على بُعد أسابيع قليلة من مغادرته الإليزيه توقّف الرئيس الفرنسي المنتهية ولايته، فرانسوا هولاند، مطوّلاً، في حوار مع صحيفة "لوموند"، عند الملف السوري، وتناول بحسرة ما وصفه بـ"الفرص الضائعة التي أفلتها المجتمع الدولي من أجل التخلّص من نظام الرئيس بشار الأسد"، مبدياً دعمه للقصف الأميركي على قاعدة الشعيرات العسكرية، رداً على قصف قوات النظام بلدة خان شيخون بالسلاح الكيميائي، ما تسبب بمقتل عشرات الأشخاص، بينهم عدد كبير من الأطفال.
وأكد هولاند أن الإدارة الأميركية أبلغت فرنسا بقرارها قصف قاعدة شعيرات قبل ساعات قليلة من تنفيذه، واعتبر ذلك "مجاملة من طرف الأميركيين لا تسمح بالاشتراك معهم في هذه العملية التي تتطلّب بالضرورة أياماً عديدة من التحضيرات"، وأن باريس فهمت، بناء على ذلك، أن واشنطن تريد أن تقوم بعملية منفردة. وقال هولاند "إن المهم هو أن الأميركيين قصفوا موقعاً للنظام، ونحن أبلغناهم بأننا نتفق مع هذا القرار. ولو طلبوا منا المشاركة لكنا درسنا إمكانية القيام بغارات مشتركة".
واعتبر هولاند أنه "كيفما كانت خلفيات قرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب بقصف سورية فإن هذا القصف خلق حدثاً جديداً يجب استغلاله سياسياً من طرف فرنسا وأوروبا من أجل إعادة جميع أطراف النزاع السوري إلى طاولة المفاوضات"، واستخلص بأنه "يجب استغلال أخطاء الخصم".
واستبعد هولاند احتمال أن تكون المجزرة التي ارتكبها طيران النظام في بلدة خان شيخون بشمال غرب سورية نتيجة "صدفة" أو "هفوة". وقال: "في هذه الحالة تحديداً، إننا على قناعة بأنه تم استخدام سلاح كيميائي ألقي من طائرة أقلعت من قاعدة الشعيرات لتتوجّه" صوب هدفها.
وتابع الرئيس الفرنسي "بحسب معلوماتنا، لم يتم استخدام السلاح الكيميائي من باب الصدفة ولا هفوة، ولا لمجرد "إثارة نوع من الذعر"، بل كان الهدف "إلحاق خسائر" والتأثير على ميزان القوى الميداني في شمال غرب سورية". واعتبر هولاند أن استعمال النظام السوري السلاح الكيميائي "ليس مجرد استفزاز"؛ لأن النظام حسب رأيه "يعتقد أنه غير معرّض للعقاب وأن استعماله الكيميائي مرة أولى وثانية لن يثير سوى صيحات الاستهجان وليس أكثر".
وعبّر هولاند مرة أخرى عن خيبة أمله الكبيرة في إجهاض الإدارة الأميركية السابقة بقيادة باراك أوباما ضربة عسكرية مشتركة في 31 أغسطس/ آب 2013 ضد مواقع النظام السوري، رداً على الهجوم الكيميائي في منطقة الغوطة الذي أسفر آنذاك عن مقتل 1400 مدني بالغازات السامة. واعتبر هولاند أن "الظروف الموضوعية كانت مجتمعة ومواتية في تلك الفترة لتحقيق منعطف قوي ضد مصالح الأسد".
وتابع الرئيس الفرنسي بأن "النظام كان في موقع ضعف والمعارضة المعتدلة كانت قوية وإيران كانت في انتظار التوصل إلى الاتفاق الدولي بشأن برنامجها النووي، و(فلاديمير) بوتين لم تمر على إعادة انتخابه رئيساً سوى ثلاثة أشهر، ودول الخليج كانت عازمة على إسقاط الأسد".
وأقرّ هولاند بأن فكرة القيام بغارات ضد مواقع النظام في صيف 2013 ساورته، وقال "لقد درسنا هذا الخيار، خاصة أننا قادرون تقنياً على توجيه الضربات الجوية بشكل منفرد، لكن من الناحية السياسية كان ذلك مستحيلاً، في سياق فتح فيه أوباما باب المفاوضات السياسية، ولو نفذنا الغارات آنذاك لكانت الإدانات واسعة ضد المبادرة الفرنسية".
من جهة أخرى، اعتبر هولاند أن ترتيبات الهجوم على مدينة الرقة، معقل تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) في سورية، متواصلة من طرق قوات التحالف الدولي الذي تقوده واشنطن وتشارك فيه فرنسا وسيتم الهجوم في "المستقبل القريب".
كذلك طالب هولاند مجلس الأمن الدولي بـ"تحمّل مسؤولياته" والقيام بـ"تحرّك حازم من أجل المعاقبة على الجرائم المرتكبة وحماية السكان المدنيين" في سورية. وطالب بأن تكشف الأمم المتحدة "الحقيقة عن ظروف الهجوم بواسطة مواد كيميائية، والذي وقع في 4 نيسان/ أبريل في خان شيخون" بسورية، متهماً مجدداً "قوات نظام بشار الأسد" بتنفيذه.