بات قرار حلّ "الحزب العربي الديمقراطي" و"حركة التوحيد-فرع هاشم منقارة"، الموالين بالكامل للنظام السوري ولحزب الله، بيد رئيس الحكومة اللبنانية، تمام سلام، بعد تحويل طلب بهذا الشأن من وزارة الداخلية إلى رئاسة مجلس الوزراء، بتزكية ودعم من وزير العدل المستقيل، أشرف ريفي. التنظيمان أدانهما القرار الاتهامي الذي أصدره المحقق العدلي، القاضي آلاء الخطيب، حول تفجيري مسجدي التقوى والسلام في طرابلس شمال لبنان، عام 2013 (راح ضحيته أكثر من 50 قتيلاً وعشرات الجرحى). وبحسب المصادر السياسية، بات بين يدي رئيس الوزراء اللبناني "كرة نار ملتهبة تتعلّق بوضع هذا الملف على جدول أعمال الحكومة". فإذا قرّر مناقشة هذا البند بالفعل، ربما ينفرط عقد الحكومة بالكامل، على اعتبار أنّ الحزب ينظر إلى المسّ بحلفائه كالمسّ به، سياسياً وأمنياً واجتماعياً. أما إذا اتّخذ سلام قرار التريّث في طرح الملف، فيكون قد تكبّد خسارة سياسية وشعبية تحديداً على مستوى الطائفة السنية. في الحالتين، يجد سلام نفسه في مأزق جديد يضاف إلى الأفخاخ العديدة التي واجهتها حكومته التي تتألف من كافة الأطياف السياسية الرئيسية (ما عدا حزب القوات اللبنانية وحزب الكتائب المنسحب حديثاً منها)، والتي جعلته يهدد، بوتيرة شهرية ربما، بالاستقالة كنوع من التهديد، لعلّ ذلك يجعل أطراف الطاقم السياسي الحاكم يقدمون تنازلات لمصلحة إبقاء المؤسسة الدستورية الوحيدة الناجية من الشلل، في ظل شغور الرئاسة وتعطيل المجلس النيابي العاجز عن انتخاب رئيس، بسبب مقاطعة التيار العوني وحليفه حزب الله بشكل رئيسي.
ولم يصدر عن حزب الله أي موقف دفاعي جدي عن سماحة، وترك الملف يسير بشكل طبيعي في القضاء، وصولاً إلى رفع الحكم على سماحة من أربع سنوات إلى 13 سنة بعد تمييز الحكم في القضاء العسكري. وتنقل هذه الشخصيات عن مسؤولين في الحزب قولهم إن "حزب الله لن يتعامل في أي ملف أمني أو قضائي من باب حلفائنا أو غير حلفائنا، لكن سيتمّ التعامل مع هذا الموضوع بما يقوله القضاء". وتضيف أن "القرار الاتهامي دان أشخاصاً من المذهب العلوي وربما أعضاء في الحزب العربي (الذي يعتبر حزباً علوياً بشكل شبه كامل)، وبالتالي لا يجب تحويل الملف إلى اتهام عام للحالة السياسية والتنظيم". قد يبدو حزب الله هادئاً في التعامل مع الموضوع إلا أنه في الوقت نفسه "لن يسمح في المس بحلفائه"، ما يطرح العديد من علامات الاستفهام حول كيفية تعاطي الحكومة اللبنانية في هذا الملف.
لكن في إطار المشكلات القضائية والأمنية نفسها، وقع حليف النظام السوري وحزب الله، رئيس حزب "التوحيد العربي" الوزير السابق وئام وهاب، في مأزق آخر بعد ثبوت تورّط أحد مرافقيه بإعداد تفجير في منطقة مجدل عنجر (البقاع، شرقي لبنان). وقد اتخذ وهاب خيار التصعيد بوجه القضاء والمؤسسات الأمنية، وذهب إلى حد تهديد السلطة والقوى الأمنية من خلال نشر مسلحيه في بلدته ومنع قوى الأمن من دخولها. وتسلّح بشعارات مذهبية بقوله "نحن دروز ولا نسكت عن ثأرنا".
وبدا للبعض أنّ تزامن تحويل حلّ حزبي "العربي" ومنقارة، ومحاصرة وهاب قضائياً وسياسياً، يصبّ في إطار اتفاق ما، يمرّره حزب الله على درب حلّ للأزمة السياسية. مع العلم أنّ مسؤولين من تيار "المستقبل" ومن قوى "8 آذار"، يؤكدون لـ"العربي الجديد" أنّ "علاقة وهاب بوزير الداخلية نهاد المشنوق، أكثر من ممتازة، وأبواب الوزارة مشرّعة أمام الوزير السابق الذي لا يتردّد في طرق أبوابها للحصول على الخدمات"، وهو ما من شأنه تعزيز نظرية تضييق الخناق على حلفاء حزب الله في هذه المرحلة. لكن معروف في لبنان، أنه حتى لو صحت نظرية "التضحية" ببعض الحلفاء الهامشيين للنظام السوري ولحزب الله، فإنه سيكون هناك خطوط حمراء يصعب على أحد تجاوزها، كأن يشمل النشاط القضائي حلفاء آخرين لدمشق ولحزب الله يملكون حيثية أكبر بكثير مما يملكها وئام وهاب وهاشم منقارة (الأول حيثيته محصورة في عدد قليل من قرى الجبل التي تقطنها غالبية درزية، والثاني شبه مطرود من طرابلس ولا يمثل حركة التوحيد الإسلامية بل لديه فرع شبه منشق عنها)، من أحزاب مسلحة تمارس سلطتها ونفوذها في مناطق عديدة.
إلا أنّ مقربين من المشنوق، يشيرون لـ"العربي الجديد" إلى أنّ "لا ترابط بين ملفي الحزب العربي ومنقارة من جهة وملف وهاب من جهة أخرى، وفي الأساس قضية وهاب لا تزال في إطار التحقيقات الأمنية ولم يتم تحويلها إلى القضاء بعد". ومن شأن هذا التوضيح الإطاحة بالنظرية القائلة إنه يتم تفكيك الشبكات الأمنية والسياسية المحيطة بحزب الله، من دون أن يعني ذلك أنّ مسألة حلّ الحزبين المتّهمين ستكون معياراً رئيسياً لقياس مدى التزام حزب الله بالقانون والقرارات القضائية وتمسّكه بالحكومة، بالإضافة إلى كونها مادة رئيسية لإعادة رسم خريطة جديدة في صفوف قوى "14 آذار" المشرذمة، وتحديداً تيار "المستقبل" ومن يدورون في فلكه.