ضمن حزب "الجمهورية إلى الأمام"، والذي أسسه الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، اليوم الأحد، تأمين الغالبية المطلقة في الجمعية الوطنية، حاصداً، وفق التقديرات، ما بين 355 و425 مقعداً من أصل 577 في الانتخابات التشريعية.
وستعزز هذه النتيجة موقع ماكرون، والذي صار موعوداً بولاية رئاسية من خمس سنوات، يحكم فيها من موقع قوة مطلقة، وبإمكانه تطبيق مجمل إصلاحاته، حتى تلك الأكثر إثارة للجدل، في مختلف المجالات، من دون أية عرقلة برلمانية، بعد أن يمسك بزمام السلطتين التنفيذية والتشريعية.
وقد فاز كل وزراء حزب "الجمهورية إلى الأمام" المرشحين، وهو ما سيمسح لهم بالبقاء في الحكومة.
كما أن المعارضة، بشقيها اليميني واليساري، ستكون حاضرة في البرلمان الجديد، إذ إن حزب "الجمهوريون" وأنصاره في حزب "الاتحاد الديمقراطي المستقل" حقق ما كان ينتظره، من إيصال أكثر من مائة نائب إلى البرلمان (ما بين 107 و127)، وبالتالي سيشكل أكبر حزب معارض للرئيس إيمانويل ماكرون.
كما استطاع الحزب الاشتراكي، الذي أعلن أمينه العام، جان-كريستوف كامباديليس، عن استقالته من قيادة الحزب، وحركة "فرنسا غير الخاضعة"، أن يضمن كل واحد منهما مجموعة برلمانية مستقلة.
ويستطيع الحزب الاشتراكي وحليفه من اليسار الراديكالي أن يوصلا ما بين 30 و35 نائباً إلى الجبهة الوطنية، فيما يمكن لـ"فرنسا غير الخاضعة" والحزب الشيوعي أن يوصلا ما بين 22 و27 نائبا إلى الجمعية الوطنية.
كما أن حزب "الجبهة الوطنية" اليميني المتطرف حصل على 6 نواب، وربما أكثر، قليلا، وعلى رأس هؤلاء النواب رئيسة الحزب، مارين لوبان، التي تجاوزت 58 في المائة. ولكن عدد نواب هذا الحزب اليميني المتطرف غير كافٍ لتشكيل مجموعة برلمانية مستقلة، بعد أن كان في البرلمان السابق مُمثَّلاً في نائبين اثنين، فقط.
وفق التوقعات، ينتظر أن تفوز أكثر من 40 نائبة في البرلمان المقبل، وهي أعلى نسبة تمثيلية للنساء في تاريخ البرلمان الفرنسي.
وقد فضَّل القسم الأكبر من الناخبين الفرنسيين، مرة أخرى، الاستمتاع بالطقس الجيد وارتياد البحر على التصويت في الانتخابات، محطَّمين رقما قياسيا آخَرَ في الامتناع عن التصويت لم يسجل منذ 1958، بنسبة 58 في المائة، ضاربين بعرض الحائط كل الدعوات التي تحث على التصويت، ليس فقط الصادرة من طرف الحكومة، بل ومن كل الأحزاب التي تريد أن تُشكّل مُعارَضة لحكومة ماكرون، والمتضرّرة، أكثر من غيرها، من عزوف المواطنين عن التصويت.
وقد مرّت الدورة الثانية من الانتخابات التشريعية في ظروف غير مسبوقة وغير متساوية بين الأحزاب والحركات المتنافسة، فحركة "الجمهورية إلى الأمام" دخلت الدورة الثانية من الانتخابات بـ454 مرشحا، إضافة إلى 62 عن حزب الموديم المتحالف معها، مقابل 264 مرشحا عن حزب "الجمهوريون"، فيما كان عدد مرشحي حزب "الجبهة الوطنية" 122 شخصا، والاشتراكيين 64 مرشحا، بينما أوصلت حركة "فرنسا غير الخاضعة" 74 مرشحا.
