البدعة الأولى التي كرّستها الحكومة الحالية، هي العدد الكبير للوزراء (30 وزيراً)، إذ لم يُفتح النقاش في تأليف حكومة مصغّرة إلا قبل أيام من حلحلة آخر العقد، على الرغم من أن لبنان سمع نقداً دولياً واضحاً لحجم الحكومة المضخّم، ولضرورة تقليص العدد التزاماً بتعهدات لبنان الدولية المتعلقة بالإدارة ومحاربة الفساد.
البدعة الثانية التي كرّستها الحكومة الحالية، هي حصول رئاسة الجمهورية على حصة وزارية منفصلة عن تكتل يمثّل رئيس الجمهورية، وهو ما أدى إلى حصول "التيار الوطني الحر" على 10 مقاعد وزارية مضمونة، كما يعتبر مشاركاً في تمثيل النواب السنة الستة المحسوبين على "حزب الله".
وهذه البدعة دفعت كثراً إلى فتح نقاش دستوري معمق، خصوصاً أن الدستور لا يلحظ حصة للرئيس، بل إن الحصة كانت نتيجة ممارسات شهدتها مرحلة ما بعد اتفاق الطائف (1990)، بما أن رؤساء الجمهورية لم يتمثلوا بكتل وزارية، على خلاف رئيس الحكومة، الذي كان يحصل على حصة وزارية حين لا يكون ممثلاً بكتلة نيابية.
البدعة الثالثة عملياً هي التي أخّرت تأليف الحكومة، عبر بروز أدوار عدة لرئيس "التيار الوطني الحر"، جبران باسيل، ومدير عام الأمن العام، اللواء عباس إبراهيم، في صورة تنافي مبدأ تأليف الحكومة دستورياً، والمقتصر على أن آلية تأليف الحكومة، هي مهمة للرئيس المكلف بالتعاون مع رئاسة الجمهورية حصراً، إلا أن ما حصل كرّس الكلّ شركاء في تأليف الحكومة، وبرزت أدوار أساسية تخطت دور رئيس الحكومة.
وبالتزامن مع هذه البدع، لا يمكن إغفال المحاصصة التي سيطرت على الصراع بين الأفرقاء والكتل الأساسية، سعياً إلى الاستئثار بالوزارات الدسمة (الاتصالات، الطاقة، الزراعة، الصناعة، والصحة)، وفق التعبير اللبناني، أو التي من الممكن من خلالها تقديم خدمات للمحسوبين على الأحزاب، أو التي تؤمن سطوة سياسية مثل الوزارات السيادية، خصوصاً وزارة المالية التي باتت وكأنها حكر على الطائفة الشيعية تحت حجة ضرورة "اعتماد توقيع شيعي"، بالإضافة إلى "التوقيع السني" الممثل برئيس الحكومة و"التوقيع المسيحي" الممثل برئيس الجمهورية على أي قرار.
وعلى هامش هذه البدع، بات الصدام بين صلاحيات رئاسة الجمهورية ورئاسة الحكومة، التي أفرزها اتفاق الطائف، حاضراً بقوة، خصوصاً بعد أن كرّس "التيار الوطني الحر" شعار "استعادة صلاحيات رئاسة الجمهورية"، مقابل نجاح تيار "المستقبل" في توحيد الموقف السني دفاعاً عن صلاحيات رئاسة الحكومة كلما دعت الحاجة، عبر دعم رؤساء الحكومة السابقين للحريري.
عموماً وبغض النظر عن المرحلة السابقة، إلا أن الشكل النهائي للحكومة كما بات معروفاً، لحظ جملة من المتغيرات الرئيسية على الساحة السياسية اللبنانية، لعل أهمها، حصول محور "الممانعة" في لبنان للمرة الأولى منذ عام 2005 (باستثناء حكومة نجيب ميقاتي)، على أغلبية وزارية بلغت 18 مقعداً من أصل 30 (10 للتيار الوطني الحر، 3 لحركة أمل، 3 لحزب الله"، 1 لتيار المردة، 1 للسنّة المستقلين). بالتالي، إن فريق ما كان يسمى بـ"14 آذار" خسر الغالبية الحكومية (6 لتيار المستقبل، 4 للقوات اللبنانية، 2 للحزب التقدمي الاشتراكي).
وبعيداً عن الحسابات التقليدية بين أفرقاء الانقسام العامودي في البلد منذ عام 2005، ستكون المرة الأولى منذ ذلك التاريخ، التي سيكون فيها رئيس الحكومة المحسوب على تيار "المستقبل" مكبلاً ولا يمكنه تحديد سياسات الحكومة، أو التعويل على أغلبية وزارية معينة، على الرغم من أن اللعبة الوزارية في لبنان محكومة بمعادلة ما يسمى الثلث المعطل، أي ثلث عدد الوزراء إضافة إلى واحد، وهو العدد المطلوب لإسقاط القرارات أو تمريرها.
كما أنها المرة الأولى أيضاً منذ عام 2005 التي ينال فيها تيار "المستقبل" في حكوماته حصة متواضعة وزارياً وليست الكبرى، إضافة إلى انحصارها بالمكوّن السنّي (4 وزراء سنّة إضافة إلى وزير مسيحي ورئيس الحكومة)، باستثناء مقعد مسيحي واحد جاء نتيجة تبادل مقعد سني بمقعد مسيحي مع رئيس الجمهورية. أما عادةً، فكان تيار "المستقبل" ينال بالحد الأدنى مقعدين مسيحيين أو ثلاثة، في انعكاس واضح لنتائج الانتخابات التي أُجرِيت في 6 مايو/أيار الماضي، التي قلّصت عدد نواب تيار "المستقبل"، وجردته من المقاعد المسيحية التي كان يفوز بها عادة.
لكن في مقابل هزيمة "المستقبل"، إن صح التعبير، برزت ملاحظات عدة عند "التيار الوطني الحر"، بدءاً من حجم الحصة الوزارية التي تعتبر أكبر حصة في تاريخ تأليف الحكومات في لبنان، وأكبر حصة وزارية لفريق مسيحي. وهي الحصة التي ستجعل من باسيل رئيس حكومة ظلّ مضارباً على رئيس الحكومة، ولديه القدرة على تعطيل أي قرار، وهو الدور الذي برز حتى قبل تأليف الحكومة، خلال فترة المحاصصة. لكن في المقابل، ستُحمّل هذه الحصة "التيار" والعهد مسؤولية مضاعفة، بعد أن بات "التيار" الأكثر حضوراً في السلطة بين كل الأحزاب، إذ يملك الكتلة النيابية الكبرى (29 نائباً) والحصة الوزارية الكبرى (10 وزراء) إضافة إلى رئاسة الجمهورية، وباتت محاولات التملص من المسؤولية وإلقاء اللوم، في حال البلد، شبه مستحيلة.
وأيضاً في حسابات الخاسر والرابح، نجحت "القوات اللبنانية" في تكريس حضورها بعد أن نالت 15 مقعداً نيابياً في الانتخابات الأخيرة، على الرغم من أن حصتها الوزارية لم تتضمن أي حقيبة وازنة وفق التعبير اللبناني، لكنها ستشكل رأس حربة في المعارضة داخل الحكومة. وللمرة الأولى أيضاً، يمكن القول إن "حزب الله" دخل اللعبة السياسية اللبنانية عبر وزارة أساسية هي وزارة الصحة، بعد سنوات من مشاركته السياسية التي كانت تقتصر على الحضور الرمزي في الحكومات، والحصول على وزارات هامشية مثل الشباب والرياضة، أو وزارة الدولة للتنمية الإدارية.