال والسياسة، وأعتقد الوساطة التي يقودها لن تكون مخلة، بل مشروعة ومقبولة، والأهم أنها ضمن العامل الوطني، ولا تخل بمصلحة العراق ووحدته"، على حد وصفه.
في غضون ذلك، أعلن نجيرفان البارزاني، أمس الخميس، عن تلقي رسائل إيجابية من بغداد، معرباً عن استعداده للحوار معها ضمن الدستور، منتقداً في الوقت ذاته قرار بغداد بتمديد حظر الطيران الدولي على مطارات الإقليم.
وأعلنت مديرة مطار أربيل الدولي تالار فائق صالح، أمس، أن بغداد قررت تمديد حظر الرحلات الجوية الدولية في مطاري السليمانية وأربيل حتى 28 فبراير/ شباط المقبل، موضحةً أنه "مسموح فقط بالرحلات الداخلية". واعتبر البارزاني أنّ هذا القرار "ورقة ضغط من قبل العبادي ضد كردستان، ويستهدف المواطنين بالدرجة الأولى من المرضى والنازحين".
وعن المفاوضات، قال البارزاني في مؤتمر صحافي عقده عقب اجتماعه بفريقه الحكومي: "إنّنا نرحب بأي حوار ضمن الدستور وضمن مبدأ وحدة العراق، وأبلغنا بغداد بذلك ومستعدون لمناقشة ملف النفط والمنافذ الحدودية"، مضيفاً "لكن المؤسف أنّ بغداد تتعامل بصورتين؛ الأولى تتحدث بإيجابية، بينما الثانية تظهرها أفعالها التي تخالف ذلك، وتخلق تضارباً لدى شعب كردستان". وأكّد أنّ رئيس الحكومة حيدر العبادي "يستخدم كلمات لخلق مشاكل لدى الشارع الكردستاني، وتحمل عدائية لحكومة كردستان، مثل حديثه عن مزدوجي الراتب"، موضحاً "نعم هناك من يتسلّم راتبين، ولكن وفق القانون، وهذه الحالة موجودة أيضاً بعموم العراق".
وفي ما يتعلّق بحديث العبادي عن النفط والإيرادات، قال البارزاني "نحن استعنّا بشركات عالمية لتدقيق الإيرادات، وهذا مثبت لدينا"، مشيراً إلى "وجود عمليات تعريب في بعض مناطق محافظة كركوك"، مبدياً قلقه "من تلك الحملات التي لا تصب بمصلحة العراق ولا مصلحة كردستان".
بدوره، أكّد القيادي في التحالف الكردستاني حمة أمين، لـ"العربي الجديد"، وجود مساع حقيقية لحل الأزمة قبل شهر شباط/ فبراير المقبل وعودة الأمور إلى طبيعتها، وقال إن "هناك وفوداً فنية مشتركة تعمل على تهيئة جو للحوار، وأربيل متجاوبة مع بغداد أكثر من أي وقت آخر"، في وقت كشف القيادي في الاتحاد الوطني الكردستاني ملا بختيار، عن "مؤشرات إيجابية بشأن نتائج اجتماعات انعقدت بين بغداد وأربيل خلال اليومين الماضيين".
وأعلن بختيار في تصريح له، أمس الخميس، نقلته وسائل إعلام كردية، عن "انتهاء تكرار المواجهات العسكرية بين الجانبين والدخول في حلول تفصيلية"، موضحاً أن "حكومة الإقليم بصدد تشكيل وفد وتقديم إجابات لبغداد. وبعد حلّ قضايا المنافذ والحدود، سيتم التطرق لقضية الموازنة والمناطق المتنازع عليها".
إلى ذلك، أوضح النائب المقرب من رئيس الوزراء جاسم محمد جعفر، أن "الأزمة مع أربيل لا تحلّ بصفقات"، مضيفاً لـ"العربي الجديد"، أن "على أربيل أن تنصاع للدستور، وهذا كل ما في الأمر، وعندها ستكون الأزمة قد انتهت".