وقد دخلت حركة "الجمهورية إلى الأمام" الانتخابات من موقف قوي، بعد أن استطاعت "تحطيم" الحزب الاشتراكي، واستمالة معظم من تبقى من مرشحيه، إلى برنامجها ومشروع رئيسها (كما فعلت مع الوزيرتين الاشتراكيتين السابقتين، مريم الخمري وماريسول تورين مثلا)، إلى درجة أن حركة "فرنسا غير الخاضعة" لم تجد سوى أربعة مرشحين اشتراكيين دعت أنصارها للتصويتلهم في الدورة الثانية.
واستطاعت حركة الرئيس إحداث كَسر كبير في حزب "الجمهوريون"، اليميني، واستمالة قياديين كبار منه، وعلى رأسهم إدوار فيليب، الذي عُيّن رئيسا للحكومة، وهو ما ساهم في إحداث بلبلة في نفوس الناخبين.
ولم يكن خافياً على أحد أنه بعد ظهور نتائج الدورة الأولى، تغيرت كثيرا آمال وانتظارات الأحزاب المنافسة لحركة الرئيس الفرنسي. فـ"الجمهوريون" يريدون إيصال ما يقرب من مائة نائب حتى يجنبوا حزبهم أي انفجار، في حين أن الاشتراكيين وأنصار ميلانشون يأملون الحصول على مجموعة برلمانية.
فازت مارين لوبان، لأول مرة، في الانتخابات التشريعية. وقد عبّرت، النائبة في البرلمان الأوروبي، عن غبطتها بالفوز، لكنها لم تُخف غضبها لأن "النظام الانتخابي الفرنسي يَحرم حزبا نال تصويت أكثر من 3 ملايين ناخب من مجموعة انتخابية مستقلة". وتوعدت بمعارضة الرئيس ماكرون، بكل قوة، منتقدة النظام الفرنسي: "الذي يتلقى أوامرَه من الجارة ألمانيا".
أما رئيس الحكومة الفرنسي، إدوار فيليب، فقد شكر المشاركين، وشكر، أيضا، كل من سهر على توفير الأمن لهذه الانتخابات، موجها التحية لكل المنتَخَبين، خصوصاً منتخبي حركة الرئيس.
وشكر فيليب، أيضا، الشعب الفرنسي على اختياره لهذه الأغلبية الرئاسية، كما عبَّر عن احترامه لنواب المعارضة، التي سيعمل معها. وتأسَّف على تدني نسبة التصويت في هذه الانتخابات. ووعد بالنموذجية وتحقيق النتائج.
أما فرانسوا باروان، القيادي في "الجمهوريون"، فعبّر عن ارتياحه لتحقيق هذه النتائج، التي تجعل من حزبه "حزب المعارضة الرئيسي لماكرون"، ووعد بإسماع الحكومة الجديدة صوت المعارضة الهادف والبناء، خاصة في القضايا الاقتصادية والضرائب.
ومن جهته، صرح جان لوك ميلانشون، الذي هزم مرشحة ماكرون، والذي كان هجوميّاً، أن بإمكان "فرنسا غير الخاضعة أن تشكل مجموعة برلمانية منسجمة وقوية ومستقلة"، وقال إن نسبة التصويت المنخفضة تكشف أن "الشعب الفرنسي دخل في إضراب مدني عام".
وتوعد ميلانشون بإسماع صوته في كل القضايا التي تهم الفرنسيين، خاصة "قانون الشغل"، ومن بينها محاولة الرئيس ماكرون شرعنة "حالة الطوارئ". كما مدّ ميلانشون يده لكل نواب المعارضة اليساريين الآخرين، في إشارة إلى "متمردي" الحزب الاشتراكي، الرافضين لإغراء ماكرون، وإلى الشيوعيين.
وعلى الرغم من أن المعارَضة لن تكون ممثلة بقوة في البرلمان الجديد، إلا أن حضور خطيبٍ منبري مثل ميلانشون، وأيضا مارين لوبان، سيمنح نكهة خاصة للجمعية الوطنية.