إذا كانت أزمة انقطاع مرتبات موظفي القطاع العام في اليمن قبل عامين، بالتزامن مع نقل مقر المصرف المركزي اليمني إلى عدن، قد قفزت بالملايين إلى حافة المجاعة، فإن انهيار أسعار العملة المحلية إلى مستوى قياسي أخيراً، يمثل ما يشبه الرصاصة الأخيرة على الاقتصاد. الأمر الذي فرض نفسه على أولويات اليمنيين، قبل أيام من انطلاق الجولة التفاوضية الجديدة برعاية الأمم المتحدة في جنيف، مع انعكاس الأزمة سخطاً متزايداً على الحكومة اليمنية وعلى دول التحالف وفي صدارته السعودية، التي اعتبرها يمنيون أنها "المعني الأول بالمآلات الكارثية لاقتصاد البلاد على نحو خاص".
ودخلت أزمة انهيار أسعار الريال اليمني الذي تخطى حاجز 550 ريالاً للدولار الواحد (قبل الحرب كان أقل من 250 ريالاً)، مرحلة جديدة، مع تحولها إلى احتجاجات شهدتها مدينة عدن، منذ يوم الأحد الماضي، تنديداً بالعجز الحكومي عن التصرف حيال قضية مرتبطة بحياة المواطنين مباشرة، في ظل الأوضاع الصعبة التي يعيشها أكثر من ثلثي سكان البلاد، لتصل ردود الفعل إلى الدعوة لإسقاط الحكومة أو تغييرها، ما لم تتخذ إجراءات فورية تنعكس بوقف تدهور أسعار الريال، وإعادتها إلى طبيعتها.
ورغم أن توجيه الانتقادات المباشرة إلى الحكومة والمطالبة بتغييرها، لم يخل من الدوافع السياسية، من قبل بعض مناصري ما يُعرف بـ"المجلس الانتقالي الجنوبي" الانفصالي، المدعوم من الإمارات، والذي سعى إلى إسقاط الحكومة منذ أشهر، لكن الانتقادات لم تقتصر على الاحتجاجات المدنية، بل انتقلت لتشمل مسؤولين في دوائر علياً، إذ اعتبر عبد العزيز جباري، مسستشار الرئيس عبد ربه منصور هادي السياسي، وهو نائب سابق لرئيس الوزراء، في حديث له يوم الأحد الماضي، أن "حكومة لا تعمل شيئاً من أجل وقف تدهور قيمة العملة الوطنية، لا تستحق البقاء"، وهو ما اعُتبر موقفاً مؤيداً لتغيير الحكومة إذا ما فشلت في مواجهة الأزمة.
وغير بعيد مما ذهب إليه جباري، دعا وزير الخارجية السابق، عبد الملك المخلافي (مستشار سياسي للرئيس حالياً)، إلى إصلاحات في الشرعية، وقال إنه "لا بد من إصلاحات عميقة في مختلف المجالات لإيقاف التدهور الشامل الذي تعيشه البلاد، خصوصاً في سعر العملة ومعيشة المواطن". وتابع المخلافي أن "ضمان الانتصار على الانقلابيين وتحرير البلاد والحفاظ على الشرعية لاستعادة الدولة لا يمكن أن يتم بدون إصلاح الشرعيّة ليكون أداؤها في مستوى متطلبات المرحلة".
وكانت الأزمة ألقت بظلالها على نحو غير مسبوق على الحياة المعيشية لليمنيين، فقد أكد سكان في مدن مختلفة لـ"العربي الجديد"، أن "أسعار السلع بما فيها المواد الغذائية قفزت خلال الأيام الماضية بصورة جنونية، بعضها بنسبة تصل إلى 100 في المائة عن سعرها السابق". وهو ما يعني أن الدخل المحدود في الغالب لم يعد قادراً على توفير الاحتياجات الأساسية في بلد تقول تقارير المنظمات الإنسانية المعنية إن نحو 20 مليوناً من سكانه يحتاجون إلى نوعٍ من المساعدة، وأن هناك ما يقرب من ثمانية ملايين شخص يعيشون أوضاعاً تشبه المجاعة.
