ونقل معلق الشؤون الاستخبارية البارز، رونين بريغمان، عن قيادات عسكرية واستخبارية إسرائيلية قولها إن ترامب اتخذ قراره على الرغم من أن تل أبيب أبلغته بأنه يمس بمصالحها الاستراتيجية.
وخلال تعليق بثته قناة التلفزة الإسرائيلية العاشرة الليلة الماضية، قال بريغمان إنه لا يمكن "تصور حجم الغضب والإحباط الذي يعصف حاليا بكبار قادة الجيش والاستخبارات الإسرائيلية في أعقاب القرار الأميركي"، منوها إلى أن هؤلاء يحذرون من أن القرار يمكن أن يفضي إلى "تبديد الإنجازات" التي حققتها إسرائيل خلال الأعوام الثلاثة، عبر تدخلها العسكري المباشر لإحباط نقل السلاح إلى "حزب الله" وإعاقة توجه إيران للتمركز عسكريا في سورية.
وكشف أن وزير الدفاع الأميركي، جيم ماتيس، قد حذر القيادات العسكرية في إسرائيل مؤخرا من أن ترامب "قد يفاجئ" ويتخذ قرارا بالانسحاب رغم اعتراض كبار مساعديه في الإدارة الأميركية.
وحسب القيادات العسكرية والاستخبارية التي تحدث إليها بريغمان، فإن إسرائيل تخشى أن يفضي القرار الأميركي ليس فقط إلى تحسين قدرة إيران على التمركز داخل سورية، بل تحسين قدرتها أيضا على تزويد "حزب الله" بالسلاح والعتاد المتطور.
وادعى بريغمان أن "حزب الله" سيطر على منظومات صواريخ مضادة للسفن بالغة التطور، سبق لروسيا أن زودت بها نظام بشار الأسد، منوها إلى أن روسيا لم تنجح في إرغام نظام الأسد على استعادة هذه الصواريخ بعد تدخل إسرائيلي مباشر لدى موسكو.
من ناحيته، قال السكرتير السابق للحكومة الإسرائيلية والقيادي في حزب الليكود الحاكم، تسفي هاوزر، إن القرار الأميركي يمثل إنجازا استراتيجيا كبيرا لكل من إيران وتركيا، وسيغير الفضاء الاستراتيجي لإسرائيل "بشكل كارثي".
وخلال برنامج حواري بثته الليلة الماضية قناة التلفزة الرسمية "كان"، توقع هاوزر أن يشجع قرار ترامب إيران على أن تشترط انسحابها من سورية بانسحاب إسرائيل من هضبة الجولان.
من ناحيته لم يستبعد وزير الحرب الإسرائيلي السابق، أفيغدور ليبرمان، أن يفضي قرار ترامب إلى اندلاع مواجهة شاملة على الجبهة الشمالية.
وخلال مقابلة مع قناة التلفزة الثانية، قال ليبرمان إن القرار الأميركي سيشجع كلا من إيران و"حزب الله" على التحرش بإسرائيل ومحاولة تجاوز الخطوط الحمراء، مما يزيد من فرص اندلاع مواجهة شاملة.
وفي السياق، خلصت دراسة صادرة عن "مركز أبحاث الأمن القومي" الإسرائيلي إلى أن الانسحاب الأميركي سيعزز من قدرة نظام الأسد على استكمال السيطرة على مناطق سورية، سيما حقول النفط شمال شرق البلاد.
وتوقعت الدراسة، التي أعدها الجنرالان أودي ديكل وإلداد شفيت ونشرت اليوم، أن تتجه القوات الكردية للتعاون مع نظام الأسد والمحور الإيراني الروسي في أعقاب القرار الأميركي، لتقليص قدرة تركيا على السيطرة على مناطق نفوذهم شمال شرق البلاد.
واستبعدت الدراسة أن تحاول الولايات المتحدة التأثير على مستقبل سورية من خلال دورها المحتمل في تنفيذ مشاريع إعادة إعمار البلاد، مشيرة إلى أنه لا يوجد ما يدلل على أن ترامب معني بأن تلعب الولايات المتحدة دورا مركزيا في هذه المشاريع.
