في حوارٍ مع "العربي الجديد"، يكشف الجبوري عن آخر ما توصلت إليه تحقيقات هذه اللجنة والوضع السياسي الداخلي في العراق، والمشاكل التي تواجهها حكومة عادل عبد المهدي، برأيه.
*نبدأ من ملف المختطفين والمغيبين العراقيين، حدثنا عن أبرز ما توصلتم إليه في هذا الملف.
هذه اللجنة تمّ تشكيلها بإرادة سياسية قبل أن تكون رسمية، وهناك نية أن تتبناها الدولة من خلال مشاركة الجميع بتشكيل لجنة عليا تضم جميع الأطراف التي ساهمت بشكلٍ أو بآخر في التصدي لهذا الموضوع، من خلال تجميع الأعداد والإحصائيات التي تتعلق بالمغيبين والمفقودين. وفي هذا الخصوص، عقدنا لقاءات مع الأمم المتحدة والقضاء العراقي، أثمرت حتى الآن تحفيزاً لأطراف كثيرة لاعتبار الملف أولوية، وعلى وجه التحديد مجلس القضاء الأعلى، من خلال رئيس الادعاء العام ورئيس جهاز الإشراف القضائي وقضاة آخرين، وعلمنا أن رئيس الحكومة سيشكل لجنة عليا تنفيذية من أجل متابعة كل الإحصائيات والبيانات التي نتولاها بشكل أو بآخر. ولدى الأمم المتحدة تقرير يمكن أن تقدمه هذا الأسبوع، وتتناول فيه هذا الملف على وجه الخصوص، وقد تسلمت تقارير مفصلة، بعضها رسمي، من الممكن أن تضمها في تقاريرها، ولدينا جدول للقاء ذوي الضحايا والاستماع إلى إفاداتهم، وكذلك تمّ وضع عنوان بريد إلكتروني من أجل جمع كل البيانات والمعلومات لكثير من العوائل التي لم تدل بما في حوزتها من معلومات، بسبب خوفها، أو عدم وجود جهة تتبنى طلبها. وقد أخذت اللجنة على عاتقها أن تصل إلى نتيجة للكشف عن الحقائق وتبيان الجهة المتورطة بتغييب هذا العدد الكبير.
* كم عدد المغيبين والمختطفين؟ وهل هم أحياء أم أموات؟ ومن هي الجهات المتورطة بتغييبهم؟
حتى هذه اللحظة، لا نستطيع أن ننشر عدداً محدداً حول المغيبين، فقد وصلتنا بيانات من محافظات عدة، ومن مناطق متفرقة في العراق. ففي الصقلاوية (محافظة الأنبار) على سبيل المثال، هناك 665 مفقوداً، وهو رقم رسمي، مع رصد أعدادٍ أخرى في الموصل وديالى وحزام بغداد وصلاح الدين، وهي أعداد في تزايد بسبب المعلومات والبيانات الجديدة التي ترد إلينا، والتي نعتقد أنها تحتاج إلى تحديث، وهذا من ضمن المهمة التي تقع على عاتقنا. كما أن مهمتنا تتضمن الوصول إلى حقيقة أمرهم، فإذا كانوا أحياء يجب البحث عن أماكن تواجدهم، وهناك مؤشرات تدل على أنهم موجودون في بعض السجون والمعتقلات، حيث يجري نقلهم من مكان إلى آخر، وهناك شعور كذلك أنه بحكم المدة الطويلة على غياب بعضهم، فقد يكون هؤلاء قد تعرضوا للتصفية، وهنا أيضاً تكمن مهمتنا بالكشف عن ذلك. أما الجهات المتورطة بتغييبهم أو خطفهم، فهي متعددة، بعضها يحمل عناوين رسمية، وبعضها الآخر بعناوين مليشياوية، وقد جرت التصفيات بعد تطهير المناطق من تنظيم "داعش".
ونحن نتحدث كذلك عن فعل "داعش" في البداية، إذ جرت عمليات خطف وتغييب لأطراف عديدة (في فترة سيطرته)، لكن ما جرى بعد التحرير (من "داعش") شمل مناطق معينة بهذا الخصوص (عمليات خطف) وولّد بدوره إشكالاً كبيراً.
* كيف سيتم التعامل فيما إذا كان المغيبون قد تمّت تصفيتهم فعلياً؟
بطبيعة الحال، هؤلاء سيكونون شهداء، تماماً كما جرى التعامل مع ملفات أخرى، تخصّ شهداء "سبايكر" وشهداء مناطق عديدة... إذا تم الكشف عن ذلك (إذا تأكدت تصفيتهم) فما هو ذنبهم؟ على الدولة التعاطي مع هذا الملف.