ومع اتفاق معظم الآراء اليمنية على أن مسؤولية وقف تدهور أسعار العملة، كقضية مرتبطة مباشرة بحياة اليمنيين لا تحتمل التأجيل، هي بالدرجة الأولى مسؤولية الحكومة الشرعية المعترف بها دولياً، إلا أن التحالف ومنذ أيام، تحوّل إلى مادة لانتقادات يمنية متزايدة، ترى أن السعودية وبدرجة ثانية الإمارات، مسؤولتان مسؤولية مباشرة، باعتبارهما من يملك القرار الأول في المناطق غير الخاضعة لجماعة أنصار الله (الحوثيين) ولدورهما في ما آلت إليه البلاد في العام الرابع للحرب، فضلاً عن كونها المسألة الواقعية بالنسبة لليمن التي تعتمد فيها الحكومة الشرعية عسكرياً واقتصادياً على التحالف، فيما الأخير يحرص عليها كغطاء لحربه المستمرة. وأطلق يمنيون على مواقع التواصل وسم #التحالف_يخذل_اليمنيين، عبروا خلاله عن خيبة أملهم من الدور الذي يؤديه التحالف والصمت إزاء تدهور الوضع الإنساني إلى ما لا يمكن تخيل آثاره الكارثية.
ولا يقف دور التحالف في الأزمة الاقتصادية اليمنية على "التقصير" بالدعم الواجب الذي تقتضيه مسؤولية تدخل دول غنية في بلد فقير كاليمن عسكرياً منذ سنوات والوصاية على أجوائه والكثير من أوجه حياته، بل يشمل الممارسات المباشرة التي تقوض سلطة وموارد الشرعية. في هذا الصدد، يعيق التحالف تفعيل الموانئ والمنافذ الجوية، وتصدير النفط والغاز، اللذين يمدان الخزينة العامة بالعملة الصعبة. بالإضافة إلى ذلك، فقد أدت السياسات السعودية ضد العمالة، والتي تضرر منها مئات الآلاف من اليمنيين، إلى تفاقم الأزمة، وصمّت الرياض أذنيها عن كافة المطالبات والمناشدات باستثناء اليمنيين، مراعاة للوضع الذي تعيشه البلاد.
وفي سياق التفاعل الحكومي حول الأزمة، لم يتردد وزير النقل اليمني، صالح الجبواني، بالإشارة إلى الدور الذي تؤديه أبوظبي في أزمة العملة، بوصفها المتصدرة لدور التحالف بالمناطق اليمنية الجنوبية بما فيها عدن. وقال إن "السبب في أنهيار العملة سلطات الأمر الواقع الانقلابية في صنعاء، والكيان الموازي للدولة المفروض بقوة السلاح الذي شكله طرف في التحالف ليحل محل الحكومة في عدن". كما لمّح في السياق ذاته، إلى وجود رغبة من الإمارات وحلفائها باستغلال الأزمة لإسقاط الحكومة، قائلاً إن "من عجز عن إسقاط الحكومة بالسلاح يحاول أسقاطها بالدولار ليبدأ عصر المليشيات".
الجدير بالذكر أن أزمة العملة تعد تكراراً لما شهدته البلاد في مرحلة سابقة، مطلع العام الحالي، حين ألقى رئيس الوزراء اليمني أحمد عبيد بن دغر، بالمسؤولية على التحالف والسعودية على نحو خاصٍ، كمعني بإنقاذ العملة. الأمر الذي أحرج الرياض، لتعلن عقب ذلك بيوم واحد، عن إيداع ملياري دولار في خزينة المصرف المركزي اليمني، لـ"إنقاذ العملة"، لكنها خطوة لم تكن كافية، إذ يتفق الاقتصاديون على أن إنقاذ الاقتصاد لن يتم من دون اللجوء إلى العديد من الخطوات، وفي المقدمة منها تصدير النفط والغاز، وهو الأمر الذي يعرقله التحالف.