ورجحت الدراسة أن تعمد روسيا إلى التشبث بالوجود العسكري الإيراني في سورية من أجل توظيفه مستقبلا كورقة مساومة عند الحديث عن تسوية للأوضاع في سورية أو لدى طرح قضية إعادة إعمار البلاد.
وأشار معدا الدراسة إلى أن إسرائيل توقعت إجراءات أميركية أكثر حسما في إطار التصدي للوجود الإيراني في سورية، حيث أوضحا أن إسرائيل باتت لوحدها في المعركة التي تخوضها من أجل إخراج إيران من سورية.
أما معلق الشؤون العسكرية في قناة التلفزة الإسرائيلية العاشرة، ألون بن دافيد، فقد أشار إلى أن إسرائيل رأت في الوجود العسكري الأميركي في سورية، على الرغم من رمزيته، بطاقة ائتمان استراتيجية، على اعتبار أنه يمثل رادعا أمام الروس والإيرانيين بأن تل أبيب تحظى بدعم القوة الأعظم.
وفي تحليل نشره موقع صحيفة "معاريف" اليوم، أعاد بن دافيد للأذهان ما قاله نائب رئيس أركان الجيش الإسرائيلي السابق يئير جولان، الذي أكد أن نجاح الغارات الجوية في إحباط التمركز العسكري الإيراني محدود للغاية، ولا يمكن أن تسهم في ضمان تحقيق هدف إسرائيل المتمثل في طرد الإيرانيين من هناك.
ولفت بن دافيد إلى أن الخطوة الأميركية ألحقت ضررا سياسيا كبيرا بإسرائيل، مشيرا إلى أنها ستمس بمكانة تل أبيب، على اعتبار أن الكثير من الدول أبدت حرصا على التقرب من تل أبيب بسبب تكريس انطباع بأن رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو يتمتع بدرجة تأثير كبيرة على ترامب.
وأضاف أنه بعدما تبين أن ترامب أقدم على خطوة الانسحاب دون الالتفات إلى إسرائيل ومصالحها، فإن هذا التطور سيمس بمكانة إسرائيل.
وحذر من أن الخطوة الأميركية يمكن أن تشجع إيران على اتخاذ خطوات دراماتيكية لمواجهة العقوبات عليها، منوها إلى أن الإيرانيين يمكن أن يعودوا إلى تخصيب اليورانيوم بشكل يسهل عليهم إنتاج السلاح النووي.
وأوضح أن الإيرانيين عندما يرون أن ترامب يسحب القوات من سورية لمجرد تقليص فاتورة الوجود الأميركي هناك، فإنهم قد يصلون إلى قناعة بأن الولايات المتحدة لن تخاطر بعمل عسكري ضدها في حال أقدمت على تطوير السلاح النووي.
من جهته، اعتبر معلق الشؤون العسكرية في صحيفة "يديعوت أحرنوت"، رون بن يشاي، أن قرار ترامب سيمس بشكل كبير بمكانة الولايات المتحدة كقوة عظمى، مع تهديد البيئة الاستراتيجية لإسرائيل.
ونوه بن يشاي إلى كون قرار ترامب يعني أنه سيكون بوسع كل من روسيا وإيران وتركيا تحديد نمط الحل الذي سيتم فرضه بعد انتهاء الحرب الأهلية الدائرة هناك.
وأشار إلى أن تفكيك القاعدة العسكرية الأميركية في منطقة التنف الواقعة بالقرب من مثلث الحدود السورية الأردنية الإسرائيلية، والذي يمثل قاعدة للوحدات الخاصة الأميركية، سيمثل ضربة قوية لإسرائيل على اعتبار أن هذه القاعدة تلعب دورا مهما في منع إيران من نقل السلاح والعتاد إلى سورية عبر البر، إلى جانب إسهامها في منع الحرس الثوري الإيراني ومقاتلي "حزب الله" من التمركز في جنوب سورية ومنطقة الجولان.
وأشار إلى أن الانسحاب من سورية يعني أن الولايات المتحدة تنازلت عن الورقة التي بإمكانها أن تستخدمها مع روسيا للتفاوض على مستقبل الأوضاع في أوكرانيا.