* كرئيسٍ سابق للبرلمان خلال فترة صعبة مرت على العراق، كيف تقيمون الأوضاع الآن بعد عام على تشكيل حكومة التسوية برئاسة عادل عبد المهدي؟ وهل باستطاعة الأخير إكمال سنواته الأربع؟
مهمة رئيس الحكومة عادل عبد المهدي صعبة، نحن اليوم نمر في مرحلة البناء والإعمار، وليس فقط الملف الأمني الذي كانت له الأولوية سابقاً، لكن تجاذب الأطراف السياسية، وحالة الإرباك الذي سادت عملية تشكيل الحكومة والتنازع السياسي الشديد، عوامل تعقّد من مهمة رئيس الوزراء، وعليه، فالمطلوب منه بذل جهدٍ أكبر مما هو مبذول حالياً. أما عن شخص رئيس الحكومة، فهو مقبول ومحل احترام لدى الجميع، علماً أن الشارع العراقي والقوى السياسية بحاجة لرؤية أثر واضح وملموس في هذا الإطار. ونأمل أن يستمر رئيس الحكومة طبعاً في مهماته، لكن مع إجراء تعديلات وزارية، وأعتقد أن عمليات التضييق ستبدأ مع نهاية العام الأول على هذه الحكومة، سواء من داخل البرلمان أو من جهة الأطراف السياسية، وقد تستهدف شخصيات في الحكومة، وإذا لم يقدم عبد المهدي تحسينات وأموراً ملموسة وذات وقعٍ وأثر، فقد يصل التضييق إلى رأس الحكومة، ويؤثر على إمكانية استمراريته.
* هل ستؤثر برأيكم تجربة تحالف الأضداد بين القوى السياسية والتي جرت في انتخابات 2018، على تفاهمات انتخابات 2020، أو حتى انتخابات 2022؟
هذه التجربة سيكون لها تأثيرها بالطبع، بل أكثر من ذلك، إذ إن الفترة الماضية شهدت تحالفات جامعة لأطراف متعددة في العملية السياسية، أما الخلافات اليوم فقد نزلت إلى مستوى الأحزاب نفسها، وبالتالي فإن الانتخابات المقبلة سوف تشهد اختلافاً بالتحالفات بين المحافظات، وذلك بحسب طبيعة كل محافظة والقوى السياسية المتواجدة فيها ومراكز القوى المتنوعة، وقد تشهد الانتخابات المحلية في المناطق المختلطة حالة من الصراع القومي أو الطائفي.
* هل يعتبر بروز زعامات سياسية سنية شابة إيذاناً بتنحي الوجوه السياسية التي اعتاد العراقيون رؤيتها خلال السنوات السابقة؟
من حق كل شخص أن يمارس نشاطه السياسي، وأن يقدم نظريته وتوجهاته، واليوم يلعب المال السياسي دوره بشكل كبير، وقد أثر استغلال مؤسسات الدولة، سواء الانتخابية أو القضائية أو غيرها، بشكل كبير على أمزجة الناس، لكن ذلك التأثير يبقى في إطار داخلي لكل محافظة، وحتى اللحظة تمكن عدد من الشخصيات من إثبات حضوره واستمرارية عمله، بالتالي فإن محاولة إبعاد الآخر قد تكون سياسة ناجحة على المدى القصير، لكنها تبقى مرحلية ومؤقتة.
* هناك طرح يقول إن الشارع العراقي اليوم أقل ترحيباً بالأحزاب الإسلامية، وبالشخصيات التي تتبنى الخطاب المذهبي. هل توافقون على ذلك؟
نعم هذا صحيح، وذلك بسبب الفشل وتراكم الأخطاء وغياب القناعة، فأصبح معلوماً لدى الجميع أن تبني هذا الخطاب (الإسلامي والمذهبي) لا يجر البلاد إلا إلى الآثار السلبية، بالتالي فقد أثر ذلك على مصداقية هذه الأحزاب وتوجهاتها وإنتاجها.
* تغول الفصائل المسلحة في العراق... كيف تقيمون العبارة؟
هذه الحالة لا يمكن إنكارها، مع وجود أطراف مسلحة لا تراعي ولا تدعم رأي القائد العام للقوات المسلحة، وإنما تعمل بصورة متفلتة، محاولة فرض سطوتها ووجودها، مع رغبتها بإنشاء دولة داخل دولة.
* كيف تقيمون الوضع عموماً في العراق؟
العراق زُج به في الصراع الحالي الذي تعيشه المنطقة، وأصبح جزءاً منه، وما كان ينبغي أن يكون كذلك، وبالتالي أصبحنا ساحة صراع وتنافس بين أقطاب دولية، أما إذا استمرينا على هذا الحال، فسنكون الخاسر الأكبر.