يدعو مرجع أمني وسياسي بارز في لبنان إلى عدم الاستعجال في خوض النقاشات وبدء التحضيرات للانتخابات البلدية المفترض إجراؤها في مايو/أيار المقبل. يشير المصدر نفسه في مجالسه إلى أنّ حظوظ إجراء الانتخابات أو تأجيلها لا تزال متساوية، "النسبة خمسون مقابل خمسين في المائة"، على الرغم من كون كل الإيحاءات والمواقف السياسية تتحدث عن إصرار على إجراء هذا الاستحقاق. ولدى سؤال المرجع نفسه عن واقع سير الأمور، لا يتردّد في القول لـ"العربي الجديد" إنّ ورقة أمنية قد تُسحب من الأدراج لإعاقة الانتخابات، على اعتبار أنّ "أيّ طرف سياسي لن يأخذ على عاتقه مسؤولية ضرب هذا الاستحقاق والحياة الديمقراطية والانتخابية في البلد". فستقع المسؤولية إذاً على عاتق بعض المؤسسات الأمنية التي يمكن أن تصدر تقريراً واضحاً يدعو إلى التأجيل نظراً لوجود محاذير أمنية ومخاوف من محاولة بعض الأطراف استهداف العملية الانتخابية. ولا يستبعد المصدر نفسه أنّ يتحمّل مجلس الأمن المركزي، الذي يضمّ وزير الداخلية نهاد المشنوق وقادة أجهزة الأمن الداخلي وفروعها، هذه المسؤولية وذلك بعد التئامه في جلسة مقرّر عقدها في أبريل/نيسان الحالي.
وفي هذا الإطار لا بد من التذكير بما نُقل عن المدير العام لجهاز الأمن العام اللبناني، اللواء عباس إبراهيم (المقرّب من حزب الله والمحسوب عليه)، قبل شهر تقريباً خلال مناسبة اجتماعية، بأن "لا انتخابات بلدية". يومها أتى موقف إبراهيم معاكساً تماماً للأجواء السياسية، حتى لجهة ارتياح حزب الله وحليفه رئيس مجلس النواب نبيه بري، في خوض الاستحقاق البلدي وإطالة أمد التحالف القائم بينهما على مستوى الطائفة الشيعية. مع العلم أنّ مسؤولين من الحزب ومن حركة أمل (الإطار التنظيمي الذي يرأسه بري) بادروا منذ أسبوع إلى عقد لقاءات في جنوب لبنان للإحاطة بالملف البلدي وبدء التحضير له. ولو أنّ متابعين لحزب الله يؤكدون لـ"العربي الجديد" أنّ "الحزب لا يريد فرض الانتخابات ولا فرض تأجيلها، بل يتعامل مع الملف بشكل هادئ"، وهو ما يمكن وضعه في إطار رمي كرة التأجيل في ملعب تيار المستقبل وقوى 14 آذار.
وفي السياق نفسه، لا يرى عدد من الأطراف أي مصلحة لهم في خوض استحقاق انتخابي في الوقت الراهن، أولهم تيار المستقبل وثانيهم زعيم الحزب الاشتراكي ورئيس كتلة اللقاء الديمقراطي النائب وليد جنبلاط. بالنسبة لـ"المستقبل"، لا يزال البيت الداخلي غير منظّم وبعيداً عن التماسك وإعادة إحياء الماكينات الانتخابية. وباعتراف بعض مسؤولي التيار وأعضاء كتلته النيابية فإنّ "الجهوزية غير موجودة داخل التيار، ولا تزال الأزمة التنظيمية، التي ولدت نتيجة ابتعاد الرئيس سعد الحريري عن البلد (لحوالي أربعة أعوام)، قائمة وبحاجة إلى تفكيك مفاصلها"، إضافة إلى وجود نقص مالي لإحاطة الاستحقاق الانتخابي. أيضاً بالنسبة لـ"المستقبل"، فعملية ترتيب البيت السنّي التي أطلقتها السعودية منذ أشهر بهدف جمع الشخصيات والتيارات السنّية إلى جانب الحريري ووقف الاختراق السياسي لحزب الله في هذه الجبهة "لم تنته بعد، وهو ما يعني أنّ الحريري والمستقبل لا زالا يواجهان معارضة انتخابية وسياسية من داخل الطائفة السنّية".
أما من جهة النائب جنبلاط، فإنّ الأفضل، بحسب ما يشير مقرّبون منه، إبقاء الأمور على حالها في الوقت الراهن وعدم خوض أية مجازفات لحين التوصّل إلى حل سياسي واضح في البلد. فجنبلاط، بحسب هؤلاء، يحاول إقناع الجميع بوجوب الابتعاد عن أي ملف يساهم من قريب أو بعيد في توتير الساحة اللبنانية وضرب الحدّ الأدنى من الاستقرار السياسي والأمني الموجود. وفي الميزان السياسي أيضاً، تشير حسابات جنبلاط إلى معركة شرسة سيضطر إلى خوضها في منطقتي الشوف وعاليه (قضاء جبل لبنان حيث الثقل الدرزي) بوجه التحالف المسيحي المستجدّ بين رئيس تكتل التغيير والإصلاح النائب ميشال عون، ورئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع. وينبع قلق جنبلاط من وجود نسبة اختلاط طائفي كبيرة في القرى الشوفية، حيث من المتوقع أن يتكتّل المسيحيون حول تحالف عون وجعجع، وهو عكس ما كان يحصل طوال العقود السابقة، فيفقد جنبلاط الغلبة في منطقة نفوذه. في حين يرى كل من عون وجعجع أنّ الاستحقاق البلدي مناسبة فعلية لامتحان التفاهم بينهما وتكريسه سياسياً وانتخابياً وشعبياً.
وفي حال تم تأجيل الاستحقاق البلدي، تكون القوى السياسية قد استكملت مسلسل مصادرة حقوق اللبنانيين من خلال التمديد وعدم إجراء الانتخابات في مواعيدها، بعد التمديد للمجلس النيابي مرّتين والشغور في موقع رئاسة الجمهورية (منذ مايو/أيار 2014) وإبقاء الشغور أيضاً في عدد كبير من المواقع الرسمية.